في ذكرى استشهاده.. ماهي قصة آخر معركة خاضها عبدالقادر الحسيني ضد العصابات الصهيونية؟

يصادف اليوم 8 أبريل ذكرى استشهاد القائد الفلسطيني عبد القادر الحسيني. استشهد في معركة “القسطل” ضد العصابات الصهيونية، قبل أسابيع من النكبة العربية وإعلان دولة الاحتلال الإسرائيلي في مايو/أيار 1948.
– الطريق إلى القدس… القسطل وذكرى القائد الذي لم يتراجع
في بداية شهر نيسان/أبريل 1948، كانت قرية القسطل الواقعة على الطريق بين يافا والقدس في قلب العاصفة. وأصبحت هذه القرية الصغيرة مسرحاً لمعركة حاسمة عندما حاولت القوات الصهيونية عزل القدس عن الجانب العربي وقطع خطوط الإمداد. وبذلك، مهدوا الطريق لاستعباد القدس قبل إعلان “الدولة” بعد بضعة أسابيع. وبحسب تقارير معهد دراسات فلسطين، كانت خطة الهاجاناه واضحة: السيطرة على القرى المحيطة بالقدس وتحويل المدينة إلى جيب معزول يسهل إخضاعه. الموسوعة التفاعلية للقضية الفلسطينية
وفي هذه الأثناء، عانت القيادة الفلسطينية من الانقسام والتردد. ورغم تحذيرات عبد القادر الحسيني، أحد القادة الميدانيين البارزين في منطقة القدس، من خطورة الوضع، إلا أن دعواته لتوفير السلاح والدعم قوبلت بالتجاهل.
وبينما كانت اللجنة العسكرية التابعة للجامعة العربية تجتمع في دمشق، كان الحسيني يتنقل بين الجبهات، ويرسل نداءات استغاثة، لكنه لم يتلق سوى وعود غير محققة. وعندما قوبل طلبه بتزويد قواته المسلحة بالرفض القاطع، عاد إلى دمشق غاضباً ووجه كلماته الشهيرة إلى أعضاء اللجنة: “أنتم خونة، وسيسجل التاريخ أنكم خسرتم فلسطين”.
-الرصاصة القاتلة
لم تكن هذه الكلمات بمثابة نبوءة بل كانت بمثابة صرخة رجل يدرك تمامًا مدى الخطر الوشيك. وعاد الحسيني على الفور إلى ساحة المعركة، وقرر في فجر السابع من أبريل/نيسان مواجهة الواقع بدلاً من أحلامه الدبلوماسية. ورغم قلة الرجال والذخيرة، قرر شن هجوم مضاد لتحرير القسطل، معتقداً أن النصر لا يقاس بالأعداد بل بالإرادة. وبحسب مذكرات عدد من المقاتلين الذين شاركوا في المعركة، فقد تمكن الحسيني من تنظيم هجوم مباغت سمح للقوات الفلسطينية باقتحام القرية ومحاصرة القوات الصهيونية المتمركزة فيها.
ولكن صباح اليوم التالي جلب المأساة. وبينما كان الحسيني يتقدم لاستطلاع خطوط العدو، أصيب برصاصة قاتلة في صدره، فسقط شهيداً على مشارف القسطل التي كانت على وشك التحرير.
وبحسب روايات شهود عيان فإن استشهاده جاء قبل ساعات من الإعلان عن استعادة القرية. وألقى هذا بظلاله على معنويات المقاتلين، رغم إصرارهم على مواصلة القتال وفاءً لزعيمهم.
في الثامن من إبريل، أُعلن عن تحرير القسطل بفرحة مختلطة. لكن الأمور سرعان ما انقلبت رأسا على عقب مرة أخرى. إن غياب الحسيني الذي كان يمتلك أسلوباً قيادياً كاريزمياً ومهارات ميدانية استثنائية، ترك فراغاً كبيراً في صفوف المقاومة.
وفي 9 أبريل/نيسان، شنت قوات الهاجاناه هجوماً مضاداً واستعادت القرية، مما جعل القسطل رمزاً للنصر المؤقت والخسارة الاستراتيجية.
دفن مهيب في ساحات القدس
ونقل جثمان الحسيني إلى المسجد الأقصى، حيث أقيمت له صلاة الجنازة في مراسم جماهيرية مهيبة شارك فيها الآلاف من سكان مدينة القدس والقرى المجاورة. ودُفن في باحة المسجد الأقصى المبارك، رمزاً لارتباط نضاله بالمدينة المقدسة.
القسطل لم تكن مجرد قرية؛ لقد كان مفتاح الطريق إلى القدس، ومسرحاً شهد فيه الفلسطينيون قسوة المعركة، وخيانة الحلفاء، وشجاعة القيادة التي يمثلها الحسيني. ومع تطور الأحداث بسرعة نحو كارثة كبرى، ظلت هذه المعركة محفورة في الذاكرة الجماعية كشهادة على رجل اختار القتال حتى النهاية، حتى لو كان وحيدًا.