البابا فرنسيس في السينما – البابوان The Two Popes فيلم كسر حاجز الصمت – إعادة نشر

منذ 2 ساعات
البابا فرنسيس في السينما – البابوان The Two Popes فيلم كسر حاجز الصمت – إعادة نشر

بمناسبة وفاة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان وبابا الكنيسة الكاثوليكية، الذي توفي اليوم عن عمر ناهز 88 عامًا، تعيد الشروق نشر مقال الناقد الفني خالد محمود حول فيلم «الباباوان» لعام 2019. يتناول الفيلم العلاقة بين البابا فرنسيس وسلفه البابا بنديكتوس السادس عشر والحوار الفكري والأيديولوجي بينهما.

إلى نص المقال.

“الباباوان”، أحد أجمل أفلام هذا العام، ينقلنا إلى عالم مليء بالإبداع، سواء في رؤيته وطريقة عرضه، أو أدائه، أو حواراته، أو سيناريوهاته، وهو ما يشكل جزءاً من هذا النهج المذهل للسينما العميقة.

يحكي الفيلم للمخرج البرازيلي فرناندو ميريليس قصة تجري خلف كواليس الفاتيكان، وهي مليئة بالأحداث الواضحة والمخفية.

تصور الصورة الشاملة رحلة البابا بنديكت (أنطوني هوبكنز) وخليفته المحتمل فرانسيس (جوناثان برايس) في البحث عن مسار جديد للكنيسة الكاثوليكية. وتدور أحداث الفيلم في إطار سيناريو حالم أو خيالي محاط بواقع أيديولوجي وسياسي واجتماعي وديني، يكتنفه بعض الفضائح المتعلقة بإساءة استخدام السلطة.

ورغم أن الأحداث الأولية تشير إلى صراع فكري وربما حتى عداء معين بين الاثنين، إلا أن محادثتهما الطويلة تتطرق إلى مواضيع توضح احترامهما المتبادل. هذه هي الروح السائدة التي قصدها الكاتب والمخرج، وقد خلقا مزيجًا مذهلاً من الأداء الذي ربما يكون أحد العناصر الأكثر لفتًا للانتباه في الفيلم.

ينجح فرناندو ميريليس في إغراقنا في عواطف الباباوين بمشاعر إنسانية وصورة تقترب كثيراً من عالمهما الخاص، وكأن كل صورة تتنفس نبض شخصياتها.

تبدأ أحداث الفيلم في عام 2005، بعد وفاة البابا يوحنا بولس الثاني، ونرى طقوس تعيين خليفته عندما يجتمع الكرادلة في كنيسة القديس بطرس الكاثوليكية الرومانية. الكاردينال الألماني جوزيف راتزينغر، الذي أصبح البابا بنديكتوس السادس عشر. ويتفوق البابا بفارق ضئيل على الكاردينال الأرجنتيني خورخي بيرجوليو، الذي يتبنى نهجا أكثر ليبرالية.

عندما كانت الكنيسة الكاثوليكية والفاتيكان تهتز بسبب عدة أزمات، فكر الكاردينال بيرجوليو في الاستقالة وقبل استقالته. ثم يتم استدعاؤه إلى الفاتيكان في روما، وبالتحديد إلى المقر الصيفي البابوي، للقاء البابا. وهنا يأخذنا الفيلم إلى مستوى آخر من خلال سيناريو خيالي لكاتبه المبدع أنتوني مكارتن، حيث يرفض بنديكت استقالة بيرجوليو. ويتناول الفيلم حوارات متفرقة ومتناقضة تحيي أفكاراً حول العقيدة والناس والحياة بين الخاص والعام، مقدمة بطريقة خفيفة ومرحة تجعل الفيلم سلساً ومقبولاً. هذه رؤية ذكية.

