إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا.. ننشر نص خطبة الجمعة المقبلة

منذ 2 أيام
إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا.. ننشر نص خطبة الجمعة المقبلة

وحددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة المقبلة على النحو التالي: “إذا استنار العقل بالعلم أضاء العالم”.

وأوضحت وزارة الأوقاف أن الهدف من هذه الخطبة هو توعية الناس بأهمية المعرفة ودورها في التنمية البشرية. الخطبة الثانية تتناول الأفكار والمعتقدات الخرافية.

عن نص الخطبة:

والحمد لله رب العالمين. نحمدك يا الله حمداً يليق بكمال لاهوتك، ونحمدك حمداً يليق بعظمة ربوبيتك. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، أذن الحق التي استجابت لنداء السماء لهداية الأرض، ولسان الحق الذي أبلغ إرادة الحق إلى الخلق. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وثم:

العقل هو الجوهرة الإلهية التي حباه الله تعالى بها الإنسان، وهو الهبة الإلهية التي تكشف لنا أسرار الكون. لكن هذه الروح تبقى خاملة تنتظر الشرارة التي ستشعلها والغذاء الذي سيطورها وينقيها. أيها الناس، هذه الشرارة وهذا الغذاء هو العلم. عندما يُنير العقل بالمعرفة فإنه سينير العالم. عندما يكون العقل حرًا، جشعًا، عاطفيًا، باحثًا ومتسائلًا؛ وانفتحت أمامه أبواب المعرفة. يتلاشى الظلام، وتتلاشى السحب، وتمتلئ العقول بالأفكار الرائعة، ويرى الناس علامات مبهرة في الكون، ودروسًا وحكمًا في التاريخ. قال الله تعالى: {وَلَا يَعْقِلُهُ إِلَّا الْعَالِمُونَ}

أيها الناس، اعلموا أن العلم نور العقل ومداد الروح. ألم تكن أول رسالة إلهية إلى حضرة ربي عليه الصلاة والسلام: (اقرأ)؟ أليس أشرف مكانة أعطاها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للعلماء هي ميراث النبوة والأنبياء؟ ألا ترى أن أهل العلم هم أهل هذه المقامات العالية؟ {يَرْفَعُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأُوتُوا الْعِلْمَ شَيْئًا}. وإليكم هذا الحديث النبوي الخالد الذي لا مثيل له: “ومن سلك طريق العلم فتح الله له باب الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم، وإن العالم ليُستغفر له من في السماء ومن في الأرض، حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على المؤمن كفضل القمر على سائر الكواكب”.

عباد الله، تأملوا كيف أضاء نور العلم عقولاً غيّرت مجرى التاريخ، وأنشأت حضارة خالدة. أمامكم روح الإمام أبي حنيفة وحلقاته الاستشارية التي كانت مراكز للبحث والدراسة، وروح الإمام مالك وفقهاء المدينة السبعة الذين علموا العالم كيف تصل الأمم والشعوب إلى الهوية العلمية. وسترى الإعجاز في عقل الإمام الشافعي، حالة إبداعية فريدة، وصولاً إلى عقل الإمام أحمد بن حنبل الفريد رحمهما الله ورضي عنهما. فتأمل في سيرهم وحياتهم، واستنبط من نور العلم، وردد قول الله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء}، وقوله تعالى: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون}.

أيها الناس، اجعلوا من بيوتكم ومدارسكم ومجتمعاتكم منصات للمعرفة وحاضنات للفكر. غرس في أطفالك حب التعلم والشغف بالمعرفة. أخبروهم أن مصر نموذج فريد في العالم، حيث أن ريادتها وعظمتها تعتمد على المعرفة. أخبرهم أن المصريين برعوا في العلوم المختلفة، وأسسوا المدارس، وبنوا المكتبات، وأنشأوا المراصد الفلكية، واجتذبوا العلماء والمبدعين من جميع أنحاء العالم. لتعرف كيف بنى نور العلم الحضارة وخلق الإنسان!

يا أيها الناس، مفتاح حل أزماتنا هو المعرفة. الطريق إلى النصر هو المعرفة. إن مكافحة التطرف الديني وغير الديني تتطلب المعرفة. يتم مواجهة الفساد بالمعرفة. الاقتصاد مبني على المعرفة. المعرفة أولاً، والمعرفة ثانياً، والمعرفة ثالثاً. رحم الله الإمام الشافعي ورحمه حيث قال: تعلموا، فإنه لا يولد الإنسان مع المعرفة، ومن لديه المعرفة ليس كمن هو جاهل. حتى رئيس الشعب ليس له علم * صغير حين تحيط به الجموع وإن كان شاب القوم عالماً فإنه يكون عظيماً إذا رجعت إليه المجالس.

بعد الاستراحة:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) وعلى آله وصحبه أجمعين. والآن:

لا ينبغي لمن أنار الله تعالى عقله بالعلم أن ينغمس في الأفكار البالية والخرافات الزائفة التي لا تستند إلى دليل ولا يقبلها المنطق السليم. كيف يمكن للإنسان العاقل أن يسمح للخرافات أن تغزو حياته وتفسدها، وتتلاعب بعقله، وتضعف يقينه، وتزرع الأوهام في داخله؟

عباد الله، المعرفة نور والخرافة ظلام. ديننا يدعونا إلى المعرفة والبحث والتجريب، بينما الخرافة تستغل الجهل وتنشر الأوهام. إن الدين يبني مجتمعًا قويًا متماسكًا على أسس الإيمان والعقل والمعرفة، بينما الخرافة تزرع بذور الانقسام والضعف والجهل!

أصدقائي الأعزاء، فكروا في العواقب الوخيمة التي تنتج عن الخرافات. كم من الطاقة أهدروها؟ كم عدد الأفكار والإجازات التي تمتلكها عائلتك؟ الخرافة ليست مجرد فكرة ساذجة، بل هي سم يتسلل إلى شرايين المجتمع، فيضعف مناعته ويعيق تقدمه. فلنسأل أنفسنا بصراحة: هل لا زال بيننا أناس عالقون في هذه الأفكار القديمة؟! هل لا زال البعض منا يؤمن بقوة التمائم والسحر في جلب المنافع ودفع المضار؟! لقد عزز الله تعالى الإيمان فينا، فقال تعالى: {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو}، {وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير}.

أيها الناس، اعلموا أن مواجهة الخرافة ليست واجباً دينياً فحسب، بل هي ضرورة روحية وحضارية. إنها دعوة لتحرير العقل من قيود الوهم وإطلاق طاقات الفكر والإبداع. إنه استثمار في مستقبل مشرق لأجيالنا القادمة، مستقبل يرتكز على العلم والمعرفة والإيمان القوي.


شارك