إبراهيم نجم: التكنولوجيا والإعلام الحديث أدوات فاعلة لتعزيز التراحم والتضامن الاجتماعي

أكد الدكتور إبراهيم نجم الأمين العام للمجلس العالمي لهيئات ومؤسسات الإفتاء أن التراحم والتكافل الاجتماعي في الإسلام ليسا فضيلتين عابرتين، بل هما ركيزتان أساسيتان من ركائز المنظومة الأخلاقية والاجتماعية التي أرساها الإسلام لبناء مجتمعات متماسكة قادرة على مواجهة تحديات عصرنا. وأكد على ضرورة استحضار هذه القيم خاصة في وقت يعاني فيه العالم من مشاكل مثل الفقر والعنف والتفكك الاجتماعي والصراعات العديدة.
جاء ذلك خلال كلمته في اليوم الثاني من المؤتمر الدولي “المواطنة والهوية وقيم التعايش” المنعقد في عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة أبوظبي، ويشارك فيه نخبة من العلماء والمفكرين وقادة المؤسسات الدينية من مختلف أنحاء العالم.
وأوضح الدكتور نجم أن الإسلام يقدم رؤية شاملة للرحمة والتضامن لا تقتصر على الجوانب العاطفية أو المادية، بل ترتبط بالأخلاق والإيمان والعمل الاجتماعي المؤسسي. وأضاف أن مفهوم الرحمة يأتي من الجذر اللغوي “رحم” والذي يدل على الرقة والشفقة والرحمة. وفي معناه الإسلامي فهو يتجاوز حدود المشاعر ويعتبر عملاً إنسانياً مؤثراً يخفف معاناة الآخرين ويعزز الألفة والمودة.
وأشار إلى أن الحديث النبوي الشريف يقول: (المؤمنون كالجسد الواحد في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى). يجسد هذا المعنى العميق ويؤكد أن التضامن والدعم المتبادل مسؤولية جماعية ملزمة وليست مجرد لطف فردي أو طوعي.
وأوضح الأمين العام لمجالس ومؤسسات الإفتاء العالمية أن سيرة الرسول الكريم تقدم نموذجاً حياً وعملياً لهذه القيم، لافتاً إلى تجربة “الأخوة” بين المهاجرين والأنصار، وموقف الصحابي سعد بن الربيع من عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنهما- وغيرها من المواقف النبوية التي أكدت على أهمية الرحمة والإنصاف والنصرة.
وأكد الدكتور نجم أن هذه القيم ليست مقتصرة على التاريخ، بل تحتاج إلى تجديد وتفعيل في مجتمعاتنا المعاصرة. وأشار إلى أن مؤسسات مثل الأزهر الشريف تمثل نموذجاً رائداً للتكافل الاجتماعي المستدام في الحضارة الإسلامية، وتساهم في مساعدة المحتاجين، وتعزيز التعليم، وتحقيق العدالة الاجتماعية.
وأوضح أنه في عالم اليوم، وفي ظل الأزمات والتحديات الأخلاقية والاجتماعية الراهنة، هناك حاجة ماسة لإحياء هذه القيم الإسلامية الأصيلة. ودعا إلى تعزيز الخطاب الديني والقانوني الذي يجمع بين الإيمان والعمل الإنساني ويجعل من التراحم والتضامن أدوات فعّالة لبناء السلم الاجتماعي والوحدة الإنسانية.
وأكد أيضاً على أهمية تعزيز قيم التراحم والتكافل الاجتماعي في المجتمعات الإسلامية في ظل التحديات الراهنة. وأكد أن المجتمعات الإسلامية أثبتت قدرتها على ترجمة هذه القيم إلى واقع ملموس، ما ساهم في تحسين أوضاع الفئات الضعيفة والمهمشة.
وأشار إلى أن المؤسسات الدينية الكبرى مثل الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية تلعب دوراً محورياً في نشر وتعزيز هذه القيم، مشيراً إلى أن الأزهر يعزز التكافل الاجتماعي من خلال الفتاوى والضوابط الشرعية والتعليم والمبادرات الخيرية.
