من هو أحمد العودة صانع التسويات وقائد اللواء الثامن في سوريا؟

أعلن اللواء الثامن، الفصيل المسلح الأبرز في جنوب سوريا بقيادة أحمد العودة، حل نفسه ونقل سلاحه وعناصره إلى وزارة الدفاع السورية.
وقال المتحدث باسم الفصيل العقيد محمد الحوراني في تسجيل مصور الأحد: “نحن أفراداً وعناصر وضباط التشكيل المعروف سابقاً باللواء الثامن نعلن رسمياً حل هذا التشكيل ونقل كافة موارده العسكرية والبشرية إلى وزارة الدفاع السورية”. وتابع واصفاً هذه الخطوة بأنها “بداية جديدة لتعزيز مسيرة تقدم الوطن تحت مظلة الدولة السورية”.
ويأتي هذا الإعلان بعد يومين من اندلاع توترات واضطرابات في مدينة بصرى الشام في درعا جنوب سوريا، عقب مقتل قائد وزارة الدفاع بلال الدروبي على يد عناصر من اللواء. وفي وقت لاحق، وصلت تعزيزات عسكرية كبيرة إلى الأطراف الشرقية لمدينة درعا، قبل أن تسيطر قوات الأمن العام على كامل المدينة.
وبذلك أغلقت القيادة العسكرية في دمشق ملفاً حساساً ومعقداً مع اللواء الثامن، تاركة مصير قائده أحمد العودة غامضاً: الشخصية المثيرة للجدل والتي أثارت ضجة منذ سقوط حكم الأسد.
من هو أحمد العودة؟
ويعرف أحمد العودة بأنه “رجل روسيا في الجنوب” ومهندس التسويات مع النظام السوري السابق. حارب ضد ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية وقوات النظام، لكنه عمل أيضًا لصالح الجيش السوري، على الرغم من أنه ابتعد بوضوح عن محور حزب الله وإيران.
لقد شكلت العديد من التقلبات والعلاقات المعقدة حياة أحمد العودة لأكثر من عقد من الزمان. من هو؟ لماذا هناك الكثير من الحديث عن هذا في الآونة الأخيرة؟
في الساعات الأولى من صباح الثامن من ديسمبر/كانون الأول، وبينما كانت دمشق تستيقظ على خبر إبلاغ الجيش السوري ضباطه بإسقاط النظام، كان المقاتل أحمد العودة البالغ من العمر أربعين عاماً محاطاً بأفراد فصيلته ويتجول في شوارع العاصمة الخالية. ولم تكن غرفة العمليات العسكرية قد وصلت بعد، وهو ما فسره البعض على أنه محاولة لصرف الأنظار عن أحمد الشرع، القائد الشمالي.
هذه اللحظة التاريخية التي وصفتها الجبهة الجنوبية بـ”كسر قيود” العاصمة، شكلت تراجعاً عن الاتفاقات التي عقدها العودة على مر السنين مع النظام السوري السابق المدعوم من روسيا.
التقلبات المفاجئة والتحالفات غير المستقرة
ينحدر أحمد العودة من مدينة بصرى الشام في محافظة درعا. ودرس الأدب الإنجليزي في جامعة دمشق وأكمل خدمته العسكرية في الجيش السوري قبل أن يسافر إلى الإمارات العربية المتحدة مع عائلته، بحسب مصدر مقرب منه طلب عدم الكشف عن هويته وتحدث لبي بي سي.
ولكن غيابه لم يدوم طويلا. وبعد عام من اندلاع الثورة السورية في درعا عاد للمشاركة في العمل المسلح ضد النظام. انضم إلى الجيش السوري الحر وأصبح قائداً لكتيبة شباب السنة التي توسعت وغيرت اسمها عدة مرات حتى تم التوصل إلى اتفاق مع النظام السوري في يوليو/تموز 2018.
خسر ثلاثة من إخوته في معارك مع الجيش السوري الحر أثناء قتاله مع فصيله في درعا قبل أن يصبح جزءًا من الجبهة الجنوبية للجيش نفسه في عام 2014 ويوسع سيطرته لاحقًا إلى بصرى الشام، وفقًا لموقع ذاكرة سورية.
ويعرف العودة بعلاقاته السيئة مع جبهة النصرة وغيرها من الفصائل الإسلامية المتشددة في المدينة، على الرغم من قتاله إلى جانبهم من أجل هدفهم النهائي: إسقاط النظام.
من دعم “وزارة الشؤون الخارجية” إلى التمويل الروسي “الخجول”
مع مرور الوقت، أصبح فصيل العودة أحد أهم الفصائل وأكثرها تمويلاً في محافظة درعا، وحصل على الدعم من مركز القيادة العسكرية الخارجي، الموك، الذي كان مقره في الأردن. وذكرت تقارير إعلامية أنه تلقى أيضاً دعماً وموارد مالية من الإمارات العربية المتحدة بسبب علاقته برجل الأعمال السوري خالد المحاميد المقيم هناك.
