وكيل الأزهر: ذكرى تحرير سيناء تحيي آمال النصر في ظل ما تتعرض له فلسطين ‏من ‏جرائم حرب غير مسبوقة

منذ 7 ساعات
وكيل الأزهر: ذكرى تحرير سيناء تحيي آمال النصر في ظل ما تتعرض له فلسطين ‏من ‏جرائم حرب غير مسبوقة

أكد الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف أن بناء الإنسانية والارتقاء بها في ظل عالم مضطرب ومضطرب الأهداف والغايات هو أمر أمن قومي لبلادنا وهدف استراتيجي يتطلب تضافر جهود جميع مؤسساتنا لتحقيقه. هذا البناء ليس مجرد كلمات أو شعارات، بل هو صناعة ثقيلة في مواجهة التغيرات والتقلبات التي يشهدها العالم اليوم في العلوم النظرية والتطبيقية.

جاء ذلك خلال كلمته في المؤتمر الدولي الخامس لكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بالقاهرة بعنوان “بناء الإنسانية في ضوء التحديات المعاصرة”، والذي أقيم بقاعة المؤتمرات بالأزهر الشريف.

وأوضح الضويني أن المتغيرات من حولنا تحاول غزو أفكارنا ومعتقداتنا وتوجهاتنا، ولذا فإن من واجبنا التمسك بالثوابت والمبادئ والأصول، وأن أبناء هذه الأمة مبنيون على أساس متين من الإيمان والتاريخ واللغة والقيم ومكونات الهوية، خاصة أننا نعيش في زمن يتسم بالصراعات الفكرية والصراعات السياسية والاستقطابات الحادة والمحاولات اليائسة لتدمير الدول والشعوب بأساليب مختلفة تهدف إلى قطع الطريق على الإنسان عن إيمانه وهويته وفصله عن تاريخه وحضارته.

وأشار إلى أن هذا المؤتمر يأتي تنفيذاً لمبادرة بداية جديدة للتنمية البشرية التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية. تهدف هذه المبادرة إلى الاستثمار في رأس المال البشري المصري من خلال التنمية البشرية الشاملة والمتكاملة في مختلف مجالات الحياة، بما يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030.

وأوضح أن الحضارة الحديثة استخدمت كل الوسائل والتقنيات المتاحة لها لتحقيق أهدافها، وسمحت بكل شيء في سبيل ذلك، حتى تزييف المفاهيم النبيلة والسامية. باسم الحريات والحقوق، تحاول المنظمات والدول التلاعب بعقولنا وتحويل القبيح إلى جيد والجيد إلى قبيح. لقد ذهبوا بعيدا وأصبحوا يريدون أن ينسبوا البلاد إلى آخرين غير شعبها. يريدون استهداف عقول شبابنا بأفكار تتعارض مع قواعد المنطق والتاريخ. إن أبناء الوطن إما أن يكونوا ضحايا القتل والموت في الجسد كما في فلسطين، أو أن يكونوا ضحايا الشهوات والإغراءات في القلب والفساد والانحراف في العقل كما في كثير من بلداننا.

ودعا وكيل الأزهر إلى اليقظة في مواجهة عدونا اللدود، وأن ندرك هذه التحديات ببصيرتنا وبعد نظرنا، ونفهمها بقلوبنا وعقولنا. وأما الأمة فهي منتصرة بإذن الله، ولكن الله يرفعها وفق هذه القوانين الكونية. وفي هذا السياق هنأ مصر والأمة العربية والإسلامية بذكرى تحرير سيناء، اليوم الذي انتصرت فيه الأمة ودافعت عن أرضها وشرفها، اليوم الذي فهمت فيه إرادة رب العالمين لها وأدركت قيمتها وقدراتها ومكانتها وأمانتها، اليوم الذي كانت فيه الأمة كالجسد الواحد. عندما اشتكى جزء منها، تفاعل باقي جسدها بالأرق والحمى.

وتابع: “أمام ما تتعرض له أرضنا الفلسطينية من جرائم حرب ممنهجة غير مسبوقة في التاريخ البشري وحتى في الأدغال، فإن هذه الذكرى تحيي فينا الأمل بالنصر وتؤكد أن الأمة قادرة على كسر القيود والأوهام، وأن الله قادر على أن يمنح الأمة النصر”.

وأكد أنه في ظل ما يشهده العالم حالياً من تراجع القيم والأخلاق والتغيرات الثقافية والثورة المعلوماتية الشاملة أصبح لزاماً على البشرية أن تلتزم بهدي السماء. فلا ضمان لنمو الإنسان المتوازن إلا بالتمسك بالقيم الإلهية التي تمنعه من الذوبان في الآخرين وتعطيه هوية صلبة لا تتلاشى مع الزمن بل تصبح أكثر رسوخاً وأصالة.

