الإفتاء: المساواة في الميراث تحت لافتة التطوع ستار خادع لنقض الحكم الشرعي وإسقاط قدسية النص

منذ 4 ساعات
الإفتاء: المساواة في الميراث تحت لافتة التطوع ستار خادع لنقض الحكم الشرعي وإسقاط قدسية النص

وأكدت دار الإفتاء أنه لا خلاف بين العلماء في جواز إعطاء الشخص ماله أو نصيبه من الميراث لأخته أو لأي شخص آخر. ولا مانع أيضاً من أن تعطي الأخت أخاها من المال أو غيره أو أن تدعمه من ميراثها أو غيره، لأن التبرع صدقة. ولكن استخدام هذا الإباحة الفردية كذريعة لاقتراح تشريع عام ملزم، بالإضافة إلى قواعد الميراث النهائية، من شأنه إلغاء الإباحة الأصلية للهبات، هو خلط بين العمل الفردي والتشريع الملزم ـ وهي مغالطة لا تخفى على الإنسان العقلاني والثاقب.

وفي تصريح لها حول الجدل الدائر حول المطالبة بالمساواة المطلقة في الميراث بين الرجل والمرأة، أشارت إلى أن الفرضيات المثيرة للجدل لا تؤدي إلى قرارات قانونية. وعندما سئل: “إذا كان المجتمع قد اتفق على المساواة بين الرجل والمرأة في قانون الميراث، فلماذا لا يتم تضمين ذلك في القانون؟” وهذا افتراض مصطنع لا يغير الحقيقة إطلاقا.

وأكدت أن أحكام الشريعة ثابتة لا تتغير بالتصويت أو الإجماع، خاصة وأن من يطالبون بذلك أو يدعون إليه يتجاهلون أن من أسماء هذا العلم علم الميراث، وهو جمع ميراث، فيحرمونه من صفات الميراث والواجب في التوزيع ويعطونه صفات الشرع فقط. ثم إننا ننسى أن الله تعالى يقول في الآيات الخاصة بالميراث: {وَلِلَّهِ حَقٌّ}، فلا تمثل أحكام الميراث مجرد حق للمالك في التبرع بشيء؛ بل هو واجب والتزام وليس رأياً بشرياً قابلاً للرجوع عنه أو التغيير.

وأشار البيان إلى أن مقارنة الهدايا بالميراث أمر خاطئ. قال فورد: “إن المقارنة بين الهبة (وهي جائزة) وتغيير الميراث (وهو محرم) مقارنة فاسدة، تشبه مقارنة من يقترح توزيع ثروة الأغنياء قسراً على الفقراء لأنهم “يستطيعون التبرع بها!”. لو كان هذا منطقاً سليماً، لما كان هناك حق ثابت ولا مال محمي”.

ورأت أن هذه المطالبات لا تعني المساواة المزعومة. بل إن النصوص النهائية تجردت من قدسيتها وأصبحت ساحة للنقاش والجدل. ولكن هذه أمور محفوظه الله، لأنه إذا قبلنا هذا المنطق الخاطئ فتح الباب لكل تأويل خاطئ يقارن فيه “الصدقة” المشروعة بـ”تغيير الواجبات” غير المشروع، مما يمهد الطريق لهدم الضروريات الخمس باسم “الاجتهاد الجماعي”، وهو في الحقيقة إلغاء للشريعة باسم الاجتهاد.

ينص البيان على أنه “إذا كُرِّست المساواة في الميراث قانونًا، فلن يكون التبرع خيارًا، بل سيصبح حقًا قانونيًا قد يؤدي إلى مقاضاة الأخ إذا لم يُعطِ أخته ما لم يُلزمه به القانون. وهذا يحرم الشخص من ماله ويُحمِّله ما لم يُلزمه الله به. هذا هو تعريف الظلم”.

وتؤكد الفتوى في شرحها أن الثوابت ليست مقتصرة على العبادات أو أركان الإسلام، بل هي كل يقينيات الدين، أي ما ثبت بنص قطعي الدلالة والمعنى القطعي، وفي جميع أبواب التشريع الإسلامي، كما هو معلوم للعامة، بل ومعروف أكثر لمن يدعي العلم.

وأضافت: “من المرجح أن تكون هذه الدعوى حاسمة. فبدلاً من سنّ لوائح قانونية تحمي الحقوق المشروعة وتضمن تطبيقها على النحو السليم، يحاول صاحب هذا الاقتراح تصوير اللوائح القانونية على أنها اعتداء على الحقوق المشروعة ووسيلة لحرمان الناس من حقوقهم وأصولهم. ويستند في معارضته إلى أن الحق لا يزال قابلاً للتبرع حتى بعد أن أصبح واجباً. وهذه حجة غريبة للغاية، أبعد ما تكون عن مبادئ العقل السليم، وتُسيء استخدام مفهوم الإحسان”.

وختمت بيانها بالتأكيد على أن المطالبة بالمساواة المطلقة في الميراث تحت ستار العمل التطوعي أو الاستفتاء ما هي إلا غطاء خادع يهدف إلى إسقاط أحكام الشريعة، وتجريد النص من قدسيته، وإخضاع الأمة لمفاهيم دخيلة لم تنتج إلا الفوضى والانهيار في مجتمعاتها. إن النص النهائي ليس حاسما لإعادة الهيكلة؛ بل هو نور يهدينا وحدود لا يمكن تجاوزها.


شارك