عملية معقدة.. كيف هرّب بشار الأسد الأموال من سوريا؟

منذ الإطاحة بنظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي، ظلت الأسئلة حول كيفية تهريب مبالغ هائلة من المال والمجوهرات والوثائق السرية خارج البلاد دون إجابة. وكشف تحقيق لوكالة رويترز عن عملية معقدة لنقل الأموال المهربة.
ويشير التقرير إلى أن الأسد قام بتهريب أموال سورية إلى الإمارات العربية المتحدة قبل فراره من دمشق في ديسمبر/كانون الأول 2024. واستخدم طائرة خاصة سافرت ذهابا وإيابا أربع مرات بين دمشق وأبو ظبي بينما كانت قوات المعارضة السورية تتقدم نحو العاصمة. وأدى ذلك إلى انهيار نظام الأسد بعد 24 عاماً من الحكم.
ويستند التحقيق إلى تصريحات 14 مصدراً سورياً، بينهم موظفون في المطار، وضباط سابقون في المخابرات الجوية السورية والحرس الجمهوري، وشخص مقرب من الأسد. ويشير ذلك إلى أن تنظيم العملية وقع على عاتق ياسر إبراهيم، المستشار الاقتصادي المقرب من الأسد والمسؤول عن إدارة شبكته المالية المعقدة.
وكجزء من عملية تهريب الأموال، استأجر إبراهيم طائرة خاصة من طراز إمبراير ليجاسي 650، تتسع لـ13 مقعداً، من رجل الأعمال اللبناني محمد وهبي، لنقل الأموال والأشياء الثمينة والوثائق التي تفصل الهيكل المالي الذي دعم ثروة الأسد لمدة عقدين من الزمن.
وبدأت الطلعات الجوية في 6 ديسمبر/كانون الأول 2024، مع اقتراب قوات هيئة تحرير الشام من العاصمة دمشق، ما دفع الأسد إلى تسريع خططه لإخلاء أصوله.
وانطلقت الرحلات الثلاث الأولى من مطار دمشق الدولي، في حين انطلقت الرحلة الأخيرة من قاعدة حميميم الجوية الروسية قرب اللاذقية في الثامن من ديسمبر/كانون الأول، وهو اليوم الذي فر فيه الأسد إلى روسيا حيث حصل على اللجوء السياسي.
وأظهرت بيانات تتبع الرحلات الجوية من Flightradar24 والصور الفضائية من Planet Labs وجود الطائرة في حميميم في ذلك الصباح.
مسار الرحلة والسرية
وفي رحلتها الأخيرة، غادرت الطائرة مطار البطين في أبو ظبي، عاصمة الإمارات العربية المتحدة، بعد منتصف ليل الثامن من ديسمبر/كانون الأول بقليل، وحلقت فوق مدينة حمص حوالي الساعة الثالثة صباحاً. ثم اختفت عن أنظمة تتبع الرحلات الجوية لمدة ست ساعات تقريباً. خلال هذا الوقت، هبطت في قاعدة حميميم الجوية لتحميل المعدات قبل العودة إلى أبو ظبي.
وقال مصدر في مخابرات القوات الجوية السورية لرويترز إن جهاز الإرسال والاستقبال تم إيقاف تشغيله عمدا لتجنب اكتشافه، مما يسلط الضوء على الطبيعة السرية للعملية.
الأصول المنقولة
ولم يحدد التحقيق القيمة الإجمالية للأموال والمواد المهربة، لكن أشار إلى أنها تضمنت مبالغ نقدية كبيرة ومجوهرات ووثائق سرية تكشف عن شبكات الأعمال التي مكنت الأسد من جمع ثروته.
وتتضمن الوثائق تفاصيل عن شركات وهمية ومعاملات مالية أجريت في دول مثل الإمارات العربية المتحدة وروسيا للالتفاف على العقوبات الدولية.
وبحسب المصادر فإن العملية لم تكن لتتم لولا موافقة الأسد الشخصية، رغم عدم وجود أدلة مباشرة على إشرافه المباشر.
التفاعلات والتأثيرات
وأثار التحقيق موجة من الغضب على مواقع التواصل الاجتماعي. أعرب ناشطون سوريون عن استيائهم من استمرار الأسد في نهب ثروات البلاد حتى في لحظاته الأخيرة في السلطة.
ودعا كثيرون إلى محاسبة الأسد وشبكته المالية واستعادة الأموال للمساعدة في إعادة بناء البلاد. وأشار البعض إلى أن هذه الأموال قد تكون حاسمة لإعادة إعمار سوريا. لقد تعرضت البلاد لحرب أهلية أودت بحياة مئات الآلاف من الأشخاص وأجبرت الملايين على الفرار.
في هذه الأثناء، أكد مسؤول سوري لرويترز أن أموالا تم تهريبها بالفعل إلى خارج سوريا قبل الإطاحة بالأسد. إلا أنه لم يقدم مزيدا من التفاصيل، مشيرا إلى أن السلطات لا تزال تحقق في مكان وجود هذه الأصول.
وقالت الصحيفة البريطانية إنها لم تتمكن من الوصول إلى بشار الأسد أو إبراهيم أو وهبي للتعليق.
السياق التاريخي
ويأتي هذا الكشف ضمن سلسلة تقارير توثق أنشطة مالية مشبوهة مرتبطة بعائلة الأسد. في عام 2024، ذكرت صحيفة فاينانشال تايمز أن النظام السوري قام بتحويل مبالغ ضخمة من المال إلى روسيا للالتفاف على العقوبات الغربية. واتهم أقارب الأسد، مثل رامي مخلوف، أيضًا بغسل الأموال من خلال شركات وهمية في دول الخليج.
ويسلط التحقيق الضوء على التحديات التي تواجه الحكومة السورية المؤقتة في تحديد مكان هذه الأصول واستعادتها وسط الفوضى التي أعقبت سقوط النظام.