نبيل فهمي يكتب: أمريكا وإيران بين التفاؤل الانتخابي والتشاؤم الإقليمي

منذ 4 شهور
نبيل فهمي يكتب: أمريكا وإيران بين التفاؤل الانتخابي والتشاؤم الإقليمي

مع فوز الطبيب السياسي مسعود بيزشكيان في الانتخابات الطارئة التي نظمت في إيران بعد تحطم المروحية ووفاة الرئيس إبراهيم رئيسي في 19 مايو/أيار، شعر البعض بالتفاؤل بشأن إمكانية حدوث انفراجة في العلاقات الإيرانية الأمريكية. ونظراً للتوجهات الإصلاحية للرئيس المنتخب وميله إلى الاندماج في النظام الدولي وعدد من المشاركين، فقد سبق أن انخرط العديد من موظفيه في فريق محمد جواد ظريف، الذي ساهم بشكل كبير في إنجاز وتنفيذ البرنامج النووي الإيراني. التعامل مع الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن إلى جانب ألمانيا والحفاظ على بعض الاتصالات الثنائية بين البلدين في الماضي في عمان وفيينا رغم المشاكل والتوترات.

واستمر هذا التفاؤل رغم الصدمة التي تعرض لها الحزب الديمقراطي، بل وتزايد عندما أعلن جو بايدن في الأسابيع الأخيرة أنه لن يواصل حملته الانتخابية، إذ رأى البعض أن ذلك سيخفف الضغوط السياسية عليه وسيسمح له بالتحرك السريع والفعال. في الأشهر القليلة المقبلة لدعم إرثه السياسي ومكانته كممارس مختص في العلاقات الدولية دون إلقاء اللوم على كامالا هاريس.

أفضّل دائما طريق الدبلوماسية على خيار الخلاف والتصعيد والتهديد بالعمل العسكري، خاصة وأن الجميع يعلم جيدا مدى تكلفتها وعدم جدواها، وما زلت أؤيد الحوار مع إيران بكل صراحة في هذا الجهد لتحقيقه. التوافق الإقليمي والدولي واحترام المصالح والقوانين التي تحكم العلاقات بين الدول.

لا أعتقد أن الولايات المتحدة وإيران تسعيان بشكل واعي إلى التصعيد بينهما في هذا الوقت، وتتجنبان إن أمكن أن تكون الأولويات الأميركية فيما يتعلق بإيران مرتبطة بالسيطرة على الأمور في غزة ومع حزب الله في جنوب لبنان لتشديد وتوسيع ما ويسعى الممثل الشخصي الأميركي هوشستاين، بالإضافة إلى تجنب أزمة الملف النووي.

إيران، من جهتها، تمر بفترة إعادة تقييم وإعادة تموضع دولي وإقليمي، على الرغم من أنه من المتوقع أن تستمر العديد من سياساتها الخارجية بنفس الطريقة التي كانت عليها في الماضي، بما في ذلك الانفتاح الإقليمي على غرار الاتفاق السعودي الإيراني والعمل المنضبط في المنطقة. على المستوى الدولي، مع التركيز بشكل خاص على آسيا والانتظار الأمريكي تحسبًا لإدارة هاريس أو ترامب القادمة.

ورغم اقتناعي بأن كلاهما لا يريد أن تخرج الأمور عن السيطرة ويفضلان إبقاء الخلافات قريبة ومنضبطة، إلا أنني لا أشارك رأي المتفائلين بإمكانية إحراز تقدم سريع في العلاقات الأميركية الإيرانية خلال الأشهر المقبلة. قبل نقل السلطة من بايدن إلى الرئيس الجديد في يناير 2025، وأعتقد أن الحد الأقصى ممكن، والهدف هو منع تفاقم الوضع وفيما يتعلق بالتوترات بين إسرائيل وحزب الله التي تخرج عن نطاق السيطرة. ونظراً لاغتيال إسرائيل لإسماعيل هنية أثناء وجوده في إيران، والدفع نحو التصعيد في المنطقة، والاعتبارات الإيرانية على المدى القصير والطويل حول كيفية الرد بشكل مناسب، والضغط الانتخابي الذي سيفرضه ذلك على الولايات المتحدة، فقد أصبح الوضع أكثر تشدداً. ومن الصعب والحساس محاولة ردع رد فعل إيراني محتمل أو رد فعل عسكري من جانب أمريكا.