وبحسب المصدر المقرب من العودة، فقد توقف الدعم في نهاية عام 2017، ما جعل التمويل “محدوداً” ويكفي في الغالب لرواتب الموظفين. هذه المرة جاء التمويل من روسيا.
وفي عام 2018، شنت القوات الحكومية السورية حملة عسكرية لاستعادة الجنوب. وتزامنت هذه الحملة مع اتفاق مع روسيا التي تدعم النظام السوري. وأوضح المصدر أن الاتفاق ينص على نقل الأسلحة الثقيلة وتنظيم وضع الأسرى. وأصبح العودة بعد ذلك قائداً لما يسمى بـ”اللواء الثامن”، وهو تابع تنظيمياً للجيش السوري النظامي. وفي نهاية عام 2020، انضم أيضًا إلى “الفيلق الخامس” التابع لشعبة الأمن العسكري. ومع ذلك، فقد ظل مستقلاً عن قوات النظام وقاد قواته المسلحة الخاصة التي تضم عدة آلاف من الرجال.
ولم تكن الفترة التالية سلمية تماما. وشهدت بلدات ريف درعا الجنوبي اشتباكات متفرقة بين الجيش النظامي وقوات الأمن العسكري، وبين بعض الفصائل المحلية المتمردة وقوات الحكومة. خلال هذه الفترة، كان العودة يتنقل بين درعا والأردن، حيث تعيش عائلته. وهو متزوج من امرأتين وأب لستة أبناء وبنتين. لكن في أكتوبر/تشرين الأول 2022، عاد اسمه إلى الظهور عندما شاركت فصيلته في حملات ضد خلايا داعش، أدت إحداها إلى مقتل زعيم التنظيم أبو الحسن الهاشمي القرشي في بلدة جاسم.
ومع انطلاق عملية ردع العدوان على النظام السوري أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بقيادة هيئة تحرير الشام المدعومة من تركيا، بدأت فصائل من الجنوب بالتسلل واحتلال مواقع حكومية ومقرات أمنية وعسكرية. في السادس من كانون الأول/ديسمبر، تم تشكيل غرفة عمليات الجنوب، والتي تتكون من فصائل مسلحة من درعا والسويداء والقنيطرة. بدأت القوات المشتركة تقدمها نحو العاصمة.
في الثامن من كانون الأول/ديسمبر، وقبل الساعة السادسة صباحاً، كان العودة ورفاقه أول قوات المعارضة التي دخلت ساحة الأمويين. وبعد أقل من نصف ساعة تلقى السوريون نبأ سقوط نظام الأسد. وبدأ أعضاء الفصائل بالتمركز حول بعض المرافق الرئيسية في العاصمة، لكن بعد ساعات قليلة، وتحت قيادة قائدهم، بدأوا بالانسحاب نحو الجنوب.
وعلق المصدر المقرب من العودة بأن ذلك جاء “لتجنب المشاكل أو الصدامات في الساعات الأولى من النصر”، مضيفاً “لم يكن لدينا جيش قادر على حماية العاصمة”، مستشهداً بضعف الإمدادات مقارنة بهيئة تحرير الشام.
بعد انسحابها من دمشق، قررت قوى التحالف في منطقة العمليات الجنوبية الاحتفاظ بأسلحتها على الرغم من دعوات السلطات الجديدة بحل جميع المجموعات المسلحة. لكنها في الوقت نفسه لم تستبعد إمكانية الانضمام إلى وزارة الدفاع.
دور قيادي أكبر في المستقبل؟
ويصف مصدر مقرب من العودة رفيقه بأنه “رجل فكر وذو شخصية قوية وقدرة على التأثير في من حوله”، ويأمل أن يتولى دورا قيادياً أكبر في المستقبل. ولكن من غير المرجح أن تحظى هذه الجهود بقبول جيد من جانب القيادة الحالية، وخاصة في ضوء التكهنات المتداولة حول طموحات النظام للعودة إلى الدولة بعد سقوطه، والتي تعززت بفضل تحالفاته الإقليمية.
وبحسب الصحافي في صحيفة النهار اللبنانية، عبدالله علي، المتخصص في متابعة الحركات الإسلامية، فإن “السلاسة” التي انسحبت بها الفصائل من دمشق إلى الجنوب كانت لافتة. لقد “تقاتلوا لأشهر للسيطرة على معبر حدودي، وسالت الدماء بغزارة. وعلى مستوى الحكومة، انسحبت الفصائل الآن بسلاسة، مما قد يشير إلى اتفاقيات دولية أقوى”. علاوة على ذلك، فإن أي توترات مع الفصيل قد تؤدي إلى تفاقم المشكلات العالقة التي يواجهها الشرع على عدة جبهات، دون إهمال الطبيعة المتفجرة للجبهة الجنوبية المحاذية لإسرائيل.