ماذا نعرف عن الاتفاق النووي المتوقع بين واشنطن والرياض؟

منذ 5 ساعات
ماذا نعرف عن الاتفاق النووي المتوقع بين واشنطن والرياض؟

تقترب الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية من توقيع اتفاقية أولية للتعاون في مجال الطاقة والتكنولوجيا النووية المدنية. أعلن ذلك وزير الطاقة الأميركي كريس رايت من الرياض، حيث يقوم بزيارة رسمية ضمن جولة إقليمية شملت أيضاً الإمارات العربية المتحدة وتوقف في قطر ودول أخرى.

وقال رايت “نواصل الحوار حول كيفية تعاون الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية بشكل أفضل لتطوير صناعة الطاقة النووية التجارية في المملكة”.

ولم تخف المملكة العربية السعودية قط رغبتها في تطوير الخبرة في مجال الطاقة النووية المدنية، وأكدت باستمرار هدفها المتمثل في تنويع مصادر الطاقة وبالتالي تقليل الانبعاثات من خلال تطوير مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة، بما في ذلك الطاقة النووية، كجزء من رؤية 2030.

وفي هذا السياق، قال الدكتور العضو السابق في لجنة الاقتصاد والطاقة بمجلس الشورى السعودي: “أكد فهد بن جمعة أن المملكة أنشأت منذ عام 2010 مشروع طاقة متكامل ومركز أبحاث للطاقة النووية والمتجددة في مدينة الملك عبدالله”. وبحسب بن جمعة فإن الاتفاقية التي تحدث عنها وزير الطاقة الأميركي تتعلق بالمستقبل الاقتصادي و”رؤية 2030″ في إطار تطوير الطاقة النووية في المملكة.

وأضاف بن جمعة في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أن المملكة أحرزت تقدماً كبيراً في هذا المجال وهي في مرحلة متقدمة من التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، خاصة فيما يتعلق بالالتزام بجميع الأنظمة والقوانين المتعلقة بالتسربات الإشعاعية وسلامة المختبرات والمفاعلات النووية.

ما هي “اتفاقية 123″؟

وبحسب وزير الطاقة الأميركي، فإن توقيع اتفاقية مماثلة مع السعودية يتطلب “اتفاقية 123”.

تشير “اتفاقية 123” إلى المادة 123 من قانون الطاقة الذرية الأمريكي لعام 1954. وهذا ضروري لتمكين الحكومة الأمريكية والشركات الأمريكية من التفاوض والتعاون مع الشركات الأجنبية لتطوير قطاع الطاقة النووية لأغراض غير عسكرية، ولكنه يشمل ضمانات ضد انتشار الأسلحة النووية ويضمن الاستخدام السلمي للطاقة النووية.

وينص القانون على تسعة معايير لمنع الانتشار يجب تضمينها في جميع الاتفاقيات. وتشمل هذه الالتزامات القانونية التي تقع على عاتق شركاء الولايات المتحدة بالالتزام بالمعايير الصارمة فيما يتصل بضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية والأمن المادي للمواد النووية المنقولة. وتحتفظ الولايات المتحدة بالحق في السماح بإعادة نقل أو إثراء أو إعادة معالجة المواد المسلمة إلى شريك آخر. وحظر استخدام التكنولوجيا لتطوير الأسلحة النووية أو نقل المواد الخطرة إلى أطراف ثالثة.

وتشير جمعية مراقبة الأسلحة إلى أن الولايات المتحدة تتفاوض مع المملكة العربية السعودية منذ عام 2012 بشأن إمكانية التوصل إلى اتفاق للتعاون النووي. وذكرت التقارير أن المملكة رفضت الاتفاقيات التي تلزمها بالتخلي عن قدرتها على إنتاج الوقود النووي.

1

وبحسب الخبير النووي الخليجي نور عيد فإن قدرة السعودية على توقيع اتفاقية 123 ستعتمد على ما إذا كانت الولايات المتحدة تتوقع من السعوديين التخلي عن تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجته. وبحسب عيد، فإن هذا حقهم بموجب معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، لكنه يمثل أيضاً وسيلة لإنتاج قنبلة نووية.

وأضاف عيد في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أن الإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال، كانت أول دولة تقرر طواعية التنازل عن مثل هذه القدرات. وزعمت الشركة أنها تفتقر إلى “المعرفة التقنية”، لكن التكنولوجيا التي كانت تتعامل معها كانت متاحة من خلال شركة كورية جنوبية. ومع ذلك، تمسك السعوديون بحجتهم بشأن المعايير المزدوجة بعد أن توصلت دول مثل الفلبين إلى “اتفاقية 123” أكثر مرونة، بحسب عيد.

ولذلك، لن يفاجئهم إذا وافق الرئيس دونالد ترامب على اتفاق مرن مع المملكة العربية السعودية، والذي ستتعلم بموجبه البلاد كيفية تخصيب اليورانيوم، الذي يتم استخراجه جزئيا بمساعدة الصين.

