حوار| اللواء محمد إبراهيم الدويرى نائب مدير المركز المصرى للفكر والدراسات: مصر لم تطلب نزع سلاح حماس

• تناولت الخطة المصرية قضية السلاح الفلسطيني. • القانون الدولي يشرع مقاومة الاحتلال. ومن الصعب للغاية نزع سلاح المقاومة قبل إقامة الدولة الفلسطينية وإنهاء الاحتلال. • المصالحة الفلسطينية أصبحت حتمية… وعلى الزعماء الفصائليين أن يرتفعوا فوق المصالح الحزبية الضيقة. • نتنياهو هو المسؤول عن فشل معظم المفاوضات.. وقرر التضحية بالسجناء لتحقيق أهدافه الشخصية. • بدون إقامة دولة فلسطينية لن تنعم إسرائيل بالأمن والاستقرار. • الضمانة الوحيدة لأمن إسرائيل هي إقامة دولة فلسطينية بقرار واحد وسلاح واحد، وليس وجود قوات عربية أو دولية. • حماس جادة في الانسحاب من أي بنية حكومية في قطاع غزة، وأكدت لمصر بعدها عن اللجنة الإدارية المقترحة لإدارة قطاع غزة. • مصر ملتزمة بمعاهدة السلام ما دامت إسرائيل ملتزمة بها. إن الاتفاق لن يقف عائقا أمام الدفاع عن الأمن القومي عندما يواجه تهديدا حقيقيا. • يجب على الفلسطينيين صياغة مشروع سياسي يضم جميع الأطراف ووضع رؤية واقعية لحل المشكلة. • في اليوم التالي يتم الانسحاب النهائي لإسرائيل، وبدء إعادة الإعمار وإنشاء السلطة الفلسطينية التي تسيطر على كافة جوانب قطاع غزة.
مع تزايد حالة عدم اليقين في قطاع غزة، مع رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنهاء الحرب وإعلان حماس أنها لن تمس أسلحة المقاومة على الإطلاق ــ وهو الشرط الذي فرضته إسرائيل مؤخراً وسط اتهامات إسرائيلية رسمية بأن القاهرة مسؤولة عن الاقتراح ــ أجرت صحيفة الشروق مقابلة مع اللواء محمد إبراهيم الدويري، نائب مدير المركز المصري للفكر والدراسات. ويعد الدويري من أهم الخبراء ذوي الرؤية والمعرفة في هذا الموضوع، فهو مطلع بشكل وثيق على كافة مكونات المشهد الفلسطيني، ولديه معرفة واسعة بالأساليب الإسرائيلية بحكم عضويته في اللجنة الوطنية العليا لاستعادة طابا. من ناحية، رفض الاتهامات الإسرائيلية لمصر، لكنه من ناحية أخرى حاول شرح الوضع الراهن وسبل الخروج من الأزمة. وهنا نص المقابلة…
< برأيك كيف يمكن عرقلة خطة الطرد؟
لا شك أن الجهات التي طرحت مشروع تهجير سكان قطاع غزة إلى الخارج تحت ذرائع ومبررات واهية لا تزال تحاول تنفيذ هذا المشروع المشبوه. لكنهم ينسون عمدا أو بغير قصد أن هذا المشروع يحتوي على عوامل محكوم عليها بالفشل في مواجهة ثلاثة عوامل.
أولاً: يتمسك سكان قطاع غزة بأرضهم وخيامهم المتهالكة، رغم الكارثة الإنسانية الرهيبة التي يعانون منها والتي لا يستطيع أي إنسان أن يتحملها. يكفي أن نقول إن إسرائيل تمنع دخول المساعدات إلى قطاع غزة منذ أكثر من أربعين يوماً، لكن العقل المدبر وراء ذلك هو صمود سكانه.
ثانياً، ورغم محاولات إسرائيل تهجير العشرات من سكانها لأسباب معينة، فإننا لا نزال نواجه أكثر من مليوني فلسطيني يزينون أرض غزة الفلسطينية الطاهرة بصمودهم ودمائهم وتضحياتهم في مواجهة حرب الإبادة. وتواصل إسرائيل تدميرها الممنهج لجميع أجزاء قطاع غزة، واحتلالها لأراضٍ كبيرة، وجهودها بكل الوسائل لتحويل غزة إلى منطقة حيث الحياة مستحيلة.
