البابا تواضروس الثاني يلقي محاضرة بكلية أوروبا: أحبوا اوطانكم ودافعوا عن الحق

منذ 7 ساعات
البابا تواضروس الثاني يلقي محاضرة بكلية أوروبا: أحبوا اوطانكم ودافعوا عن الحق

البابا: دور الكنيسة ليس حماية الحجر الصحي، بل الحفاظ على روح الجماعة.

قام قداسة البابا تواضروس الثاني مساء اليوم بزيارة كلية أوروبا في ناتولين، وارسو، بولندا. وتأتي هذه الزيارة في إطار جولته الرعوية الأولى في أبرشية أوروبا الوسطى، والتي بدأت اليوم. وتأتي الزيارة ضمن أجندة زيارات قداسته الرعوية لعام 2025، والتي تشمل زيارات تفقدية لأعضاء الكنيسة، وصلاة وقداديس، ولقاءات مع مسؤولين رفيعي المستوى في البلدان التي سيزورها.

وكان في استقبال قداسة البابا السيدة أوشنيفسكا تاميكا نائبة رئيس الكلية، بالإضافة إلى عدد من الأساتذة والمتخصصين في الشؤون الأوروبية. كما حضر اللقاء السفير أحمد الأنصاري سفير مصر في بولندا، وصاحب السعادة الأنبا جيوفاني أسقف أوروبا الوسطى، والوفد المرافق لقداسة البابا.

وقد دون قداسته ملاحظة في سجل الزوار، ثم عقد اجتماعاً مع نائب رئيس الكلية وأعضاء هيئة التدريس قبل أن يلقي محاضرته بعنوان “في العالم، ولكن ليس من العالم: رسالة الكنيسة والخير العام في العصر الحديث” للطلاب والأساتذة.

وفي كلمتها الترحيبية بقداسة البابا، أعربت السيدة إيفا أوشنيكا تاميتسكا عن سعادتها الكبيرة بالترحيب بقداسة البابا تواضروس الثاني والوفد المرافق، واعتبرت هذه الزيارة لحظة تاريخية مميزة في تاريخ الكلية.

وأوضحت أن كلية أوروبا التي تأسست عام 1992 في ناتولين في بولندا ليست مؤسسة أكاديمية فحسب، بل هي منصة نابضة بالحياة للحوار البناء بين الثقافات والأديان والحضارات. وأشارت إلى أن الهدف هو تنمية جيل من القادة الذين يؤمنون بقيم السلام والانفتاح والتعددية والتفاهم المتبادل، والتي تشكل الأساس لبناء مستقبل مشترك من السلام والتعاون.

وأكدت أن الكلية منذ تأسيسها ملتزمة بتعزيز الوحدة الأوروبية من خلال التعليم والانفتاح على تجارب الشعوب الأخرى. وأكدت أن المؤسسة تستقبل سنويا طلابا من أكثر من خمسين دولة، ما يوفر منصة عالمية للحوار الثقافي والإنساني.

وتحدثت عن المكانة الخاصة لمصر في وجدان البولنديين، مشيرة إلى أن تاريخ مصر القديم يتم تدريسه في المناهج الدراسية البولندية منذ سنوات طويلة، وهو ما يعبر عن احترام خاص للحضارة المصرية القديمة ويجسد الروابط الثقافية العميقة بين الشعبين.

ثم ألقى قداسة البابا كلمته، فبدأها بدعوة الحضور إلى الوقوف دقيقة صمت تكريماً لروح البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، ودوره البارز في خدمة الإنسانية.

وشكر قداسته إدارة الجامعة على الدعوة، وأكد أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ذات الجذور العميقة في مصر تتقدم بتحياتها الحارة لكل ذوي النوايا الحسنة. وأشار إلى أن مصر هي الأرض التي استقبلت العائلة المقدسة حين لجأت من العنف، وجعلتها أرض الراحة والهدوء والحضور الصامت لله.

