هل يجوز للمسلم تشيع جنازة أهل الكتاب؟ الإفتاء تُجيب

وأكدت دار الإفتاء جواز حضور المسلم جنازة غير المسلم، مشيرة إلى أن ذلك من التعزية والورع ومكارم الأخلاق التي أقرها الشرع.
وقد جاء ذلك في فتوى سابقة نشرتها جواباً على سؤال وُجِّه إليَّ. جاء فيها: “لديّ جار غير مسلم. كان والده معروفًا بتعصبه الديني الشديد وجهوده لنشره والتشكيك في الإسلام من خلال المؤسسات الاجتماعية الخاضعة لسيطرته. توفي هذا الرجل مؤخرًا. هل لي أن أعزّي جاري، وماذا أقول له؟”
وأكدت هيئة الإفتاء أن حضور الجنازات من حسن معاملة أهل الكتاب، كما دلت على ذلك نصوص القرآن والسنة وإجماع العلماء.
وأشارت إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل رحمة للعالمين، دون تفريق بين عرق أو غيره، أو طائفة أو دين. بل كان نعمة للبشرية جمعاء. قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ).
وكما ذكرت سابقا فإن نوعية الرحمة لها أهمية كبيرة. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة إلا الرحمن». قلنا: كلنا رحماء يا رسول الله. قال: «ليس الرحمة أن يرحم أحدكم قومه، ولكن الرحمة أن يرحم العامة ويحزن عليهم».
جاء في الفتوى: “إن الإسلام يراعي مشاعر الإنسان وأحزانه عند الموت، حتى لو كان موت حيوان متعلق به. قال أنس بن مالك رضي الله عنه: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان لي أخ صغير يُكنّى أبو عمير، وكان معه بوق يعزف عليه فانكسر، فجاءه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يومًا فرآه حزينًا، فقال: ما له؟ قالوا: مات فرخه”. فقال: يا أبا عمير ما فعل الفرخ؟
وأكدت على وصية الإسلام بمعاملة أهل الكتاب بالإحسان والرحمة بهم. وأشارت إلى أن ذلك يدخل في الوصية العامة بالرحمة وحسن الخلق. ويتأكد ذلك مما قيل عنهم وما تقرر في شأنهم. ومن الواجب أن نكون لطيفين معهم. قال الله تعالى: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقالوا آمنا بالذي أنزل إلينا والذي أنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون} وقال تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله عليم خبير}. إن الله حكيم. إنه يحب الصالحين.
ودليل جواز حضور جنازات أهل الكتاب ما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: مرت بنا جنازة، فقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقمنا معه، فقلنا: يا رسول الله، هذه جنازة يهودي. قال: «إذا رأيتم الجنازة فقوموا».
“عن سهل بن حنيف وقيس بن سعد رضي الله عنهما قالا: مرت جنازة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقام.” فقيل له: إنها جنازة يهودي. قال: أليست نفساً؟ متفق.
وحضر الصحابة رضي الله عنهم جنازة مسيحية أيضاً. وهي أم الحارث بن أبي ربيعة رضي الله عنه. ونقل عن الشعبي أنه قال: ماتت أم الحارث بن أبي ربيعة رضي الله عنه، وكانت نصرانية، فشيّعها أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم. رواه محمد بن الحسن في “الآثار” وابن أبي شيبة وعبد الرزاق الصنعاني في “مصنفهما”.
وعن عبد الله بن شريك رضي الله عنه قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يسأل عن الرجل المسلم يتبع أمه النصرانية حتى تموت، فقال: يتبعها ويسبقها.
وأكدت هيئة الإفتاء أن علماء الحنفية والشافعية أفصحوا عن جواز حضور جنازة أهل الكتاب واتباعها. سواء كان المتوفى قريبًا أو جارًا أم لا.
وأشارت إلى أنه من خلال المواطنة أصبح للمسلمين حقوق على إخوانهم المواطنين. ومنها: التكافل، والتضامن، والتعاون، والمواساة، ورد السلام، وإعطاء النصيحة، وحسن الخلق، ومعاملة الناس بالمعروف، وحماية الناس، وخصوصياتهم، وأموالهم. إن حضور الجنازة يعد من أفضل الطرق لتقديم الراحة، والسعي إلى العدالة والرحمة، وتخفيف معاناة أسرة المتوفى. وهذا من حقوق الإنسان على الآخر.