العامل الثالث هو أن كافة الدول العربية، وخاصة مصر والسعودية، وكذلك المجتمع الدولي بأكمله، ترفض مشروع التهجير أو ما يسمى بالتطهير العرقي. ولا شك أن هذا الرفض الإقليمي والدولي يشكل عنصراً مهماً في التعامل مع هذه المشاريع المشبوهة والمرفوضة.
< هل الخطة العربية لإعادة إعمار قطاع غزة التي قدمتها مصر لا تزال سارية في ظل خطة الطرد أم أن نتنياهو تمكن من منعها؟
وتظل الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة دون تهجير سكانها، والتي تم إقرارها بالإجماع في القمة العربية الطارئة، قائمة. ولكي تكون هذه الخطة مقبولة من الجميع، فلا بد من مناقشتها والتفاوض عليها مع الحكومة الأميركية. وقد يكون لهم رأيهم الخاص في بعض أحكامه. ولكن إذا تم الاتفاق في نهاية المطاف على الخطة، فلن تتمكن إسرائيل من رفضها، على الرغم من كل محاولاتها المتواصلة لإحباطها.
< برأيكم كيف نستطيع أن نتجاوز المأزق الحالي الذي نصر فيه على نزع سلاح حماس من جهة، وعلى وقف الحرب لتسليم الأسرى من جهة أخرى؟
أولاً، يجب الإشارة إلى أن مصر لم تدع حماس أو أي فصيل فلسطيني آخر إلى نزع سلاحه. وهذا الأمر لا يدخل في اختصاص مصر التي تعمل كوسيط نزيه وتحظى باحترام وتقدير جميع الأطراف بلا استثناء. ولذلك فإن كل ما ينشر في هذا الشأن عارٍ عن الصحة تماماً، خاصة وأن من ينشر هذه الشائعات هم مسؤولون إسرائيليون حصراً.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الخطة المصرية العربية تعالج مشكلة أو أزمة السلاح الفلسطيني، وتنص على أن التعدد الفلسطيني في الجماعات المسلحة لا يمكن السيطرة عليه بل والقضاء عليه نهائياً إلا إذا تم القضاء على أسبابه من خلال أفق واضح وعملية سياسية ذات مصداقية تعيد حقوق حاملي السلاح.
ولذلك أعتقد أن اقتراح إسرائيل بنزع سلاح المقاومة الفلسطينية قبل إنهاء الاحتلال وقبل الشروع في عملية سلام حقيقية تؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة أمر صعب التنفيذ للغاية، خاصة وأن مقاومة الاحتلال شرعية بموجب القانون الدولي.
< هل تعتقد أن الشروط الإسرائيلية لنزع سلاح المقاومة وإخراج قيادات حماس من قطاع غزة قابلة للتنفيذ؟ أم أن نتنياهو يثير هذه القضية بالأساس لعرقلة المفاوضات، مدركاً للصعوبات التي تعترض تنفيذها؟
ليس هناك شك في أن أي شخص يتابع مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة منذ بدايتها وحتى يومنا هذا سيصل إلى نتيجة واضحة للغاية: نتنياهو نفسه يتحمل المسؤولية عن فشل معظم جولات المفاوضات. وهو الذي رفض الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 19 كانون الثاني/يناير، رغم التزام حماس بتنفيذ متطلبات المرحلة الأولى المنصوص عليها في الاتفاق.
ويواصل نتنياهو اختراع الحجج والذرائع والحجج الواهية لمنع أي اتفاق ومواصلة تدمير قطاع غزة. وبذلك، فإنه يتجاهل المعارضة المتزايدة داخل إسرائيل، والتي تطالبه بإنهاء الحرب وإبرام اتفاق لتبادل الأسرى. لكن من الواضح أنه قرر التضحية بأسرى فصائل المقاومة لتحقيق أهدافه الشخصية.
< هل الهدف هو نزع سلاح حماس وإخراج قادتها من قطاع غزة لضمان عدم تهديدها للمستوطنات الإسرائيلية مرة أخرى… أم لتحقيق إعلان رسمي بالهزيمة والاستسلام؟
وتلتزم إسرائيل باتخاذ كل التدابير، مهما كانت، لضمان عدم تكرار عملية طوفان الأقصى. وفي نظري فإن تحقيق الأمن لا يقتصر على نزع سلاح المقاومة أو إعلان الفائزين والخاسرين في هذه الحرب. بل يجب على إسرائيل أن تدرك أن أمنها لا يمكن ضمانه إلا من خلال إقامة دولة فلسطينية مستقلة. وبدون هذه الإجراءات فإن إسرائيل لن تنعم بالاستقرار والأمن الذي تأمل فيه، لأن الاحتلال يعني بطبيعة الحال المقاومة، سواء من حماس أو أي فصيل فلسطيني آخر.