في العديد من المشاهد، يظهر البابا بنديكتوس السادس عشر كشخصية تقليدية كلاسيكية لا تظهر الكثير من الحماس للأفكار الليبرالية للكاردينال بيرجوليو، والتي يجسدها الفيلم بمهارة. نراه يلعب كرة القدم ويرقص التانجو ويقبل المثلية الجنسية. ينتقد البابا بنديكتوس السادس عشر خطابه القاسي بشأن القضايا الاجتماعية والثقافية، ويرى أن الكنيسة يجب أن تستخدم سلطتها الأخلاقية لمعالجة قضايا مثل تغير المناخ وعدم المساواة الاقتصادية. ويتصرف بيرغوليو بشكل مختلف هنا، ويعترف بأنه ارتكب خطأ في الماضي عندما وقف متفرجاً خلال فترة الحكم العسكري الأرجنتيني القاسي. ويلقي المشهد بظلاله بذكاء على ما يحدث في العديد من أنحاء العالم، دون عظات أو مشاعر دامعة، في حين أن بنديكت هو صوت السلطة والتقاليد. ما يراه بيرغوليو تغييراً ضرورياً، يراه بنديكت بمثابة حل وسط. يقول بيرجوليو إنه يريد هدم الجدران، ويرد بنديكتوس قائلا إن “البيت يحتاج إلى جدران” – ما هو على المحك هو مستقبل الكنيسة نفسها. ويستخدم الفيلم مقاطع إخبارية وتعليقات تلفزيونية من أشخاص عاديين لتذكير المشاهدين بالاعتداءات الجنسية والمخالفات المالية التي كادت أن تدمر الكنيسة، لكنه في الوقت نفسه يحاول عدم الخوض في هذه القضايا. وبما أن الفيلم يسعى إلى تقديم بيرغوليو كشخصية مخلصة وليس كرجل واجه أخطائه بتواضع وأصبح بابا في عصر الإصلاح والتجديد، فلا ينبغي لنا أن ننسى الإطار العام للسرد والمناقشة حول ذكريات الماضي، التي تصور حياة بيرغوليو المبكرة كطالب شاب دُعي إلى الكهنوت ورئيس الرهبنة اليسوعية، ونلاحظ كيف أحب بيرغوليو التباهي ببساطته. فهو رجل الشعب ورجل العالم. كان يرتدي حذاءً أسودًا بدلًا من النعال الحمراء المرصعة بالمسامير، رمزًا للقيم التقدمية، والمستقبل الشامل، وحب الكنيسة. أضافت هذه اللمسات لمعاناً خاصاً وأصابت الهدف وهو: “التطهير”.

يقدم أنتوني هوبكنز وجوناثان برايس أداءً رائعًا. هناك روح تنافسية أكثر إثارة للاهتمام من الارتباك الناجم عن الوضع. هناك كيمياء ممتعة حقًا بينهما، تتجلى في كل حوار وفي كل مكان تتجه إليه الكاميرا، بين ممرات الكنيسة وخارجها، كما لو كانا في حالة من الصداقة الروحية. لقد استمتعنا كثيرًا بهذه العبارات والإيماءات والنظرات، المبنية على أساس لاهوتي مشترك، والذي سنتذكره لسنوات بعد مشاهدة حبكة الفيلم الدرامية وروعته البصرية. وكأنها عرض رائع لقدرات البطلين اللذين ينقلانك إلى عوالم غارقة في الفلسفة العالمية والدين والصداقة والقوة، فضلاً عن الحدث التحويلي المتمثل في استقالة البابا بنديكت وانتخاب بيرجوليو خلفاً له.

كانت الإضاءة مبهرة، وعمل الكاميرا يلتقط موقفاً مزدوجاً آسراً يلامس قضايا معقدة تتعلق بالإيمان والطموح والمسؤولية الأخلاقية، سواء في قلعة أو في غرفة صغيرة في كنيسة سيستين، ثم يقفز من المساحة الضيقة للأحداث حيث يعمل البطلان على استنباط الأبعاد الروحية والنفسية لشخصياتهما بأسلوب سردي يميل أحياناً نحو الصور الوثائقية.

لقد برع المخرج فرناندو ميريليس، الذي أخرج سابقاً فيلمي “مدينة الله” و”البستاني الأمين”، في استخدام كامل مفرداته وتصوير التفاصيل التي أدت إلى مستوى مذهل من التشويق. بالتعاون مع السيناريو الذي كتبه أنتوني مكارتن، مؤلف أفلام “Darkest Hour” و”Bohemian Rhapsody” و”Theory of Everything”، شكّلا ثنائيًا رائعًا وقدّما عملًا يُعتبر تحفة فنية على طريق التجديد في السينما.


شارك