وأضاف: “ومن هذا المنطلق، فإن إعادة بناء الإنسان وفق مقاصد الشريعة الإسلامية هو السبيل الأمثل لمواجهة هذه التحديات، فالشريعة تهدف إلى بناء الإنسان روحًا وعقلًا، جسدًا وروحًا، سلوكًا ومبادئ، وتوفير إطار متماسك للحياة الفردية والجماعية. وفي هذا السياق، يضطلع الأزهر الشريف بمسؤوليته التاريخية في مواجهة حملات التشويه والتزييف للمفاهيم التي تستهدف العقل، من خلال الإنتاج العلمي والفكري الرصين، والمؤتمرات الدولية المؤثرة، والوعظ المحلي. كل ذلك من أجل سحق التيارات المنحرفة وإعادتها إلى جذورها، حمايةً للشباب وحفظًا للفكر”.

وأكد أن تكوين الإنسان مسؤولية كبيرة. إنها تتطلب إعداد الأجيال، وتنمية العقل، وتهذيب الأخلاق، واكتشاف الطاقات الكامنة في الشباب وتوجيهها على أفضل وجه ممكن على أساس الإيمان الراسخ، والفهم السليم، والتعرض لتجارب العالم وخبراته. وبينما تضع الأسرة اللبنة الأولى في هذا البناء، فإن المؤسسات التعليمية تشكل العقل والضمير الإنساني، وهي اليوم تتحمل مسؤولية مزدوجة في مواجهة عالم متسارع التكنولوجيا والتغيير. وأكد أنه لم يعد كافيا أن ننقل المعرفة عن طريق الحفظ والتلاوة. بل من الضروري بناء الإنسان بطريقة شمولية يتمتع بالتفكير النقدي والتمكين الموجه نحو القيم والتوازن العاطفي. وهذا يتطلب مراجعة جادة للمناهج والسياسات والخطابات حتى نعرف: هل نربي إنسانا صالحا حرا مسؤولا أم مجرد مقلد يفتقر إلى الاستقلال في الرأي والتغذية واللباس؟

وأشار إلى أن أهمية هذا المؤتمر تكمن في عنوانه الذي يسلط الضوء على العلاقة بين الآمال والطموحات في التنمية البشرية وما يصاحبها من مخاطر وتحديات. كما أنها ستضع أسساً جديدة لهذا التطور المنشود، وفق رؤية شاملة تهدف إلى بناء الإنسان في جميع جوانبه الفكرية والعقائدية والاجتماعية، وترسيخ منظومة القيم والأخلاق والمثل العليا في المجتمع. إنها رؤية تعتمد على جذور الماضي، وتعمل على تحسين قابلية قراءة الواقع وتدمج بياناته. ويؤكد أهمية المؤتمر في قدرته على صياغة الاستراتيجيات واتخاذ القرارات المناسبة بشأن التحديات الراهنة التي تواجه التنمية البشرية والاستجابة لها بشكل إيجابي وواقعي.

وفي ختام كلمته أكد وكيل الأزهر على ثلاث نقاط مهمة: أولاً: إن التربية الإنسانية ليست مجرد فكرة مثالية، أو أمنية شعرية، أو موعظة بليغة، أو حبر على ورق، بل هي ركيزة دينية، وواقع عملي، وثمرة مباركة. ومن ثم فإن المؤتمر يجب أن يقدم رؤية نقدية لواقع التنمية البشرية ويقترح برامج عملية لمعالجة القضايا الضرورية. ثانياً، لا ينبغي للتنمية البشرية أن تتوقف عند حدود جغرافية محددة، بل يجب أن تتفاعل مع العالم وتغيراته وقيمه المتقلبة، مع الأخذ في الاعتبار الحاجة إلى الحفاظ على الهوية الوطنية والتاريخية.

أما النقطة الثالثة فقد اعتبرها الضويني تأكيداً على ضرورة تحقيق التوازن بين متطلبات الروح والعقل والجسد في التنمية البشرية، مع أهمية الاستفادة من عطايا الوقت دون المساس بالخصوصية أو المساس بمكونات الهوية، واكتساب مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات والتعلم المستمر. واختتم بالدعاء بأن ينصر الله الأمة على أعدائها، وأن ينشر في أراضيها العلم الذي يمنع الجهل، والهدى الذي يمنع الضلال، والنور الذي يبدد الظلمات.


شارك