سراب هدنة غزة.. بين المآرب المختلفة والشروط التعجيزية ومهلة ترامب لنتنياهو لإنهاء الحرب

ربما ترغب كافة الأطراف المعنية في العودة إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة، إلا أن رؤاهم وتوقعاتهم تختلف. بين الرغبة الإسرائيلية في تحرير الرهائن المتبقين في قطاع غزة والهدف الفلسطيني المتمثل في إنهاء أعنف حرب في تاريخ الصراع مع إسرائيل، والتي أودت بحياة أكثر من 51 ألف شخص، هناك حديث مستمر عن العودة المحتملة إلى وقف إطلاق النار. لكن هذا الحديث سرعان ما يتلاشى، ويشتته شيطان التفاصيل، ويصبح سرابًا. لكن الحقيقة هي أن الحرب التي تدور رحاها منذ أكثر من عام ونصف ما زالت مستمرة.
وتوجد بين الحين والآخر نبرة تفاؤلية بشأن التوصل إلى حل للوضع وإمكانية التوصل إلى اتفاق بناء على جهود الوسطاء مصر وقطر والولايات المتحدة. لكن هذه الجهود سرعان ما تواجه ظروفاً يصفها المراقبون بالمستحيلة فتتوقف.
في واقع الأمر، ونظراً لأنها تسيطر على معظم زمام الأمور، فإن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تواجه اتهامات متزايدة بأنها تعمل عمداً على تخريب المفاوضات.
ورغم تأكيدات مثل تلك التي أطلقها رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير يوم الأحد، والتي أكد فيها أن عودة الأسرى تشكل أولوية وأن كل ما تفعله الدولة يهدف إلى إطلاق سراحهم، فإن الضغوط على حكومة نتنياهو تتزايد في الداخل والخارج.
ولقد ربطت الحكومة هذا الهدف دائماً بهزيمة حماس، وهو الشرط الذي يعتبره كثيرون الآن ــ حتى داخل إسرائيل ــ غير واقعي، نظراً لعدم وجود أي مؤشر على إمكانية تحقيق هذا الهدف، على الأقل في المستقبل المنظور.
وبحسب تقديرات إسرائيلية فإن حماس تعمل على إعادة بناء قدراتها وتجنيد عناصر جدد لتعويض الخسائر في صفوفها.
وفي ظل تصاعد العمليات العسكرية في قطاع غزة، ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت أن “الجيش الإسرائيلي أصبح يسيطر على 40% من أراضي غزة”. وأشارت الصحيفة إلى أن تل أبيب تنتظر رد فعل حماس على مقترح إطلاق سراح تسعة أو عشرة أسرى أحياء، وأنها تلاحظ تغيراً في موقف الحركة بسبب وعود غير معلنة من واشنطن.
وذكرت الصحيفة أن إسرائيل تطالب بالإضافة إلى الأسرى الأحياء بالإفراج عن رفات عشرة أسرى آخرين.
وفي حين زعمت مجموعة من المحللين أن الموقف الإسرائيلي متناقض، في ظل وجود أدلة على الأرض وتصريحات من مسؤولين حكوميين تشير إلى نية احتلال أجزاء من قطاع غزة لفترة طويلة من الزمن، رأت مجموعة أخرى أن الممارسات الإسرائيلية هي استراتيجية تهدف إلى الضغط على حماس لتقديم تنازلات.
لكن حماس أعربت مراراً وتكراراً عن استعدادها للتخلي عن دورها في حكم قطاع غزة، وليس لديها خيار سوى استخدام ورقة الرهائن كورقة مساومة. ويطالب بضمانات لإنهاء الحرب بشكل كامل.
ويظل التمسك بسلاحها وسلاح الفصائل الفلسطينية الأخرى ورفض التخلي عنه باعتباره “خطاً أحمر” أحد أكبر المعضلات التي تعترض الجهود الرامية إلى التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب.
