علماء يبحثون الصلة بين التوتر والسرطان

منذ 2 أيام
علماء يبحثون الصلة بين التوتر والسرطان

منذ ما يقرب من ألفي عام، قال الطبيبان اليونانيان أبقراط وجالينوس إن الحزن أو الاكتئاب الناجم عن زيادة ما يسمى بـ “الصفراء السوداء” في الجسم يؤدي إلى الإصابة بالسرطان. منذ العصور القديمة، قام العشرات من الأطباء والعلماء بالتحقيق في العلاقة بين السرطان والحالة العقلية للإنسان. ويذهب البعض إلى حد الادعاء بأن بعض الأشخاص لديهم “شخصية معرضة للإصابة بالسرطان”.

ورغم أن معظم الباحثين يرفضون الآن فكرة تعرض الإنسان لخطر الإصابة بالسرطان، إلا أنهم يواصلون البحث في العلاقة بين التوتر والعوامل النفسية من جهة واحتمالية الإصابة بالسرطان وتطوره في الجسم من جهة أخرى. أثبتت مئات الدراسات الطبية التي شملت عشرات الآلاف من المتطوعين وجود صلة بين السرطان والاكتئاب، والوضع الاجتماعي والاقتصادي السيئ، وعوامل أخرى مرتبطة بالتوتر.

وتقول الباحثة جوليان بوير، أستاذة الطب النفسي بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس: “لقد قمنا بدراسة هذه الصلة من وجهات نظر مختلفة وأجرينا تجارب على الخلايا والحيوانات”. “وقد أدت هذه الدراسات إلى اكتشاف آليات مهمة تفسر تأثير التوتر على أورام السرطان.” وفي مقال بحثي نُشر في مجلة المراجعة السنوية لعلم النفس السريري، وهي مجلة متخصصة في الطب النفسي، تضيف: “العوامل النفسية يمكن أن تؤثر على الجوانب البيولوجية للأورام السرطانية، كما أن حجب الإشارات الكيميائية الناجمة عن التوتر في الجسم يمكن أن يحسن فرص علاج هذا المرض”.

قالت الدكتورة إليزابيث راباسكه من مركز روزيل بارك للسرطان في نيويورك لموقع الأبحاث العلمية Knowable Magazine: “لا أحد يدرك مدى التأثير السلبي الشديد للتوتر المزمن المنتظم على نمو الخلايا السرطانية”. اكتشفت باحثة السرطان إيريكا سلون من جامعة موناش في أستراليا أن الفئران المعملية التي تعاني من التوتر المزمن، تزداد فيها الاتصالات بين أورام الثدي والجهاز الليمفاوي في الجسم، مما يزيد من احتمال انتشار السرطان. وأظهرت الدراسة أن العلاج بحاصرات بيتا – وهي أدوية تستخدم لعلاج ارتفاع ضغط الدم وتثبيط هرمونات التوتر مثل النورإبينفرين – أوقف نشاط جزيئات مهمة في الجهاز العصبي الودي ومنع انتشار السرطان في الفئران المعملية.

توصلت فرق بحثية أخرى إلى أن التوتر يؤدي إلى تغييرات جزيئية في الجهاز المناعي للجسم، مما يعزز نمو الخلايا السرطانية. وقد أظهروا أيضًا أن التوتر يؤدي إلى زيادة الالتهاب، وهو استجابة مناعية ناجمة عن إصابة أو عدوى، وأن الالتهاب، بدوره، يعزز نمو الأورام السرطانية. ويؤكد الباحثون أن التوتر يعطل نشاط الخلايا المناعية، التي تلعب دورا رئيسيا في مكافحة السرطان. في بداية هذا القرن، اكتشفت سوزان لوتجندورف، أستاذة العلوم السلوكية في جامعة أيوا، أن التوتر والاكتئاب يمنعان قدرة الخلايا المناعية على مكافحة السرطان لدى مرضى سرطان المبيض. ووجد الباحثون أيضاً أن نقص الدعم النفسي والاجتماعي لدى مرضى هذا النوع من السرطان يؤدي إلى زيادة نمو الأوعية الدموية التي تغذي الأورام السرطانية.

وفي دراسات أجريت على الفئران المعملية المصابة بسرطان المبيض، وجدت لوتجندورف وزملاؤها أن التوتر يعزز تكوين الأوعية الدموية التي تغذي الأورام، مما يعزز بدوره انتشار السرطان في جميع أنحاء الجسم. ومع ذلك، وجدوا أيضًا أن هذه التأثيرات يمكن مواجهتها باستخدام حاصرات بيتا، التي تعمل على مواجهة هرمونات التوتر. وتوصلت فرق بحثية أخرى إلى أن حاصرات بيتا لها تأثير إيجابي على أنواع أخرى من السرطان في القوارض، مثل سرطان الدم وسرطان البروستاتا. ويؤكد الباحثون أن ارتفاع مستويات هرمونات التوتر مثل النورأدرينالين والكورتيزول تعمل على تنشيط الخلايا السرطانية الكامنة في الجسم، مما يؤدي إلى انقسامها وتكوين أورام جديدة. وتشير مثل هذه الدراسات إلى أن التوتر يؤدي إلى سلسلة من التغيرات الكيميائية الحيوية في الجسم، مما يساهم في خلق بيئة مواتية لانتشار السرطان. تقول جينيفر نايت، طبيبة نفسية متخصصة في علاج السرطان بكلية الطب بجامعة ويسكونسن: “إن الإشارات التي يولدها الإجهاد والبيئة البيولوجية المحيطة بالإجهاد تؤثر على جميع التفاعلات التي تؤدي إلى انتشار السرطان”.

اكتشفت الدكتورة إليزابيث راباسك أن حاصرات بيتا تزيد من فعالية العلاج المناعي للسرطان. وفي التجارب السريرية، وجد الباحثون أن خلايا سرطان الثدي من المرضى الذين تلقوا علاج حاصرات بيتا تحتوي على عدد أقل من المؤشرات الحيوية التي تشير إلى النقائل أو هجرة الخلايا السرطانية في الجسم، ولكنها تحتوي على عدد متزايد من الخلايا المناعية المقاومة للسرطان.

على الرغم من أن الدراسات التي أجريت على حاصرات بيتا واعدة، فإنه ليس من الواضح ما إذا كانت هذه الأدوية قادرة على علاج جميع أنواع السرطان، حيث استجاب بعض المرضى، وخاصة المصابين بالربو وبعض أمراض القلب، بشكل سلبي لهذه العلاجات. وتقول باتريشيا مورينو، عالمة النفس بجامعة ميامي: “لا يمكننا أن نقول بشكل قاطع أن التوتر يسبب السرطان”. ومع ذلك، يعتقد العديد من الباحثين أنه بالنسبة للمرضى الذين تم تشخيصهم بالفعل بهذا المرض، هناك أدلة علمية قوية توصي بجلسات إدارة التوتر في خطط العلاج الخاصة بهم.


شارك