وأشار إلى أن دار الإفتاء المصرية تسهم بشكل كبير في رفع مستوى الوعي في المجتمع من خلال الفتاوى الخاصة وحملات التوعية ومحاربة الأفكار المتطرفة، مما يعزز التراحم والتضامن داخل المجتمع.
وأشار نجم إلى أن الابتكارات في استراتيجيات التعليم والإعلام تشكل جزءاً أساسياً من تعزيز هذه القيم في العصر الحديث، مؤكداً أهمية استخدام وسائل الإعلام الحديثة ومنصات التواصل الاجتماعي لنشر ثقافة التضامن بين الأجيال الجديدة.
وأكد على أهمية دور التعليم التفاعلي والمسابقات التربوية في تشجيع الشباب على المشاركة الفاعلة في المبادرات الاجتماعية التي تعالج المشاكل المجتمعية كالفقر والإقصاء الاجتماعي.
وأشار إلى أن من أبرز التحديات الاقتصادية والاجتماعية في تطبيق هذه القيم هو ضعف الوعي الاجتماعي والقدرة الإدارية في المؤسسات الخيرية، بالإضافة إلى التحديات الناجمة عن استغلال العمل التضامني لأغراض سياسية أو أيديولوجية.
وشدد على ضرورة وضع استراتيجيات واضحة لمواجهة هذه التحديات من خلال رفع الوعي المجتمعي وتعزيز المؤسسات الاجتماعية والاستخدام الفعال للتقنيات الحديثة لضمان استدامة التراحم والتضامن في المجتمعات الإسلامية.
وأكد أيضاً أن تعزيز قيم التراحم والتكافل المجتمعي يتطلب تقديم رؤية إسلامية واضحة وشاملة تتجاوز التحديات الراهنة. وقال: “من الضروري إعادة النظر في مناهجنا التعليمية الدينية والاجتماعية، وعلى المؤسسات التعليمية تبني نهج تربوي تقدمي يغرس قيم التراحم والتضامن في نفوس الطلاب منذ الصغر”.
وأضاف: “إن الأنظمة التشريعية في الدول الإسلامية بحاجة إلى مراجعة لتسهيل عمل المؤسسات الاجتماعية، وإيجاد إطار قانوني يعزز المشاركة الفعالة في الأنشطة التضامنية، مثل جمع وتوزيع الزكاة والصدقات، وتنظيم عمل المؤسسات”.
وأكد أهمية إنشاء مراكز ومؤسسات متخصصة في تعزيز هذه القيم: “المجتمعات الإسلامية بحاجة إلى مراكز اجتماعية تساهم في تطوير استراتيجيات مبتكرة وتوفر التدريب اللازم للمؤسسات والكوادر في هذا المجال”.
وأكد أن تعزيز الشراكات الاجتماعية بين مختلف القطاعات أمر بالغ الأهمية لتحقيق التكامل: “إن بناء الشراكات الاستراتيجية بين القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني يزيد من فعالية المبادرات ويضمن استدامتها”.
وفيما يتعلق باستخدام التكنولوجيا، قال: “من المهم الاستثمار في التقنيات الحديثة لبناء منصات رقمية تساعد على تعزيز قيم التكافل الاجتماعي وتحسين الشفافية والكفاءة في إدارة الموارد”.
وأكد أيضا على أهمية تمكين الشباب من أخذ زمام المبادرة في العمل التضامني. قال: “الشباب هم عماد المستقبل. ومن خلال توفير برامج تدريبية لهم وتشجيعهم على الابتكار في مشاريع التضامن، يمكننا ضمان مستقبل أكثر تماسكًا ودعمًا”.
وفي ختام كلمته أكد الأمين العام للمجلس العالمي لهيئات ومؤسسات الإفتاء أن هذه الرؤية المستقبلية تهدف إلى بناء مجتمع إسلامي قوي وموحد قادر على مواجهة تحديات الحاضر والمستقبل. وأكد على ضرورة إحياء القيم الإسلامية الأساسية من الرحمة والتضامن والتكافل.