“المعادن النادرة” تشعل الأزمة بين أمريكا وأوكرانيا من جديد

دخلت صفقة المعادن بين الولايات المتحدة وأوكرانيا مرحلة متوترة حيث يكافح الجانبان للتوصل إلى اتفاق نهائي بشأن شروط الصفقة. تركز الاتفاقية على الاستثمارات في المعادن النادرة في أوكرانيا، والتي تعد ضرورية للصناعات الحديثة وتمثل نقطة ارتكاز لكييف في اتفاق وقف إطلاق النار في الحرب المستمرة منذ ثلاث سنوات مع روسيا.
وتفاقمت الأزمة المحيطة بالاتفاق بسبب التصريحات التي أدلى بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. واتهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بمحاولة التلاعب بشروط الاتفاق. وحذر من عواقب وخيمة إذا رفض زيلينسكي التوقيع على الاتفاق، مشيرا إلى أن هذا قد يؤدي إلى تجميد الدعم الأمريكي لأوكرانيا في وقت حرج.
أهمية المعادن النادرة
وتتركز الاتفاقية على استخراج وتصدير المعادن النادرة المستخدمة في التكنولوجيا الحديثة، مثل بطاريات السيارات الكهربائية والأجهزة الإلكترونية وغيرها من التطبيقات التي تعتمد على المعادن الاستراتيجية. إن الطلب العالمي المتزايد على هذه المعادن جعل من أوكرانيا، التي تمتلك احتياطيات ضخمة من هذه المعادن، هدفًا استراتيجيًا للقوى الكبرى في السنوات الأخيرة. لكن هذه الصفقة تواجه مقاومة شديدة في أوكرانيا. ويخشى البعض من أن الولايات المتحدة قد تحاول الاستحواذ على الموارد الطبيعية الأوكرانية بأسعار غير عادلة.
تشكل المعادن النادرة مثل الليثيوم والنيوديميوم والجرافيت والتيتانيوم مكونات أساسية في الصناعات عالية التقنية، بما في ذلك المركبات الكهربائية والأجهزة الذكية وأنظمة الدفاع. تلعب هذه المعادن دوراً محورياً في التكنولوجيا الخضراء، وبالتالي فهي ضرورية للتنمية الاقتصادية والأمن القومي للدول الصناعية الكبرى.
تتمتع أوكرانيا باحتياطيات ضخمة من هذه المعادن؛ تحتوي على 22 من المعادن الـ 34 التي صنفها الاتحاد الأوروبي بأنها “حيوية للأمن الوطني والتنمية الاقتصادية”. وبحسب المعهد الجيولوجي الأوكراني، تمتلك كييف أحد أكبر احتياطيات الليثيوم في أوروبا. ويعد هذا المعدن ضروريًا لإنتاج البطاريات القابلة لإعادة الشحن للسيارات الكهربائية وأجهزة تخزين الطاقة الحديثة.
وتتمتع أوكرانيا أيضًا برواسب كبيرة من الجرافيت؛ وتمثل احتياطياتهم نحو 20 في المائة من الاحتياطيات العالمية. قبل الحرب، كان التيتانيوم يمثل 7% من الإنتاج العالمي.
تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على استغلال المعادن الأرضية النادرة
ومع استمرار الحرب منذ ثلاث سنوات، فقدت أوكرانيا السيطرة على نحو 40% من رواسبها من المعادن النادرة بسبب التوغلات العسكرية الروسية في بعض المناطق الشرقية والجنوبية الغنية بهذه الموارد. إن هذا الواقع الجيوسياسي يعقد أي محاولات مستقبلية لاستغلال هذه الموارد، حيث تواجه كييف تحديات كبيرة في تأمين مواقع التعدين وتشغيلها بشكل فعال.
