من ملاذ آمن لهدف عسكري.. كيف استهدفت إسرائيل المنظومة الصحية بغزة؟

منذ 2 أيام
من ملاذ آمن لهدف عسكري.. كيف استهدفت إسرائيل المنظومة الصحية بغزة؟

ولم تكتف إسرائيل بمنع استيراد المساعدات الإنسانية والإمدادات الطبية والمعدات اللازمة لعمليات المستشفيات، مثل الوقود، إلى قطاع غزة فحسب. علاوة على ذلك، تشن إسرائيل حربًا ممنهجة على النظام الصحي في قطاع غزة منذ بدء الإبادة الجماعية في أكتوبر/تشرين الأول 2023. وتستهدف هذه الحرب المستشفيات التي لا تعالج المرضى فحسب، بل توفر أيضًا المأوى لآلاف النازحين الذين يلتمسون اللجوء في هذه المستشفيات باعتبارها “ملاذًا آمنًا” بموجب القانون الدولي.
ويواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي استهداف مختلف المستشفيات والمراكز الطبية في قطاع غزة، وآخرها مستشفى الأهلي المعمداني شمال قطاع غزة. وتهدف هذه الخطوة إلى الضغط على حماس للرضوخ لشروطها وقبول مقترح تبادل الأسرى الذي تقدمت به تل أبيب.

1

مستشفى المعمدانيين

قصفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي، صباح اليوم الأحد، مبنى الاستقبال والطوارئ وقسم الجراحة ومحطة الأكسجين الطبي في مستشفى الأهلي المعمداني شمال قطاع غزة. كما تضررت أجزاء من المستشفى، بما في ذلك المختبر والصيدلية وقسم الأشعة، بدرجات متفاوتة، ما أدى إلى خروج المستشفى عن الخدمة بشكل كامل. بعد القصف، تم نقل معظم المرضى إلى مستشفيات أخرى.
وزعمت إسرائيل أن المبنى الذي هاجمته في ساعة مبكرة من صباح الأحد كان مركز قيادة وسيطرة تستخدمه حماس لشن هجمات ضدها. رفضت حماس هذا الادعاء، قائلةً: “إن ادعاء استخدامنا للمستشفى لأغراض عسكرية هو تكرار صارخ لأكاذيب القوة المحتلة، التي تواصل سلوكها الفاشي، وتتجاهل كل القوانين والأعراف الإنسانية، وتنتهك حرمة المستشفيات. إن السلوك الوحشي للقوة المحتلة يمثل تجاهلاً صارخاً للرأي العام العالمي، ومنظومة القيم، والقوانين، وأدوات العدالة الدولية”.

يُشار إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها المستشفى المعمداني لاعتداءات إسرائيلية. في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2023، هاجمت طائرات إسرائيلية المستشفى في “هجوم دموي” أسفر عن مقتل أكثر من 500 شخص وإصابة المئات. وفي ذلك الوقت، رفض الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، الذي كان يزور إسرائيل للمرة الأولى منذ هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، تحميل الاحتلال مسؤولية الهجوم.

2

من جانبها، نفت إسرائيل مسؤوليتها عن الحادث المروع وألقت باللوم على حركة الجهاد الإسلامي. سبب الحادث هو صاروخ أطلقته هذه الحركة. ولإثبات روايتهم الكاذبة، قام جيش الاحتلال بعد أشهر باعتقال أعضاء الحركة ونشر مقاطع فيديو لهم زاعماً أن الحادث ناجم عن صاروخ. لكن الحركة نفت مراراً هذه التقارير، مدعية أن الاحتلال هو المسؤول عن المجزرة، وأن اعترافات الأسرى انتزعت تحت التعذيب.

وكان مستشفى المعمدان هدفًا متكررًا في الحرب الإسرائيلية على غزة. في شهر كانون الأول/ديسمبر 2023، اقتحمت قوات برية إسرائيلية المستشفى بعد وصولها من حيي الزيتون والشجاعية والمناطق المحيطة، واعتقلت عدداً من الأطباء والممرضين والجرحى والمرضى ومرافقيهم في الداخل.

وبعد هاتين الحادثتين، ظل مستشفى المعمدان خارج الخدمة لعدة أشهر قبل أن تزوده منظمة الصحة العالمية بالمعدات اللازمة لتشغيله. وهذا جعله المستشفى الوحيد في مدينة غزة وشمال قطاع غزة الذي ظل يعمل بكامل طاقته تقريباً بعد أن تعرضت مستشفيات أخرى في أجزاء مختلفة من القطاع للقصف والتدمير والغارات، مما جعلها غير صالحة للاستخدام.

