“ترامب فضل التفاوض”.. كواليس تراجع أمريكا عن دعم ضرب إسرائيل لمنشأت إيران النووية

وتشير تقارير إسرائيلية وأميركية إلى أن إسرائيل كانت على وشك شن ضربة عسكرية واسعة النطاق ضد المنشآت النووية الإيرانية بدعم أميركي في مايو/أيار 2025، قبل أن يتراجع الرئيس الأميركي دونالد ترامب ويقرر إعطاء الأولوية للحل الدبلوماسي مع طهران.
وذكرت صحيفة جيروزاليم بوست نقلا عن تقرير مفصل لصحيفة نيويورك تايمز، أن إسرائيل فكرت جديا في مهاجمة البرنامج النووي الإيراني عدة مرات منذ أكتوبر/تشرين الأول 2024، خاصة بعد الهجوم غير المسبوق الذي شنته إيران على إسرائيل بنحو 200 صاروخ باليستي في الأول من أكتوبر/تشرين الأول.
وبينما كانت الاستعدادات للهجوم جارية، أكدت التقارير أن الولايات المتحدة لعبت دوراً رئيسياً في عملية صنع القرار، فيما انتظرت إسرائيل الضوء الأخضر الأميركي لتنفيذ العملية، خاصة وأن نجاحها يتطلب مظلة دفاع صاروخي أميركية للحماية من أي رد إيراني محتمل.
وبحسب الصحف، استندت حسابات إسرائيل إلى عدد من النجاحات العسكرية، بما في ذلك هجوم ملحوظ شنته القوات الخاصة “شالداغ” على منشأة سرية تحت الأرض في سوريا في سبتمبر/أيلول 2024، فضلاً عن هجمات ناجحة سابقة على أهداف إيرانية في أبريل/نيسان من ذلك العام وعلى مواقع في اليمن، وهي أبعد جغرافياً عن إسرائيل من إيران.
ونتيجة لهذه العمليات، أصبح كبار ضباط سلاح الجو الإسرائيلي على قناعة بأن إسرائيل تمتلك القدرات التقنية واللوجستية لتوجيه ضربة مدمرة للمشروع النووي الإيراني.
وذكرت صحيفة جيروزالم بوست أيضًا أن الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب، بينما كان لا يزال يترشح لمنصبه، دعا إسرائيل صراحة إلى “إنهاء البرنامج النووي الإيراني”. وهذا دفع بعض صناع القرار في تل أبيب إلى التفكير جديا في شن هجوم أحادي الجانب أو التعاون مع الولايات المتحدة.
ومع ذلك، مع عودة ترامب إلى منصبه في يناير/كانون الثاني 2025، بدا موقف الحكومة الأميركية أكثر حذرا. أعرب البيت الأبيض عن قلقه من أن أي ضربة عسكرية قد تدفع المنطقة إلى حرب شاملة، خاصة في ظل استعدادات إيران المتقدمة للرد.
وبحسب تقرير صحيفة نيويورك تايمز، قرر ترامب في نهاية المطاف عدم دعم الهجوم، وفضل إعطاء الدبلوماسية فرصة أولا. وبدأت بالفعل محادثات غير مباشرة بين واشنطن وطهران في سلطنة عمان، ووصفت بأنها “بناءة” و”إيجابية”. ومن المقرر عقد جولة جديدة من المحادثات في روما بوساطة سلطنة عمان.
وأفادت الصحيفة أن ترامب أرسل أيضا مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية جون راتكليف إلى إسرائيل لعقد اجتماعات مغلقة مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومدير الموساد ديفيد برنياع لمناقشة “خيارات سرية” تقع تحت مستوى الهجوم العسكري المباشر.
كشفت صحيفة نيويورك تايمز أن إسرائيل كانت تستعد لشن هجوم مشترك على المنشآت النووية الإيرانية، بما في ذلك غارات جوية مكثفة تليها تسلل وحدات كوماندوز إلى المنشآت لزرع المتفجرات وتدمير البنية التحتية الحيوية.
وشملت الأهداف منشأة فوردو المحصنة تحت الأرض، ومنشآت أخرى قيد الإنشاء في نطنز، ومنشآت أخرى كشفت عنها إيران في مقاطع فيديو دعائية.
وتشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن نجاح العملية كان من شأنه تعطيل البرنامج النووي الإيراني لمدة سنة أو سنتين على الأقل.
لكن تقرير الصحيفة الأميركية أشار إلى أن إدارة ترامب تعتقد أن الهجوم قد تكون له تداعيات إقليمية بعيدة المدى، وقد يجر واشنطن إلى صراع مباشر مع إيران. ويتناقض هذا مع سياسة ترامب المتمثلة في تجنب الحروب والانخراط في الاتفاقيات الدبلوماسية.
وفي السياق ذاته، ذكرت صحيفة معاريف الإسرائيلية أن المؤسسة السياسية اتهمت رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتسريب معلومات سرية حول الهجوم المحتمل إلى وسائل الإعلام. واعتبرت الصحيفة أن التسريبات “محاولة متعمدة للضغط على الولايات المتحدة وتعبئة الرأي العام”.
كما هاجم رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت سياسات نتنياهو، قائلاً في بيان بثته القناة 12 الإسرائيلية: “مبدأ نتنياهو هو التهديد والتهديد والتهديد، ثم تسريب ما ينوي فعله. هذا مفهوم خطير قد ينفجر في وجوهنا”.
من جانبه، أعلن زعيم المعارضة يائير لابيد أنه اقترح في السابق مهاجمة حقول النفط الإيرانية لضرب الاقتصاد الإيراني. لكنه أشار إلى أن نتنياهو “كان خائفا وأوقف الهجوم”، على حد تعبيره.
وبحسب صحيفة جيروزاليم بوست، فإن تسريب هذه الخطط إلى وسائل الإعلام لم يكن مصادفة. ورأى البعض أن هذه الخطوة بمثابة “رسالة أميركية مباشرة إلى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي”، ما يشير إلى أن إيران على وشك التخلي عن برنامجها النووي.
ويرى مراقبون أن هذه الرسائل تهدف إلى الضغط على طهران لتقديم تنازلات حقيقية في المحادثات الجارية وتجنب العودة إلى المواجهة العسكرية.
ولكن إذا فشلت المفاوضات أو جاءت نتائجها أقل من توقعات إسرائيل، فقد تضطر تل أبيب إلى التحرك بمفردها. وقد حدث هذا بالفعل في عمليات سابقة ضد منشآت في نطنز وكرج، وكذلك في اغتيال شخصيات بارزة مثل محسن فخري زاده في ما تسميه إسرائيل “الردع الوقائي”.