<بناء على خبرتك الواسعة في هذا الشأن، هل تعتقد أن حماس جادة في التخلي عن السيطرة على قطاع غزة؟
وليس سرا أن حماس جادة للغاية في البقاء خارج أي هياكل حكومية في قطاع غزة. وقد تم شرح هذا الأمر لمصر مراراً وتكراراً، وتم التأكد من الأمر بشكل واضح. وتم الاتفاق أيضاً على أن تظل الحركة مستقلة بشكل كامل عن اللجنة الإدارية التي اقترحتها مصر لتولي مسؤولية إدارة قطاع غزة. وقد تم الاتفاق على هذه النقطة وهي تنتظر التنفيذ.
في ظل الانتهاكات الإسرائيلية منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة، تثار التساؤلات بين الحين والآخر حول مصير اتفاقية كامب ديفيد. هل تعتقد أن الاتفاقية سوف تتأثر أو تتغير في المستقبل؟
لقد استمرت اتفاقيات السلام المصرية الإسرائيلية لأكثر من 46 عاماً منذ توقيعها في عام 1979، وهي بلا شك ذات أهمية استراتيجية لكلا الطرفين. لكن من المهم لإسرائيل أن تعلم أننا سنلتزم بالاتفاق طالما التزم به الطرف الآخر. وهذا هو موقف مصر الواضح والحاسم، والذي لا يترك مجالا للتأويل. وهنا لا بد لي من الإشارة إلى أن أية خرق للمعاهدة سيتم التعامل معه من خلال وسائل الاتصال القائمة بين البلدين ووفقاً للمبادئ المتفق عليها والواردة في المعاهدة.
ولا يجب أن ننسى أن مصر نجحت في تعديل البروتوكول الأمني للاتفاقية في عام 2021 ونشرت قوات حرس الحدود في اتجاه استراتيجي شمالي شرقي، مقابل الحدود مع قطاع غزة. ويمنح العقد كلا الطرفين الحق في إجراء التغييرات بالاتفاق المتبادل.
ومن الواضح أن اتفاقية السلام مع إسرائيل لم ولن تعيق قدرة مصر على الدفاع عن أمنها القومي إذا واجهت تهديداً حقيقياً. وأن جيشنا الباسل قادر ومستعد تماما لمواجهة كل المخاطر التي تهدد استقرار البلاد.
هناك سؤال مثير للجدل يتجنب البعض الإجابة عليه بسبب طبيعته المتفجرة: هل انتصر أحد الطرفين على الآخر في المعركة الحالية، أو بمعنى آخر: من انتصر المقاومة أم إسرائيل؟
ورغم كل الدمار الممنهج والقتل المتعمد الذي نشهده في قطاع غزة وما يحدث حاليا في الضفة الغربية، فإنني أعتقد أن الفلسطينيين الأبطال هم الذين استحقوا الفوز في هذه الحرب. يتمسكون بأرضهم ويرفضون مشروع التهجير، رغم المعاناة غير المسبوقة التي يعيشونها.
< هل يمكننا الحديث عن دولة فلسطينية في ظل الرئيس الأمريكي ترامب والحكومة الإسرائيلية الحالية؟
ورغم أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب والائتلاف الإسرائيلي المتطرف الحالي يرفضان إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، فإن هذا الرفض يُسحق على عتبة الإرادة الفلسطينية القوية التي لا تزال تأمل في رؤية دولة فلسطينية مستقلة ذات يوم. وهذا هو حكم التاريخ الذي سيضع حدا لهذا الاحتلال الوحشي وكل من يدعمه. وسوف يتم رفع هذا الظلم مهما طال الزمن، وسوف تعود الحقوق الفلسطينية إلى أصحابها الشرعيين.
