هل ستكون رئاسة ترامب الثانية ودية تجاه كوريا الشمالية؟

إن المشهد الأمني العالمي في عام 2025 وما بعده يتطور بسرعة، مما يفرض تحديات على دبلوماسية التحالف التقليدية في شمال شرق آسيا. مع قيام القوى الكبرى بتكييف استراتيجياتها في عالم متعدد الأقطاب، فإن التماسك الأيديولوجي داخل التحالفات يضعف، مما يفسح المجال لشراكات قائمة على المصالح والتي سوف تشكل النظام الدولي بشكل متزايد.
وقال الدكتور سانغ سو لي، الزميل المشارك في المركز الأوروبي للدراسات الكورية الشمالية في جامعة فيينا ومؤسس شركة الاستشارات الكورية “ستراتيجيك لينكيدج” ومقرها ستوكهولم، في تحليل نُشر في مجلة “ذا ناشيونال إنترست” الأمريكية، إن هذا التغيير في المسار سيكون له آثار عميقة على أي محادثات بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، وسيثير تساؤلات مهمة حول ما إذا كان السلام ونزع السلاح النووي سيكونان أولوية في الدبلوماسية أو ما إذا كانت المصالح الاستراتيجية للقوى الكبرى في شمال شرق آسيا ستتراجع إلى الخلف.
لقد تم النظر إلى البنية الأمنية في شمال شرق آسيا في المقام الأول من خلال نموذج “الحرب الباردة الجديدة”. وقد استند هذا الإطار إلى تعزيز التحالف بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان، والذي كان يهدف إلى تعزيز الردع الجماعي ضد الخصوم المشتركين من خلال التأكيد على التفوق القائم على القيم، بما في ذلك الحكم الديمقراطي، وحقوق الإنسان، وسيادة القانون.
ورداً على ذلك، نظرت الصين وروسيا وكوريا الشمالية بشكل متزايد إلى هذا التحالف باعتباره تحدياً أمنياً، وبدأت في التنسيق بشكل أوثق لمواجهة هذا الضغط.
وقال الدكتور لي إنه بعد انهيار المحادثات بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية في عام 2019، أعادت كوريا الشمالية توجيه سياستها الخارجية من خلال تعميق وتعزيز العلاقات مع الصين وروسيا والسعي للحصول على الدعم الاقتصادي والأمني لمقاومة الضغوط الخارجية.
ويعكس التعاون العسكري المتنامي بين بيونج يانج وموسكو، خاصة مع اندلاع الحرب في أوكرانيا في عام 2022، توجها استراتيجيا في الحرب الباردة الجديدة يهدف إلى تحقيق التوازن في مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها.
في يونيو/حزيران 2024، قامت بيونج يانج وموسكو بإضفاء الطابع الرسمي على علاقاتهما الأمنية من خلال توقيع اتفاقية دفاع مشترك والتعهد بتقديم الدعم العسكري إذا هاجمت دولة ثالثة أيًا من البلدين. وردت كوريا الشمالية بتوفير الأسلحة والقوات لدعم المجهود الحربي الروسي، في حين ردت موسكو بالمساعدات الاقتصادية وربما التكنولوجيا العسكرية المتقدمة. وقد عزز هذا التعاون الموقف الاستراتيجي لكوريا الشمالية، في حين عززت كوريا الجنوبية تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة واليابان، الأمر الذي زاد من حاجة بيونج يانج إلى بدائل أمنية وداعمة اقتصادية.
وأشار الدكتور سانغ سو لي، الذي يركز عمله على قضايا الأمن والصراع في شمال شرق آسيا، وخاصة الأزمة النووية الكورية الشمالية والعلاقات بين الكوريتين، والذي حصل على درجة الدكتوراه في دراسات شمال شرق آسيا من جامعة بكين، إلى أن أهداف السياسة الخارجية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب تستند إلى رؤيته “جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”، والتي تعطي الأولوية للمصالح الاستراتيجية والاقتصادية الأمريكية على التزامات التحالف التقليدية. لقد أدى هذا النهج إلى إعادة تشكيل النظام الدولي تدريجيا وتسريع التحول إلى عالم متعدد الأقطاب حيث تعمل القوى الكبرى الأخرى على توسيع نفوذها ومتابعتها طموحاتها الاستراتيجية.
ولإنهاء الحرب الدائرة في أوكرانيا، قال ترامب في مكالمة هاتفية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتن في مارس/آذار الماضي إنه سيناقش “تقسيم بعض الأصول”، بما في ذلك الأراضي ومحطات الطاقة. وكما هيمنت ديناميكية القوة بين الولايات المتحدة وروسيا إلى حد كبير على مفاوضات السلام في أوكرانيا، مما أدى في كثير من الأحيان إلى تهميش أوكرانيا نفسها، فإن هذا الاتجاه يشير إلى أن العمليات الدبلوماسية العالمية المستقبلية سوف تكون مدفوعة بالمصالح الاستراتيجية للقوى الكبرى في عالم متعدد الأقطاب بدلا من الجهود الحقيقية لحل الصراعات.
