بعد ذكره في بيان زيارة السيسي للكويت.. قصة حقل الدرة النفطي

خلال الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الكويت الأسبوع الماضي، لم يبدو أن قضية الطاقة غائبة عن جدول الأعمال. أصدرت القاهرة والكويت بيانا مشتركا أكدا فيه موقفهما الموحد بشأن حقل الدرة النفطي البحري. لقد كان هذا المجال موضع نزاع صامت لعقود من الزمن بين ثلاث دول: الكويت والمملكة العربية السعودية من جهة، وإيران من جهة أخرى.
وفي البيان الصادر خلال الزيارة، أكدت مصر والكويت أن حقل الدرة يقع بالكامل ضمن المنطقة البحرية لدولة الكويت، وأن الموارد الطبيعية في المنطقة البحرية المجاورة للمنطقة المشتركة التي يقع فيها حقل الدرة مملوكة حصرياً لدولة الكويت والمملكة العربية السعودية، استناداً إلى الاتفاقيات المبرمة بينهما. ورفضوا أية مطالبات قانونية من قبل أطراف أخرى في هذا المجال.
جذور الصراع
وتعود جذور النزاع حول حقل الدرة إلى ستينيات القرن الماضي، حين تم اكتشاف الحقل في منطقة بحرية متنازع عليها في الخليج العربي. في حين تعتقد المملكة العربية السعودية والكويت أن الحقل يقع ضمن أراضيهما البحرية المشتركة، فإن إيران تدعي ملكيتها لجزء منه وتسميه “آراش” وليس “الدرة” كما هو معروف.
وفي عام 2019، وقعت الكويت والمملكة العربية السعودية مذكرة تفاهم لتسريع تطوير واستغلال الحقل، وأكدتا أن الحقل يقع بالكامل ضمن حدودهما المشتركة. لكن هذا الاتفاق أثار غضب طهران، التي اعتبرت الخطوة “غير قانونية” وانتهاكا لحقوقها في هذه المنطقة.
وتجدد الخلاف في مارس/آذار 2022 عندما أعلنت الرياض والكويت نيتهما بدء الإنتاج في الحقل وجددا مطالبتهما لطهران بترسيم الحدود البحرية الشرقية. وجاء ذلك عقب اجتماع وزيري الطاقة في البلدين، حيث أكدا مجددا نيتهما تنفيذ اتفاقية التطوير الموقعة بينهما.
وردت وزارة الخارجية الإيرانية قائلة: “حقل آراش هو حقل مشترك وأي خطوة أحادية الجانب تشكل انتهاكا للحقوق الإيرانية”. أعلن وزير النفط الإيراني جواد أوجي، أن بلاده تعتزم البدء قريبا بأعمال التنقيب في الجزء من الحوض الذي تعتبره طهران ملكا لها. ولكنه في الوقت نفسه يحتفظ بحق الرد على “الإجراءات الأحادية الجانب”.
السيسي في الكويت
وكانت زيارة السيسي إلى الكويت ذات أبعاد تتجاوز البعد الثنائي، حيث جاء البيان المشترك بشأن حقل الدرة في سياق إقليمي أكثر تعقيداً. وترتبط القاهرة بعلاقات وثيقة مع طرفي النزاع – الكويت والسعودية – وتعرب بهذا البيان عن دعمها لموقف البلاد الرافض لأي عمل إيراني خارج الإطار القانوني والدبلوماسي، خاصة في ظل تصاعد التوترات بشأن ترسيم الحدود البحرية في المنطقة.
وفي مارس/آذار 2023، تجدد الموقف الرسمي للكويت والمملكة العربية السعودية عندما أصدر البلدان بياناً مشتركاً أكدا فيه أنهما “طرفان متفاوضان” بشأن حقل الدرة. ودعا البيان إيران رسميا إلى ترسيم الحدود البحرية الشرقية للمنطقة المتنازع عليها. وأكدت الرياض والكويت في البيان أن إيران لم تستجب لدعوات سابقة للمفاوضات بشأن هذه الحدود، مما يعرقل التقدم في المفاوضات بشأن المنطقة.
أهمية حقل الدرة
وتقدر الاحتياطيات المؤكدة لحقل الدرة بنحو 20 تريليون قدم مكعب، في حين يبلغ إجمالي احتياطيات الغاز القابلة للاستخراج نحو 200 مليار متر مكعب، بالإضافة إلى كميات إضافية من الغاز الطبيعي المسال والمكثفات. وبحسب تصريحات صدرت مؤخراً عن مؤسسة البترول الكويتية، فإن الدراسات الفنية للمشروع اكتملت بالفعل، ومن المتوقع تنفيذه خلال العامين المقبلين. ويمكن أن يؤدي هذا إلى تشغيل الحقل في عام 2029، بحسب تصريح من الكويت لشيماء الغنيم، نائب المدير العام لشركة نفط الكويت.
وبحسب تقديرات رسمية، فإن الحقل قد يزود الكويت والمملكة العربية السعودية بكميات هائلة من الغاز، مما يلبي احتياجاتهما من الكهرباء والصناعة ويحسن ميزانهما التجاري، خاصة في ظل التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة وانخفاض الاعتماد على الفحم والنفط.
ومن أكبر التعقيدات في قضية حقل الدرة عدم وجود ترسيم للحدود البحرية بين الكويت وإيران. ورغم أن الحدود البحرية بين الكويت والمملكة العربية السعودية في “المنطقة المحايدة” تم تحديدها منذ عقود، فإن المفاوضات مع إيران فشلت في التوصل إلى اتفاق مماثل، ولم يتم ترسيم المنطقة بعد من قبل محكمة دولية.
وترى طهران أن جزءا من الحقل يقع في “مياه غير محددة” وتدعو إلى بدء مفاوضات ثلاثية. في هذه الأثناء، تصر الرياض والكويت على أن الحقل يقع ضمن حدودهما المشتركة، وأن مفاوضات ترسيم الحدود يجب أن تجري بشكل ثنائي، مع الكويت والمملكة العربية السعودية من جهة، وإيران من جهة أخرى.
وفي مارس/آذار 2022، صرّح وزير الخارجية الكويتي الأسبق أحمد ناصر الصباح بأن “حقل الدرة هو حقل كويتي سعودي”، مؤكداً أن إيران “ليس لها أي تدخل فيه”. من ناحية أخرى، يصر الإيرانيون على أن آراش هي منطقة ثلاثية وأنهم مستعدون للتفاوض، لكنهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي إذا تم تجاهل حقوقهم.
ونشرت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية مرارا وتكرارا خرائط تظهر أن جزءا من الحقل يقع ضمن ما تسميه طهران “المنطقة الاقتصادية الخالصة” لإيران.