وحول موضوع المحاضرة “في العالم، وليس من العالم”، أوضح أنها دعوة حقيقية إلى العمل: كيف يمكن للكنيسة والمؤمنين أن يعيشوا في قلب الواقع الاجتماعي ويندمجوا فيه؟ والدليل على ذلك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية التي لها جذورها في أرض مصر، وفي نفس الوقت تمتد إلى عوالم عديدة. إن الاندماج في المجتمع ليس مجرد قضية روحية، بل له آثار اجتماعية وسياسية أيضًا. وأكد أن الكنيسة تساهم في بناء المجتمع وتأمين العدالة والشفاء دون أن تصبح أداة لأي أيديولوجية أو حزب سياسي.

وأضاف: “نحن لا نتنافس، بل نكمّل بعضنا البعض. لا نفرض أنفسنا، بل نقترح. لا نعزل أنفسنا، بل نتكامل. الكنيسة لا تريد أن تكون دولة داخل دولة، بل تتحمل مسؤوليتها تجاه المجتمع كبوصلة أخلاقية، وملاذ آمن، وإنارة”.

أشار قداسة البابا إلى فكرة الرهبنة، التي تعود أصولها إلى الكنيسة القبطية: “نشأت الرهبنة في مصر، في صحاري وادي النيل، على يد القديس أنطونيوس الكبير، أبونا الروحي، الذي يُشكّل جميع التقاليد. كل راهب وراهبة في الشرق والغرب، كاثوليكي أو أرثوذكسي، مدينون لهذا الناسك المصري”.

وتناول قداسته مفهوم “الخير العام” في الفكر المسيحي، وأشار إلى مساهمات الكنيسة عبر التاريخ، بما في ذلك المدارس والمستشفيات ودور الأيتام، ورعاية السجناء واللاجئين، والتحدث بالحق في أوقات الخطر.

وأضاف: “نعيش في زمنٍ مُعقّد، حيثُ العلمانية في ازدياد، وتُغريها الأيديولوجيات الجامدة أو الانعزالية. لم يعد التطرف يقتصر على سوء فهم الدين، بل نشهد أيضًا أشكالًا جديدة من التطرف العلماني الذي يرفض الإيمان، ويُخنق الحوار، ويُقيّد الروح الإنسانية”. وأكد أن الكنيسة يجب أن ترفض كلا الأمرين، قائلاً: “لا يجب أن نتخلى عن المجتمع، ولا نسمح بأن نُستغل كأداة لأجندات سياسية”.

وعندما تتحدث الكنيسة عن قضايا مثل الهجرة أو البيئة أو حقوق الإنسان، فإنها تفعل ذلك على أساس قناعتها بأن البشر خلقوا على صورة الله ولهم الحق في السلام والكرامة والعدالة.

وتابع: “لعلّ أي كنيسة لا تدرك هذا التوازن الدقيق بقدر كنيسة مصر. لقد كنا جزءًا لا يتجزأ من وطننا على مدى ألفي عام، وفي الوقت نفسه، ورغم تعاقب الإمبراطوريات، ظلّ الأقباط مخلصين لإيمانهم، وكان هدفهم دائمًا الخدمة والمحبة والمثابرة”.

وتحدث قداسته عن لحظة شخصية مؤثرة حدثت له بعد سقوط نظام متشدد في عام 2013، عندما تعرضت الكنائس والمؤسسات المسيحية للهجوم. قال: “شعرتُ آنذاك بمسؤولية أخلاقية تدفعني إلى رفع صوتي، والدعوة إلى الهدوء، والتأكيد على حياتنا المشتركة. قلتُ كلماتٍ أكررها اليوم، ليس كعلامة يأس، بل كعلامة أمل: وطن بلا كنائس خيرٌ من كنائس بلا وطن”.

وأضاف: “دور الكنيسة ليس حماية الحجر، بل الحفاظ على روح الجماعة. بإمكاننا دائمًا إعادة البناء، ولكن يجب ألا نتخلى عن أولئك الذين ندعو للعيش معهم وخدمتهم”.

واختتم قائلاً: “لا تخشوا هذا الطريق. شاركوا في مجتمعاتكم. أحبوا وطنكم. دافعوا عن القانون. لكن احملوا معكم تواضع الخدمة، لا غطرسة السلطة. فلنسلك جميعًا الطريق معًا، الكنيسة والمجتمع، المؤمنون والباحثون، المتفائلون والمتألّمون، نحو عالم تُصان فيه الكرامة، ويُسعى فيه إلى السلام، ويُكرّم فيه البعد الإلهي في كل إنسان”.


شارك