وفي ظل التفاؤل الحذر بشأن إمكانية التوصل إلى اتفاق، نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مصدر سياسي قوله إن الاقتراح الحالي قريب من الاقتراح الأصلي الذي قدمه المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف. وأضاف ويتكوف أن الاقتراح لم يقدم رسميا إلى إسرائيل بعد، “ولذلك لم يكن هناك موقف إسرائيلي رسمي بشأن ما إذا كان ينبغي قبول الاقتراح أم لا”.
في هذه الأثناء، أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بتقييمات في إسرائيل تفيد بأن التوصل إلى اتفاق مع حماس لا يزال ممكنا، وربما يستغرق أسبوعين أو أكثر.
ويأتي هذا في وقت تتزايد فيه الأصوات المطالبة بإنهاء الحرب وعودة جميع الأسرى، وتتزايد حملة الالتماسات التي تقوم بها هيئات ومؤسسات مختلفة، وخاصة تلك الحساسة. انضم أكثر من 250 موظفا سابقا في الموساد إلى الحملة من خلال التوقيع على رسالة. وفي وقت سابق، تقدم أطباء وأعضاء سابقون في الوحدة 8200 وأفراد من القوات الجوية بمطالب مماثلة.
وبحسب صحيفة “يديعوت أحرونوت”، فقد وقع على الرسالة ثلاثة من رؤساء الموساد السابقين: داني ياتوم، وإفرايم هاليفي، وتامير باردو، بالإضافة إلى العشرات من رؤساء الجهاز الآخرين ونوابهم.
وتزامن ذلك مع تظاهرة لعشرات الإسرائيليين برفقة أهالي الرهائن أمام منزل رئيس فريق التفاوض الوزير رون ديرمر في القدس المحتلة، للمطالبة باستقالته من رئاسة فريق التفاوض.
أشارت عيناف زانغاوكر، والدة أحد الأسرى في غزة، بأصابع الاتهام إلى ديرمر قائلةً: “لقد عُيّنتَ رئيسًا لفريق التفاوض لإطلاق سراح جميع الأسرى، لكننا نعلم أن هذا ليس صحيحًا. لقد انضممتَ إلى فريق التفاوض لتخريب المحادثات. مهمتك هي دفن الأسرى، وأنتَ دمية في يد رئيس الوزراء… مهمتك هي تعطيل المفاوضات بدلًا من التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح جميع الأسرى”.
في الوقت الذي يجري فيه مناقشة مقترح مصري أميركي، زار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قطر، الأحد، حيث ناقش جهود التوصل إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة مع الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر. وفي الساعات الأخيرة، جرت محادثة هاتفية أيضًا بين وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي والمبعوث الأمريكي ويتكوف، أعرب فيها الوزير المصري عن أمله في الهدوء والاسترخاء في المنطقة ورغبته في التوصل سريعًا إلى وقف إطلاق نار دائم في قطاع غزة.
ونقلت شبكة “سي إن إن” عن مصدر إسرائيلي مطلع على المفاوضات قوله: “إن الهيكل الحالي لفريق التفاوض ليس مفيدا بما يكفي لتحقيق التقدم”.
ورأى المصدر الإسرائيلي أن “قرار تهميش خبراء الأمن القومي لصالح أقرب مستشاري نتنياهو” كان يهدف إلى منح رئيس الوزراء سيطرة أكبر على عملية التفاوض، في إشارة إلى نقل هذا الملف إلى ديرمر بعد أن كان في السابق تحت سيطرة رئيسي الموساد والشاباك ديفيد برنياع ورونين بار.
ومع تزايد الدعوات لإنهاء الحرب في الداخل والخارج، وإلقاء اللوم على نتنياهو في انهيار المفاوضات لمواصلة القتال لأسباب شخصية، فضلاً عن الشائعات التي تفيد بأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب سيمنح رئيس الوزراء الإسرائيلي مهلة أسبوعين لإنهاء الحرب، هناك تكهنات حول إمكانية التوصل إلى اتفاق للعودة إلى وقف إطلاق النار، حتى لو لم تواكب الإجراءات على الأرض ذلك.