وبالتالي، فإن الحرب لم تؤثر على إنتاج الطاقة والصناعة في أوكرانيا فحسب، بل إنها عرضت أيضاً مستقبل المعادن النادرة للخطر، وربما أثرت على سلاسل التوريد العالمية، وخاصة في أوروبا، التي تسعى إلى تقليل اعتمادها على المصادر الخارجية، وخاصة الصين، للحصول على إمدادات هذه المعادن الحيوية.
التوترات بين ترامب وزيلينسكي
واتهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب زيلينسكي بمحاولة تكييف شروط الاتفاق مع المصالح الأوكرانية. وهذا يعكس صراعاً خفياً بين طموحات أوكرانيا والاعتبارات الاقتصادية الأميركية. ويأتي هذا في وقت يتعرض فيه زيلينسكي لضغوط داخلية في مواجهة الحرب المستمرة والدمار الهائل الذي لحق بالاقتصاد الأوكراني، مع الحاجة إلى دعم اقتصادي عاجل. وعلاوة على ذلك، ووفقاً لوكالة الأنباء الروسية “تاس”، فإن الموافقة على الاتفاق من شأنها أن تعرض كييف لعبء الهيمنة الاقتصادية الأميركية.
وجاءت اتهامات ترامب واعتراضاته بشأن رفض أوكرانيا المحتمل للاتفاق في وقت حساس للغاية بالنسبة لأوكرانيا. وإذا تم رفض الاتفاق، فإن العلاقات الثنائية سوف تتعرض لضغوط كبيرة، وسوف يتأثر الدعم العسكري والاقتصادي الأميركي لأوكرانيا، وهو ما يراه البعض تهديدا للسيادة الأوكرانية. من ناحية أخرى، اعترضت بعض الفصائل الأوكرانية بشدة على الاتفاق، معتبرة إياه استغلالا للموارد الوطنية لصالح الشركات الأميركية، وهو ما قد يؤدي إلى عواقب اقتصادية خطيرة في المستقبل، بحسب ما ذكرته وكالة بلومبرج للأنباء.
الأبعاد الاقتصادية والتهديدات التي تواجه سوق المعادن العالمية
وإذا تم تنفيذ الاتفاق بالكامل، فمن المرجح أن تؤثر آثاره أيضًا على أسواق المعادن العالمية. بالإضافة إلى أوكرانيا، تواجه العديد من البلدان تحديات مماثلة في إدارة مواردها الطبيعية. وعلاوة على ذلك، فإن الهيمنة المتزايدة للولايات المتحدة على قطاع المعادن النادرة في أوكرانيا قد تؤدي إلى أزمة حادة في إمدادات المعادن الحيوية للصناعة الحديثة، وقد تؤدي إلى تفاقم التوترات في الأسواق العالمية. ومع ذلك، وفقًا لـ The Global Banking & Finance، فإن أوكرانيا بحاجة ماسة إلى هذه الاستثمارات لتحديث بنيتها التحتية وتعزيز قطاع التعدين، خاصة في ضوء التحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد.
من ناحية أخرى، يهدف الاتفاق إلى تعزيز الشراكة بين الولايات المتحدة وأوكرانيا من خلال توسيع الوجود الأمريكي في قطاع التعدين الأوكراني. وترى واشنطن أن هذه خطوة ضرورية لمساعدة كييف على بناء القوة الاقتصادية على المدى الطويل مع ضمان الأمن القومي الأميركي فيما يتصل بهذه الموارد الاستراتيجية. لكن هذا النهج يواجه مقاومة شديدة في الدوائر السياسية الأوكرانية، حيث ينظر البعض إلى الاتفاق باعتباره تهديدا لمستقبل البلاد الاقتصادي وسيادتها على مواردها الطبيعية.
رغم الضغوط الأمريكية، أعرب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن استعداده للعمل على تعديل بنود الاتفاق بما يخدم المصالح الوطنية لأوكرانيا بشكل أفضل. أكد وزير الخارجية الأوكراني أندريه سيبيا أن أوكرانيا عازمة على الحفاظ على سيادتها الاقتصادية وضمان الاستخدام الأقصى لمواردها الطبيعية.