خطف القلوب بصوته في التراويح.. الشيخ محمد أحمد حسن لـ«الشروق»: دخلت الأزهر لأول مرة إماما وأحلم بالتدريس فيه

منذ 23 ساعات
خطف القلوب بصوته في التراويح.. الشيخ محمد أحمد حسن لـ«الشروق»: دخلت الأزهر لأول مرة إماما وأحلم بالتدريس فيه

بصوته الملائكي الذي أتقن مخارج الحروف وقواعد التجويد، كسر سكون الليل في صلاة التراويح بالأزهر الشريف، وأسر القلوب بتلاوته العطرة التي أعادت إلى الأذهان عمالقة القراء المصريين.

رغم أنه فقد بصره إلا أنه لم يفقد بصيرته. انتشرت شهرته عبر مواقع التواصل الاجتماعي وحاز على إعجاب الملايين. في سن التاسعة عشرة، أصبح الطالب الأزهري محمد أحمد حسن أصغر إمام من ذوي الاحتياجات الخاصة في تاريخ جامعة الأزهر.

في حوار خاص مع جريدة الشروق، تحدث محمد أحمد حسن، الطالب بالصف الثالث الابتدائي بمعهد أبي قير الأزهري، عن رحلته مع القرآن الكريم منذ الصغر، كاشفاً عن جوانبه الإنسانية المؤثرة، وكيف أصبح رمزاً للإصرار. وتحدث أيضًا عن شغفه بتلاوة القرآن الكريم وأحلامه.

-البدء المبكر والحفظ من خلال الاستقبال

“بدأت حفظ القرآن الكريم في سن الثالثة، وفي سن الثامنة كنت قد حفظته كاملاً”، بدأ الشيخ محمد حديثه معنا، متحدثاً عن قيمة التربية الأبوية والدعم المستمر. نشأ في أسرة ريفية بسيطة اهتمت بالقرآن الكريم وجعلته من أولويات حياتها. لقد كرست والدته كل طاقتها ووقتها لتعليمه ورعاية إخوته الثلاثة حتى حفظوا جميعاً كتاب الله، مع أنهم كانوا من أصحاب البصيرة.

-رحلة من التحدي إلى النور

“لا يوجد تحدٍ أو صعوبة أكبر للإنسان من نفسه”، هكذا وصف الشيخ محمد الصعوبات التي واجهها عندما كان طفلاً في الحركة واللعب وحتى الحفظ. ولكن مشيئة الله أشرقت في قلبه نوراً يقظاً، وألهمته المداومة على حفظ القرآن الكريم استماعاً وتلقياً. كانت إذاعة القرآن الكريم معلمه الأول، وكان القرآن الكريم الذي يتلوه الشيخ الحصري خير مرجع له، إذ كان له تأثير كبير عليه. فكان الحفظ بهذه الطريقة سر إتقانه لمخارج الحروف وإتقانه لأحكام التجويد.

ولكن مساهماته لم تقتصر على هذا. وبعد أن تعلم لغة برايل، انطلق في رحلة استكشاف علوم القرآن واللغة العربية، وأكمل رحلته بعزيمة لا تعرف المستحيل.

التميز والتألق على منبر الأزهر

ولد الشيخ محمد في مدينة طهطا بمحافظة سوهاج ثم انتقل مع عائلته إلى الإسكندرية. تلقى تعليمه في البداية في مدارس وزارة المعارف، ثم في مدارس الأزهر الشريف. وقال إن الأزهر لعب دورا مهما في تربيته وتكوينه.

كان طالبًا متفوقًا وحصل على المركز الأول على مستوى المحافظة في الصفين الابتدائي والإعدادي بالأزهر الشريف.

مفارقة القدر: من حلم زيارة الأزهر إلى إمامة المحراب

وفي مفارقة تؤكد حكمة القدر، فإن الشيخ محمد -رغم دراسته في الجامع الأزهر وسفره المتكرر إلى القاهرة- لم يضع قدميه داخل الجامع الأزهر طيلة حياته. وظل يحلم بالصلاة في أروقة المبنى، إلا أن القدر كان يخبئ له مفاجأة أعظم: حيث سيبدأ عمله إماماً في هذا المبنى التاريخي، ويصعد المنبر خلال شهر رمضان، ويؤم صلاة الآلاف من المؤمنين من مختلف الجنسيات والدرجات العلمية.

-كيف تم اختياره للصلاة في الأزهر الشريف؟

بدأت القصة قبل رمضانين، حين أطلق الأزهر مسابقة استثنائية لتسجيل تلاوة القرآن الكريم. شارك في المسابقة أكثر من 160 ألف طالب، وتم اختيار 10 منهم فقط.

وتلقت النخبة تدريباً مكثفاً في مركز الأزهر لتحفيظ القرآن الكريم تحت إشراف كبار العلماء، منهم الدكتور عبد الكريم صالح رئيس لجنة مراجعة القرآن الكريم، والشيخ حسن عبد النبي.

وبعد إجراءات اختيار دقيقة، تم اختيار اثنين فقط لإمامة صلاة التراويح في الجامع الأزهر. وكان الشيخ محمد واحداً منهم، وبذلك حقق حلماً لم يكن ليتصوره قط، كما وصفه.