ومن المنطقي أن يتحرك الجانب الفلسطيني أيضاً في عدة اتجاهات. ومن أهمها صياغة مشروع سياسي داخلي يضم كل مكونات النظام الفلسطيني في الداخل والخارج، وتفعيل المؤسسات الفلسطينية المختلفة. ويجب أن يكون لديها أيضاً رؤية سياسية شاملة وواقعية لحل القضية الفلسطينية، سواء كانت مبادرة السلام العربية التي طرحت في العام 2002، أي قبل نحو 23 عاماً، ولم تطبق حتى الآن، أو ما اتفق عليه العرب.
< قبل أن نتحدث عن اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل والمقاومة.. هل تعتقد أنه من الممكن التوصل إلى اتفاق بين حماس وفتح لإنهاء الانقسام؟
يجب أن أوضح أن كل الحروب التي خاضتها إسرائيل في قطاع غزة منذ عام 2008 جرت في ظل التقسيم الفلسطيني الذي حدث في منتصف عام 2007. ولذلك أصبحت المصالحة الفلسطينية ضرورية ولا مفر منها. السؤال هو: إذا لم تتم المصالحة في مواجهة الكارثة الحالية فمتى ستتم؟ ومن ناحيتي، أدعو قادة المنظمات الفلسطينية إلى الارتفاع فوق كل المصالح الحزبية الضيقة وإعطاء الأولوية القصوى للمصالح العليا للشعب الفلسطيني.
< من تعتقد أنه المسؤول عن استمرار هذا الانقسام؟ فتح، حماس، أم أطراف إقليمية؟
وفي رأيي فإن السبب الرئيسي وراء فشل عملية المصالحة التي قادتها مصر، والتي أدت إلى اتفاق شامل في مايو/أيار 2011، هو الافتقار إلى الإرادة السياسية. وقد أدى ذلك إلى منع تنفيذ هذه الاتفاقية، التي تعد المرجع الأساسي، والاتفاقيات التكميلية اللاحقة. ويجب حل هذه المسألة على الفور، وعلينا أن نعمل على أن تصبح هذه المصالحة حقيقة على الأرض خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
< كيف تعتقد أن اليوم التالي في غزة سيبدو في ظل الوضع الحالي؟
وفي رأيي أن النقاش الموضوعي حول اليوم التالي لنهاية هذه الحرب الظالمة يعني أن عدداً من العناصر سوف يتم تطبيقها على الأرض. وأهم هذه الأهداف الانسحاب النهائي لإسرائيل من قطاع غزة، وبدء عملية إعادة الإعمار، وتقديم كل أنواع المساعدات الإنسانية التي تضمن استمرار وجود السكان في أرضهم، وإقامة سلطة فلسطينية تحكم قطاع غزة وتسيطر على كافة مناحيه السياسية والأمنية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية.
إن توافر كل العناصر المذكورة أعلاه أمر بالغ الأهمية ويجب أن يحظى بالدعم الإقليمي والدولي لضمان نجاحه المشترك. وبدون هذه العناصر فإن اليوم التالي سيكون استمراراً للأزمة، وإن بشكل مختلف وفي بيئة أكثر صعوبة وتعقيداً.
هل يشكل وجود قوات عربية أو دولية تفصل بين غزة والمستوطنات من جهة ومصر وقطاع غزة من جهة أخرى حلاً لإصرار إسرائيل على عدم إنهاء الحرب؟
وأنا على قناعة بأن موافقة كافة الأطراف على تمركز قوات عربية أو دولية في قطاع غزة والضفة الغربية سيكون وضعاً مؤقتاً بمهمة محددة وهي دعم الوضع الأمني وفي إطار اتفاق لإقامة دولة فلسطينية في المستقبل. وهذا يعني أن وجود هذه القوى لن يكون منفصلاً عن الحل النهائي للمشكلة الكلية.
برأيي فإن إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل، بحكومة واحدة وقرار واحد وسلاح واحد، هو العنصر الأهم والوحيد الذي يمكن أن يوفر الأمن الحقيقي لإسرائيل، وليس وجود قوات عربية أو دولية أو غيرها.
وفي هذا السياق، من المهم أن نلاحظ أن موضوع تواجد القوات الدولية تم تناوله بشكل واضح في الخطة المصرية العربية. ونصت على أنه لضمان أمن الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي يقترح أن ينظر مجلس الأمن في فكرة الوجود الدولي في الأراضي الفلسطينية بإصدار قرار بشأن نشر قوات حماية (حفظ السلام) بمرجعية واضحة، على أن يتم ذلك في إطار جدول زمني متكامل لإقامة الدولة الفلسطينية وبناء قدراتها.