المفتي: حروب الشائعات أخطر وأعظم أثرا من الحروب المادية وتهدد مقدرات الدول ومكانتها

أكد فضيلة الأستاذ الدكتور نذير محمد عياد مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لهيئات ومؤسسات الإفتاء في العالم، أن حرب الشائعات أخطر من الحرب المادية. إن آثار الحرب الجسدية محدودة، في حين أن الشائعات أكثر فتكاً. فإنه إذا استحوذ على الإنسان وأصبح مبدأه وطريقه فإنه يدمر كل شيء، بالإضافة إلى تدمير الجانب المادي والروحي.
وأضاف: “آثار الحرب المادية يمكن مكافحتها، لكن آثار حروب الشائعات خطيرة وتترك ندوبًا عميقة. بل قد تمر سنوات دون أن ينجح أحد في إزالة هذه الآثار، لا سيما وأن هذه الشائعات قد تمس الدين أو النفس أو العرض أو الاقتصاد أو البنية التحتية والتنمية. ومن ينشر هذه الشائعات يستخدم وسائل وينوي نشرها دون مراعاة ما هو مشروع وما هو غير مشروع من بين هذه الوسائل والأساليب”.
جاء ذلك خلال كلمته في ندوة “مواجهة ومحاربة حرب الشائعات”، التي نظمتها مديرية التربية والتعليم والتدريب الفني بمحافظة شمال سيناء، تحت رعاية اللواء الدكتور خالد مجاور محافظ شمال سيناء، وبحضور أمين الدسوقي ممثل وزارة التربية والتعليم، وحمزة رضوان مدير مديرية التربية والتعليم بشمال سيناء، والشيخ مصباح أحمد العارف رئيس الإدارة المركزية للأزهر بمنطقة شمال سيناء، والشيخ محمود مرزوق وكيل وزارة الأوقاف بمحافظة شمال سيناء.
وتابع المفتي: “عندما نتحدث عن الشائعات فإننا على يقين أننا أمام حرب، وأن الدول والأمم والمجتمعات تعمل على مواجهة هذه الحروب بالوسائل والأساليب التي تناسبها، حتى تتمكن من مواجهة هذه الحروب بالشكل الذي يناسبها”.
وأوضح أننا عندما نتحدث مع أبنائنا وبناتنا اليوم، الذين ننظر إليهم بفخر وإجلال وننتظر منهم المزيد، فإننا نريد أن نتحدث معهم عن حرب الشائعات التي تقلل من قيمة الماضي والحاضر ولا تهتم بالمستقبل. أي أنه إذا لم نهتم بالماضي وننظر إلى الحاضر بإجلال، بل نتوقع المستقبل ونستعد له، فإن هذا سيؤدي إلى ظهور أناس ذوي هويات مشوهة وعقول فارغة. وأشار إلى أننا قد نقع، عن قصد أو بغير قصد، في هذه المواقف ونحاول الترويج لها من باب المصلحة الذاتية، أو التسلط، أو السخرية، أو الحسد، أو الغيرة.
وتابع: “تفترض الدول القوية أن حروب الشائعات لها عواقب أكبر من الحروب الفعلية. ولعل التاريخ يُظهر لنا كيف دُمرت أمم ودول ودُمّرت حضارات بسبب شائعة – شائعة قد تكون فكرة أو كلمة أو خبرًا ينشره المجتمع دون أي أساس من الصحة أو الواقع. وأوضح أننا نتعامل مع أحد تلك الآفات الخطيرة التي تنتشر في المجتمعات، وخاصة بين الشباب. فالشائعات لا تقتصر على اتهامات بالشرف أو الدين أو الكرامة، بل تتجاوزها لتؤثر أيضًا على قدرات الدول ومهاراتها ومكانتها. إنها تُثير الشكوك حول نوايا كل منا وما يخفيه في داخله، دون أي شهود أو أدلة أو تأكيدات على هذه الرسائل”.
وأوضح أن الشرائع السماوية عامة والشريعة الإسلامية خاصة تحذر من الشائعات وتكشف قبح هذه الأفكار الباطلة التي تهدف إلى النيل من كرامات الناس والاعتداء على أعراضهم وترويعهم. قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة وتتوبوا مما فعلتم} وأكد أن المسلم الحق هو الذي يستمع ثم يتحقق من الخبر، وأن المروءة تقتضي الستر ولا تهدف إلى تشويه أعراض الآخرين. نحن نواجه مشكلة خطيرة يجب علينا التغلب عليها لأن الشائعات أصبحت الآن في متناول الجميع بفضل هذه المنصات الإلكترونية. تهدف هذه المنصات إلى سرقة أغلى ما يملكه الناس وأغلى ما يعتمدون عليه ألا وهو الكرامة والشرف، من خلال نشر أخبار كاذبة من خلال أفراد وجماعات لا احترام لهم لله تعالى ولا للإنسانية.
وأكد أن خطر الشائعات لا يقتصر على الأفراد والمجتمعات، بل يشكل تهديداً للأمن الوطني من خلال زرع الشكوك حول كفاءة الدولة أو اقتصادها، بل قد يؤدي إلى القتل المادي والمعنوي للأشخاص، والتخلي عن العادات النبيلة والقيم والأخلاق العالية، والاعتداء على الناس. وأيضاً فإن الواجب علينا أن نتحقق من كل ما نسمع، ولا نتكلم بكل ما نسمع، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع))، وأن أسباب الإشاعة هي: ضعف الإيمان، والأمراض النفسية التي تصيب صاحبها، وضعف العقل، وقلة الوعي العلمي. وأشار المفتي إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم بيّن لنا الغاية المثلى من بعثته حين قال صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق). ومن حسن الخلق التحكم في لسانك. ومن الأمور التي حرمها الله تعالى الكلام الخبيث، والكلام الخبيث العادي الذي يؤدي إلى الإعراض عن دين الله تعالى، وتتبع عيوب الناس، والبحث عن أخطائهم، والسعي إلى تدمير البلدان، وتقليص قدراتها، والحط من قيمة الشعوب. نحن أمام حرب يجب أن نواجهها بالتحقق من الأخبار، ونقل المعلومة من مصادرها الصحيحة، والتفكير والتأمل في الأخبار التي تصلنا، وممارسة الرقابة الذاتية، ومن ثم تبني أخلاق الدين، خاصة عند العمل على المنصات الإلكترونية.
وحذر من بعض الشائعات التي تنتشر عبر المنصات الإلكترونية والتي تسعى لتشويه الحقائق، مثل جعل القدس عاصمة لإسرائيل، أو الشائعات التي تسيء للحضارات العربية والإسلامية، أو الشائعات التي تنكر دور الحضارة المصرية القديمة، أو الشائعات التي تروج لمفاهيم براقة كمفهوم “الحرية” الذي يروج له البعض، وأن الإنسان حر وأن القيود المفروضة على الشباب والشابات من الأسرة أو المدرسة أو المجتمع أو الدين ما هي إلا قيود تتنافى مع العقل والمبادئ الإنسانية. يجب التصدي لكل هذه الشائعات وبذل الجهود للقضاء عليها.