خلال مفاوضات وقف إطلاق النار في أوكرانيا، أكد بوتن وترامب على أهمية تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا وناقشا قضايا الأمن العالمي الأوسع، بما في ذلك إدارة الصراع ومنع الانتشار النووي. بالنسبة لترامب، فإن إعادة التفاوض على معاهدات مثل معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية (ستارت) ومعاهدة القوى النووية متوسطة المدى (ILF) من شأنها أن تؤكد على زعامة الولايات المتحدة في تطوير الاتفاقيات، بينما بالنسبة لبوتن، فإن المحادثات المباشرة مع واشنطن من شأنها أن تعزز مكانة روسيا العالمية من خلال تهميش أوروبا في مناقشات الأمن العالمي.
وأعرب الدكتور لي عن اعتقاده بأن القضية النووية الكورية الشمالية يمكن أن تصبح مسألة ذات اهتمام مشترك إذا ظهرت مؤشرات على إجراء مفاوضات بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن ضبط الأسلحة. بالنسبة لموسكو، فإن استخدام نفوذها على بيونج يانج يعني تعزيز دورها في أمن شمال شرق آسيا، في حين ترى واشنطن التعاون مع روسيا وكوريا الشمالية كاستراتيجية لمواجهة نفوذ الصين المتزايد في المنطقة.
ولتعظيم استقلالها الاستراتيجي، سوف تستغل كوريا الشمالية المنافسة بين القوى العظمى مع تطور ديناميكيات القوة. وسوف يضمن ذلك أن تظل الشراكة مع روسيا والصين مفيدة للبلاد دون أن تصبح معتمدة بشكل مفرط على أي من القوتين.
ويعتقد الدكتور لي أنه في حين تظل جدوى المفاوضات بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية في عهد ترامب غير مؤكدة، فإنه قد يسعى إلى تحقيق “نصر” دبلوماسي مماثل لقمته في عام 2018 مع كيم جونج أون في سنغافورة.
بالنسبة لواشنطن، فإن التقارب بين الولايات المتحدة وروسيا قد يؤدي إما إلى تعزيز أو إضعاف نفوذها على كوريا الشمالية. ويعتمد هذا على ما إذا كان ترامب سيتقبل الدور الدبلوماسي لروسيا أو سيصر على حوار ثنائي مباشر مع بيونج يانج.
ويقول الدكتور لي إن التحدي الأكبر الذي تواجهه السياسة الأميركية هو ضمان عدم تهميش الأولويات الاستراتيجية لواشنطن في شبه الجزيرة الكورية بسبب المشاركة الروسية. وإذا رأى ترامب أيضاً أن الاتصالات الدبلوماسية مع بيونج يانج فرصة لموازنة نفوذ بكين الإقليمي، فقد يوفر هذا حافزاً إضافياً لاستئناف المفاوضات بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية.
بالنسبة لكوريا الشمالية، يظل التعاون مع الولايات المتحدة بمثابة مناورة استراتيجية وليس تغييراً في الأهداف السياسية. ربما تكون بيونج يانج تستكشف الاتصالات الدبلوماسية مع واشنطن لتحقيق التوازن بين اعتمادها على بكين وموسكو وتعظيم مرونتها الاستراتيجية في النظام العالمي المتطور.
ومع ذلك، ونظراً لانعدام الثقة المستمر، فمن المرجح أن تحافظ بيونج يانج على التنسيق الوثيق مع بكين وموسكو خلال المفاوضات المحتملة. وسوف تستغل إيران دعم هؤلاء لتعزيز موقفها في مواجهة واشنطن مع ضمان بقاء الردع النووي بمثابة الضمانة الأمنية النهائية للنظام.
وفي نهاية المطاف، يعتقد الدكتور لي أن توازن القوى المتطور في شمال شرق آسيا سوف يشكل العلاقات بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية أكثر من الدبلوماسية التقليدية. ورغم أن الجهود الدبلوماسية قد تستمر، فإن هذا من شأنه أن يكون بمثابة إعادة ضبط استراتيجية في سياق المنافسة بين القوى العظمى أكثر منه مسارا حقيقيا لحل المشاكل الأمنية الطويلة الأمد في شبه الجزيرة الكورية.
واختتم الدكتور لي تحليله بالإشارة إلى أنه في حين أن نزع السلاح النووي الكامل غير واقعي، ينبغي لواشنطن أن تسعى إلى اتباع نهج دبلوماسي تدريجي وتقديم حوافز اقتصادية وأمنية مستهدفة في مقابل التزامات يمكن التحقق منها. وستمنع هذه الاستراتيجية بيونج يانج من زيادة اعتمادها على موسكو وبكين.