ويأتي الحديث عن اتفاق نووي ــ حتى لو كان سلميا ومدنيا بطبيعته ــ في خضم المحادثات الجارية بين واشنطن وطهران بشأن البرنامج النووي الإيراني والسؤال حول ما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على احتواء طموحات إيران النووية. وهذا يفتح الباب أمام سباق التسلح النووي في المنطقة.

وكان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قد أعلن في وقت سابق أن بلاده ستتبع إيران إذا طورت سلاحا نوويا.

كما أدلى وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان بتصريح لافت في بداية العام: حيث أعلن أن المملكة سوف تقوم بتخصيب اليورانيوم، وبيعه، وإنتاج ما يسمى بـ “الكعكة الصفراء” منه.

وكانت المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة قد وقعتا اتفاقية لتطوير برنامج نووي مدني في عام 2008 كجزء من برنامج “الذرة من أجل السلام”. ومع ذلك، كان هذا بمثابة إعلان نوايا أكثر منه اتفاقا ملزما.

في عام 2018، افتتح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أول مفاعل بحثي منخفض الطاقة في المملكة كجزء من خطط المملكة لتطوير صناعة المفاعلات النووية.

الفوائد الاقتصادية

ويرى بن جمعة أن الجهود المشتركة بين الولايات المتحدة والسعودية لا علاقة لها بالوضع في إيران أو غيرها من الأهداف السياسية، بل هي مشروع مستقل هدفه الرئيسي الاقتصاد والطاقة.

وأضاف أنه في حال الموافقة على المشروع فإنه من شأنه أن يزيد إنتاج الطاقة النووية، وهي طاقة نظيفة ذات انبعاثات منخفضة للغاية أو معدومة. وبالتالي، سيتم استخدامها في العديد من المجالات، مثل توليد الطاقة وتحلية المياه، كما ستساهم أيضاً في الأنشطة التجارية، مثل تصدير الكهرباء إلى دول أخرى في منطقة الخليج وحتى خارجها، كل ذلك في إطار تعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة.

ويرى الخبير النووي الخليجي نور عيد أن أحد الأسباب الرئيسية التي قد تدفع إدارة ترامب إلى توقيع الاتفاق هو أن الصناعة النووية الأميركية تواجه مشاكل. وضربت مثالا على ذلك بحقيقة أن الأميركيين لم يبيعوا خلال السنوات الأخيرة قدراتهم النووية لأي دولة في الشرق الأوسط، لا لمصر ولا لتركيا، لأن هاتين الدولتين تعتمدان على التكنولوجيا الروسية، في حين اختارت الإمارات العربية المتحدة كوريا الجنوبية. ولذلك، يرى عيد أن الرئيس الأميركي يريد مساعدة الصناعة النووية الأميركية على استعادة أهميتها الكبرى. “وأي دولة ستكون أكثر ملاءمة لهذا من المملكة العربية السعودية، خاصة وأن الأميركيين لديهم تكنولوجيا باهظة الثمن لا تستطيع كل الدول تحملها؟”

وبحسب عيد فإن احتياطيات اليورانيوم في السعودية لا تكفي للتصدير، لكنها كافية لدعم البرنامج النووي المحلي. إن امتلاك احتياطيات اليورانيوم، والقدرة على تخصيب اليورانيوم، والقدرة على التعامل مع النفايات النووية، سوف تمكن السعوديين من الاعتماد بشكل أقل على الشركاء الخارجيين، والعمل على تطوير قدراتهم الذاتية، سواء في القطاع النووي أو في الصناعات الأخرى. وبالإضافة إلى ذلك، فإن ذلك سيسمح لهم باستخدام احتياطياتهم النفطية للتصدير، وهو ما سيجلب زيادة في الإيرادات للمملكة العربية السعودية. وبالتالي فإن برنامج الطاقة المستقبلي سيمكن من تنويع مصادر الطاقة في إطار رؤية 2030.

2

لكن الأمر يعتمد على ما إذا كان الرئيس ترامب سيسمح للسعوديين بتخصيب اليورانيوم والسيطرة على دورة الوقود النووي بأكملها، كما يقول عيد. “لذا فإن المملكة العربية السعودية أمامها طريق طويل لتقطعه.”

وبحسب الدكتور العضو السابق في لجنة الاقتصاد والطاقة بمجلس الشورى السعودي. فهد بن جمعة: التصريحات الأميركية مؤشر على متانة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين الرياض وواشنطن وتشهد على الثقة المتبادلة والمصالح المشتركة، حيث يخدم هذا المشروع مصالح البلدين.

وكانت السعودية والولايات المتحدة دخلتا في مفاوضات مطولة في السابق لتلبية عدد من مطالب المملكة مقابل الموافقة على تطبيع محتمل للعلاقات مع إسرائيل. وتشمل هذه المطالب اتفاقا أمنيا بين الرياض وواشنطن، واتفاقا بشأن التعاون النووي للأغراض السلمية، والتزاما من الولايات المتحدة بإيجاد طريقة لإقامة دولة فلسطينية.

وقد سبق للمملكة أن أعربت عن هذا الموقف علنا في أكثر من مناسبة، وأبلغت الحكومة الأميركية بالفعل أنه لن تكون هناك علاقات دبلوماسية مع إسرائيل ما لم يتم الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة ضمن حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.


شارك