تجدر الإشارة إلى أن علي خامنئي، المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، كان قد وافق على الاتفاق النووي السداسي، والطرفان الرئيسيان والحاسمان فيه هما الولايات المتحدة وإيران. لكن الغموض في الرؤية السياسية الأميركية يجعل من غير المرجح أن تخاطر إيران مرة أخرى بالتوصل إلى اتفاقات مع إدارة بايدن تتضمن سياسات جديدة، مع احتمال أن ينسحب دونالد ترامب مرة أخرى من الاتفاقيات بشكل أحادي، كما فعل في ولايته الأولى. أو أن الكونجرس يرفض التصديق على الاتفاقيات مستقبلا إذا لم يحصل الحزب الديمقراطي على الأغلبية المناسبة في انتخابات الكونجرس المقررة في نوفمبر المقبل، خاصة أنه من المتوقع أن يكون لدى الجانب الإيراني نصوص واضحة لتشكيل لجنة لمتابعة التنفيذ. إجراءات رفع العقوبات على النحو الوارد في الاتفاق السابق بشأن متابعة إيران لالتزاماتها النووية ووضع ضوابط للتخصيب.

كما يجب الأخذ في الاعتبار أن التقدم الجوهري في هذا الملف مرتبط بعدد من الملفات الأخرى التي تدخل في عملية إعادة تشكيل الشرق الأوسط وتعديل التوازنات. إن إيران والمملكة العربية السعودية تتصرفان بحكمة وتواصلان التطوير التدريجي لعلاقاتهما. وفي الوقت نفسه، يجري كلاهما مشاورات ومطالب مهمة وحساسة مع الولايات المتحدة، مما يؤثر على التوازن الإقليمي.

وتمارس إسرائيل ضغوطا مكثفة على الساحة السياسية الأمريكية لتسليط الضوء على التهديد الإيراني المتعلق بقطاع غزة والاشتباكات في جنوب لبنان وغيرها، وهي لا تتردد في استفزاز إيران عند الضرورة في سياق جهودها المستمرة والمعتادة أيضا. التأكيد على أن إسرائيل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة والمهددة من قبل الآخرين.

كما تحث إسرائيل بشدة على عدم الاستجابة لمخاوف المملكة العربية السعودية ومطالبها فيما يتعلق بالاتفاقيات والترتيبات الأمنية أو توفير الأسلحة المتقدمة وتطوير التكنولوجيا النووية السلمية ما لم تتخذ المملكة خطوات للامتثال للاتفاقيات بينما تتخذ المملكة العربية السعودية خطوات واضحة ومتسقة. وكان الموقف وما زال هو أن السلام مع إسرائيل يتطلب التزاماً واضحاً وعملاً لا رجعة فيه لإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس، وهو الموقف الذي لا تستطيع أي حكومة تابعة لبنيامين نتنياهو أن تتمسك به.

وظهر الموقف الإسرائيلي السلبي مرة أخرى بوضوح في خطاب نتنياهو الأخير أمام الكونجرس الأمريكي، والذي جاء ضعيفا من حيث المضمون والاستجابة المسرحية بين الأعضاء الجمهوريين، حيث غاب العديد من الديمقراطيين، بما في ذلك نائب الرئيس، عن مرشح الحزب الديمقراطي المتوقع في الانتخابات الرئاسية المقبلة. ، وتجنب تشاك شومر مصافحة نتنياهو تماماً.

وبالإضافة إلى كل هذه الاعتبارات، لا أعتقد أننا سنرى تطوراً إيجابياً حقيقياً في العلاقات الأميركية الإيرانية إلا في إطار اتفاق أكبر وأشمل يغطي مجموعة من القضايا في إطار إعادة تشكيل الشرق الأوسط. . وهذا يتطلب ثقة مختلف الأطراف الإقليمية بالالتزامات الأميركية وخوفها من الردع الأميركي على أي انتهاكات، وكلاهما غير متوفر حالياً بسبب الافتقار العام للرؤية والاستراتيجية لدى الجانب الأميركي. فضلاً عن عدم استقرار الخريطة السياسية داخلها، وتمتد هذه المشاكل طوال العملية الانتخابية ولأشهر بعدها حتى تتضح مواقف الرئيس الجديد وصلابةه.

ولذلك أتوقع أن يسعى الجانبان الأميركي والإيراني إلى مواصلة وتيرة العلاقات بينهما كما هي خلال الأشهر المقبلة، ويفضل أن يكون ذلك دون أي تقدم أو تصعيد جوهري. كما أتوقع أن يصاحب ذلك جهود حثيثة من أطراف إقليمية وعلى رأسها إسرائيل وإيران وكذلك تركيا لترسيخ بعض المواقع والإنجازات المهمة في الشرق الأوسط والخليج حتى تترسخ في الفكر الأمريكي وآمل. وأن الدول العربية ستأخذ ذلك بعين الاعتبار في المستقبل وتسرع جهودها لتأمين الحقوق في المنطقة والمساعدة في تشكيل الظروف الإقليمية بحيث لا تستطيع أمريكا أو إيران أو غيرها تجاهل مصالحها.

نبيل فهمي، وزير خارجية مصر الأسبق

نقلا عن: المستقلة العربية

 

 


شارك