بين التحضير والخوف… ولحظات لا تُنسى

عندما تلقى الشيخ محمد الخبر في سبتمبر/أيلول الماضي بأنه سيحضر صلاة التراويح في الجامع الأزهر، لم يتردد لحظة في إخبار والدته، لكن رد فعلها فاجأه تماماً! فبدأت على الفور بالبحث عن سكن في القاهرة، رغم أنه أكد لها أن الخطوبة لن تستمر إلا ليوم واحد. ولكن قلب الأم رأى ما لم ير غيره، فقامت بتعبئة ما يكفي من الأمتعة له لمدة شهر كامل.

واستعد الشيخ محمد لهذه اللحظة على غير تصديق، إذ رأى أن في الأزهر الكثير من العلماء والمواهب الذين يستحقون هذا المنصب الرفيع.

وقال: لقد تأثرت بشدة، خاصة أثناء استراحة صلاة الأئمة، لأنني أدركت أن هذه ليست قراءة عادية، بل هي مسألة ثقة ومسؤولية. وتابع: «يقول الناس إني كنت هادئاً، لكن الحقيقة أنني قبل التلاوة وبعدها كنت أشعر بالرهبة، لكن خلالها سيطر عليّ هدوء الله».

-احمده واطلب منه الهداية في الليالي الأخرى

وبينما كان الشيخ محمد يجلس في صالة الأئمة لم يصدق أنه قبل لحظات كان إماماً في الأزهر الشريف عندما فوجئ بدعوة من مسؤولي الأزهر. وأكد أن اللقاء شهد العديد من كلمات الثناء على أدائه الذي جمع بين إتقان المخارج وجمال الأداء وإتقان التجويد. ثم تقرر أن يؤم المؤمنين في الصلاة في المساء التالي. في الواقع، لم يكن هذا إلا بداية إحدى عشرة ليلة متتالية صلى فيها مع آلاف الزوار، معبراً بذلك عن مشاعر والدته.

الأم تبكي من الفرح… والكلمات لا تستطيع وصف المشاعر

وكانت لحظة مهيبة بالنسبة لوالدة الشيخ محمد، التي استقبلت القرار بدموع الفرح والامتنان لله وهي تصلي خلف ابنها عندما خطى على مذبح الأزهر لأول مرة. وصفت مشاعرها آنذاك: “نسيت كل تعب السنين وكل ما مضى. شعرت بالله ينقر على كتفي ويقول: هذه ثمرة غرسك”. وصليتُ خلف ابني إمام الجامع الأزهر، والحمد لله، رضي الله عني وأكرمني وكافأني.

– ضجة وسائل التواصل الاجتماعي… والتواضع في قلب الشهرة

وحظيت مقاطع فيديو لتلاوة الشيخ محمد للقرآن الكريم بتفاعل واسع على منصات التواصل الاجتماعي، وانتشر أداؤه الشجي على نطاق واسع، حتى أصبح صوته يتردد في الشوارع والتجمعات.

وفي معرض رده على هذه الضجة، كشف الشيخ محمد بتواضع ملحوظ أنه «لا يلتفت عادة إلى مديح من يمدحونه، ولا إلى انتقاد من ينتقدونه». وأكد أنه لم يعتد على سماع تسجيلات صوته بعد الصلاة.

لكن الحديث المستمر عن مقاطع الفيديو الخاصة به والاستماع إليها بشكل متكرر دفعه في النهاية إلى الاستماع إلى نفسه. قال: “كنت أسأل الله الإخلاص في النية قبل كل صلاة، وأحرص على التركيز على الآيات، كما كنت أحفظ السورة التي أريد تلاوتها في اليوم السابق للصلاة. وكان همي الأكبر ألا أخطئ، وكان فضل الله عليّ عظيمًا”.

– مسيرة قصيرة ونجاحات عظيمة

وفي حياته القصيرة، سطّر الشيخ محمد تاريخاً حافلاً بالتميز والإنجازات، ونال جوائز محلية وعالمية. وكان أبرز ما تم تكريمه هو تقديمه من قبل الرئيس عبد الفتاح السيسي في احتفال ليلة القدر 2022. حصل على المركز الثاني في المسابقة الدولية الثامنة والعشرين لوزارة الأوقاف “دورة الشيخ محمد صديق المنشاوي”.

ولم تتوقف مساهماته عند هذا الحد. وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، مثل مصر بامتياز في جائزة الكويت الدولية لحفظ القرآن الكريم، وحصل على المركز الخامس رغم المنافسة القوية.

ولم يقتصر سموه على القرآن الكريم. وامتدت نجاحاته أيضاً إلى مجالات التفكير واللغة، حيث فاز بالمركز الأول عربياً في تحدي القراءة العربي 2023 في دبي لأصحاب الهمم، متفوقاً على 39 ألف مشارك.

كما أثرى المكتبة الإسلامية بأبحاثه الواسعة في أخطاء اللغة العربية وقضايا المرأة، معتمداً على مصادر رصينة مثل كتب الإمام الغزالي.

توسيع الحلم من التلاوة إلى التدريس

ولم تقتصر طموحات الشيخ محمد على حلم طفولته الذي تحدث عنه في فيديو انتشر على نطاق واسع، حيث كان يحلم بأن يصبح واحداً من أشهر القراء في العالم العربي. واليوم يحلم بها آخرون أيضاً، بما في ذلك منصب إمام في محراب الجامع الأزهر، ومنصب تدريس في إحدى قاعات المحاضرات بجامعة الأزهر.


شارك