ما فعله النيل بالمنوفية.. 798 فدانًا غارقًا بين رواية المزارعين وتصريحات المسؤولين (صور)

منذ 2 أيام
ما فعله النيل بالمنوفية.. 798 فدانًا غارقًا بين رواية المزارعين وتصريحات المسؤولين (صور)

في لحظة غير متوقعة – بينما ينتظر المزارعون موسم الحصاد ووصول الطلب على المياه إلى ذروته – ارتفع منسوب مياه نهر النيل هذا الأسبوع، مما أدى إلى غرق مئات الهكتارات من الأراضي الزراعية في محافظة المنوفية. وقد خلف ذلك خسائر فادحة ومأساة إنسانية لمئات العائلات التي يعتمد مصدر رزقها الوحيد على هذه الأرض.

ولم يحدث الارتفاع المفاجئ في منسوب مياه النيل، الذي أثر حتى الأحد الماضي على مساحة 798 فدانا و8 قيراط، موزعة على المراكز (أشمون 615 فدانا و8 قيراط، ومنوف 32 فدانا، والسادات 109 أفدنة، والشهداء 42 فدانا)، خلال موسم الفيضان المعتاد (أغسطس-أكتوبر). وأثار هذا العديد من التساؤلات حول ما يحدث في أحواض الأنهار المفتوحة، وأثار الجدل حول إدارة المياه والوضع القانوني لهذه المناطق.

كيف بدأت أزمة النيل في المنوفية؟

وبدأت الأزمة بتحذيرات أطلقتها وزارة الموارد المائية والري في العاشر من أبريل/نيسان الماضي، محذرة من زيادة متوقعة في منسوب المياه بسبب ارتفاع منسوب نهر النيل. ودعت الوزارة أيضًا المزارعين القاطنين على ضفاف النهر إلى الاستعداد. لكن بحسب المتضررين فإن سرعة وقوة الفيضان فاقت كل التوقعات. غمرت المياه المناطق المنخفضة بسرعة وتحولت الحقول التي كان من المقرر حصادها إلى برك من الماء والطين. وبحسب السلطات المحلية، فإن الأضرار المادية تقدر مبدئيا بعدة ملايين من الجنيهات المصرية.

غمرت المياه الأرض ودمرت المحاصيل.

وتتجلى الأزمة على أرض الواقع من خلال تصريحات المزارعين. وقال عبد الحكيم محمد، أحد المزارعين المتضررين في قرية ساقية المنقدي بمديرية أشمون، إن “المياه تسربت إلى التربة وأتلفت محصول السمسم”.

كان عبد الحكيم يراقب محاصيله ومشروعه الوحيد وهو يفسد أمام عينيه، غير قادر على فعل أي شيء لإنقاذها. لقد خسر تكاليف الزراعة ولم يضطر إلا إلى دفع الإيجار السنوي الذي يدفعه إلى إدارة الري.

في الماضي، كان منسوب المياه يرتفع أحيانًا، مما كان يثير قلق السكان المحليين ويمنعهم من زراعة المحاصيل طويلة الأمد. لكن الآن يرتفع منسوب المياه دون سابق إنذار أثناء الزراعة. ونتيجة لذلك، فإنهم يفقدون ميزة الإدارة الجيدة ويصبحون عرضة للحوادث. ويضيف عبد الحكيم، مشيراً إلى تغير مثير للقلق في نمط ارتفاع منسوب المياه.

يقول مزارع آخر من نفس القرية: “ليس لدي أي طاقة للقيام بأي عمل آخر. وظيفتي كمزارع هي البذر والحصاد”. يقوم هذا المزارع بزراعة محاصيل قصيرة الأجل مثل البرسيم لتجنب الخسائر الكبيرة. لكن الحقول لا تزال مغمورة بالمياه، ولا أجد ما يُطعم الماشية، ولا حتى محصولًا أبيعه. في نهاية العام، سأضطر لدفع 7000 أو 8000 جنيه مصري. من أين سأحصل على هذا المبلغ؟ كما أعرب عن استغرابه من التوقيت، قائلاً: “ليتنا نعرف متى سيرتفع منسوب المياه قبل أن نزرع. نريد فقط أن نعرف إذا استمر الوضع بهذا السوء، هل سنتخلى عن الأرض لصالح النهر ونبحث عن بديل؟ إذا لزم الأمر، أتمنى أن تعوّضنا السلطات أو حتى تعفينا من الإيجار السنوي لمساعدتنا على مواجهة هذه الخسارة”.

وتمتد المعاناة إلى قرى أخرى. وقال الحاج عاطف محمود من قرية دلهمو بمركز أشمون، إن المياه غمرت المنازل، ما أجبر السكان على النزوح. “إذا أردنا رؤيتهم، فسنذهب إلى هناك بالقارب.” ويصف حالة أرضه قائلاً: “في كل مرة نزرع فيها محصولاً، يعود الماء ويبتلعه”. ويشير إلى أن محاصيله من الفاصوليا والبرسيم قد دمرت وأن أحلامه في زراعة محاصيل أكثر إنتاجية مثل الموز والعنب قد تحطمت بسبب تعرض التربة للفيضانات.

خبير مياه يتساءل عن الزيادة “غير المبررة” في وقت حرج

وعلى عكس البيان الرسمي الأصلي، الذي أرجع المشكلة إلى ارتفاع منسوب المياه المعروف في حوض النهر، يطرح الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، تساؤلات جدية حول أسباب هذه الزيادة وتوقيتها.