مجمع الشفاء الطبي

3

قبل نحو ثلاثة أسابيع من الهجوم على مستشفى المعمدان، في 23 مارس/آذار الماضي، قصفت قوات الاحتلال الإسرائيلي غرفة العلاج في مجمع ناصر الصحي في خان يونس جنوب قطاع غزة. اغتيال إسماعيل برهوم عضو المكتب السياسي لحركة حماس. وقد تم علاجه هناك بسبب إصابات خطيرة تعرض لها في هجوم بقنبلة قبل أيام قليلة.
في ديسمبر/كانون الأول 2024، اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي مستشفى كمال عدوان شمال قطاع غزة، وأحرقت محتوياته، وأجبرت الطاقم الطبي والمرضى على خلع ملابسهم في البرد القارس، ثم اقتادتهم إلى جهة مجهولة. وبرر الجيش الإسرائيلي جريمته هذه بأن المستشفى كان مركزاً تابعاً لحركة حماس استخدمه المقاومون خلال الحرب. الادعاء الذي رفضته حماس
في 29 مايو 2024، أعلنت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني إخلاء مستشفى القدس الميداني التابع لها من منطقة مواصي رفح إلى منطقة مواصي خان يونس جنوب قطاع غزة. وجاء الإخلاء، بحسب البيان، بعد أن كثفت قوات الاحتلال الإسرائيلي تهديداتها بقصف المستشفى، فيما تواصل القصف المدفعي والجوي على المنطقة، وتم إخلاء المنطقة بالكامل.

ورغم الدمار الذي تعرض له المستشفى خلال الحرب ومنع الاحتلال إدخال الكوادر والمستلزمات الطبية، ما أدى إلى إغلاقه بشكل كامل، تمكن الهلال الأحمر من إعادة فتح مستشفى القدس في حي تل الهوى بمدينة غزة في 20 مارس/آذار الماضي، وبدأ باستقبال المرضى.
لقد أدت السياسة الإسرائيلية الممنهجة في استهداف المراكز الصحية إلى خروج معظم المستشفيات القادرة على التعامل مع حالات الطوارئ عن الخدمة. وفي مناطق مثل مدينة غزة وشمال قطاع غزة، حيث يعيش حالياً ما لا يقل عن مليون فلسطيني بعد عودة النازحين، فإن المستشفيات المتبقية لا تعمل إلا جزئياً.

4

كما استهدفت الغارات الجوية الإسرائيلية عدداً من المستشفيات الخاصة، من بينها مستشفى الحلو الدولي، ومستشفى أصدقاء المريض، ومجمع الصحابة الطبي. وقد تسبب هذا في أضرار وأدى إلى عدة غارات. تعالج هذه المستشفيات في المقام الأول النساء الحوامل والأطفال حديثي الولادة والأطفال. وهذا يعني أنهم غير مجهزين بشكل جيد من حيث الطاقم الطبي والقدرة على رعاية ضحايا القصف الإسرائيلي.

وفي شمال قطاع غزة، يعمل مستشفى العودة الخاص والمستشفى الحكومي الإندونيسي بعمليات “محدودة للغاية” بسبب القصف الإسرائيلي المتكرر. في هذه الأثناء، يواصل مستشفى شهداء الأقصى ومستشفى العودة في دير البلح والنصيرات وسط قطاع غزة، ومجمع ناصر الطبي ومستشفى غزة الأوروبي في خان يونس جنوب قطاع غزة، العمل.

5

لا تقدم المستشفيات التابعة للهلال الأحمر والهلال الأحمر الكويتي والهلال الأحمر الإماراتي والهلال الأحمر القطري والهلال الأحمر الأمريكي سوى مساعدات محدودة للغاية للمرضى والجرحى في منطقة المواصي غرب قطاع غزة.
من جانبها، أكدت وزارة الصحة في غزة أن المستشفيات المتبقية في قطاع غزة غير مجهزة بشكل كامل حالياً، وغير قادرة على تقديم الخدمات الطبية والجراحية اللازمة، نتيجة القصف الجوي الإسرائيلي المتكرر. ويعاني حوالي مليون فلسطيني في مدينة غزة وشمال البلاد حالياً من عدم القدرة على الوصول إلى وسائل النقل الطارئة والطبية بشكل كاف.
على سبيل المثال، في أعقاب قصف المستشفى المعمداني في شمال قطاع غزة، هاجم جيش الاحتلال الإسرائيلي فعلياً 36 مستشفى ومركزاً طبياً منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 خلال حرب غزة. وقد أعيد فتح بعض هذه المستشفيات جزئيا بعد تجديدها وتشغيلها من قبل المنظمات الدولية.


شارك