وعلق شراقي على صفحته على الفيسبوك على غرق مئات الهكتارات من الأراضي، معرباً عن استغرابه من حدوث ذلك الآن وليس خلال موسم الفيضانات المعتاد. مع تقديره للخبرة التاريخية لمدرسة الري المصرية، التي تأسست في منتصف القرن التاسع عشر، والتي بذلت جهودًا كبيرة في إدارة نظام الري وإنشاء مشاريع مائية ضخمة، أبرزها سد أسوان ومجمع القناطر، يقول: “فوجئنا بخبر غرق أجزاء من حوض النهر. وهذا أمر شائع خلال فترات ارتفاع منسوب المياه (عادةً في شهري سبتمبر وأكتوبر)، عندما يصل منسوب مياه بحيرة ناصر إلى ذروته، وليس خلال الربع الأخير من نهاية السنة المائية”.

يتساءل الخبير مباشرةً: “هل ارتفاع منسوب المياه ناتج عن زيادة تصريف السد العالي، أم أن هناك مشكلة فنية تسببت فيه؟ وهل هذا جزء من الاستعدادات لإمدادات المياه من سد النهضة الإثيوبي؟”

ويرى شراقي أن الوضع الحالي، سواء في سد النهضة الإثيوبي أو سد أسوان، “لا يتطلب زيادة تدفق المياه من بحيرة ناصر”، خاصة مع اقتراب مصر من موسم ذروة الطلب على المياه، والذي يتزامن مع زراعة الأرز، ويزيد من السحب من بحيرة ناصر. ويؤكد أن هناك العديد من الطرق الفنية «المعروفة لدى الخبراء للحفاظ على منسوب النيل».

ويخلص شاراكي إلى أن هذا الفيضان “غير مبرر” وأن الإدارة السليمة للمياه لا ينبغي أن تشكل تهديدًا الآن أو في المستقبل. ويطالب بـ”تعويض كافة المزارعين الذين غمرت المياه أراضيهم”.

الري توضح: غمر “طبيعي” للأراضي المعروضة والمملوكة للوزارة

ورداً على هذه التساؤلات ومعاناة المزارعين قدم المهندس محمد غانم المتحدث الرسمي باسم وزارة الموارد المائية والري الرؤية الرسمية للوزارة. وأكد غانم، في مداخلة هاتفية مع برنامج “على مسئوليتي” المذاع على قناة صدى البلد، مساء الأحد، أن الحادث يتعلق بـ”غرق بعض الأراضي الزراعية التي رفعها النهر”.

وشرح غانم طبيعة هذه الأراضي قائلاً إنها “جزء من مجرى النيل ويشار إليها بالسهول الفيضية النيلية، وبالتالي فهي ليست أراضٍ مغمورة خارج النيل”. وأوضح قائلاً: “عندما يرتفع منسوب المياه في النهر، تغمر هذه الأراضي. وهذه ظاهرة طبيعية تحدث كل عام”.

وأشار المتحدث باسم الوزارة إلى أن هذا “أمر طبيعي بالنسبة لمجاري الأنهار والمزارعون يدركون ذلك جيدًا”. وأوضح أن هناك أوقات يكون فيها منسوب المياه منخفضاً (مثل فصل الشتاء عندما يكون الطلب على المياه منخفضاً)، فتتم إزالة الأراضي وزراعتها، وهناك أوقات أخرى يرتفع منسوب المياه وتغمر الأراضي.

وحول الجدل القانوني، أكد غانم أنه يحق للمواطنين زراعة هذه الأراضي مقابل رسوم. وأكد أيضاً أن هذه الأراضي تابعة قانوناً لوزارة الموارد المائية والري باعتبارها جزءاً من مجرى النهر.

وهذا ما أكده أيضاً وكيل وزارة الزراعة بالمحافظة، الذي صرح بأن بعض المزارعين الحاصلين على “حيازة مؤقتة” للأراضي الزراعية يستخدمون هذه الحيازة كغطاء قانوني للحصول على أموال لتوفير الأراضي (مثل الأسمدة الكيماوية)، وهو ما يشكل مخالفة ضمنية. وأوضح أن هؤلاء المزارعين يدفعون 250 جنيها مصريا للقيراط الواحد للحصول على هذه المادة المدعومة، وهو ما يشكل تجاوزا للالتزامات القانونية.

وأكد غانم أن الوزارة تتفهم الأضرار التي لحقت بالمزارعين: “نحن نتفهم الأضرار التي لحقت بهؤلاء المزارعين”، وأنها مهتمة بالأرض “حتى لو كانت الأرض مزروعة بشكل غير قانوني”. وبرر التعامل الحالي مع تصريف المياه بقوله إن الوزارة “تحسب التصريفات التي تتدفق من السد العالي إلى المجرى الرئيسي لنهر النيل”، وأن هذه “عملية فنية ذات أبعاد عديدة لضمان استعداد البلاد لفترة ذروة الطلب على المياه في الصيف”.

سيناريو يتكرر… ولكن مع تزايد القلق بشأن الأنماط المتغيرة.

تقع محافظة المنوفية في قلب دلتا النيل وتعتمد بشكل كبير على الزراعة. على الرغم من أن ظاهرة فيضان مجرى النهر خلال موسم الفيضان السنوي (أغسطس – أكتوبر) معروفة تاريخيًا، إلا أن تكرار حدوث هذه الفيضانات في السنوات الأخيرة (2020، 2022، بأضرار بلغت 775 فدانًا) والحدوث الحالي في أبريل يشكل سببًا للقلق بين المزارعين ويثير تساؤلات حول الأنماط المتغيرة والأسباب الفنية.


شارك