ما مصير المقاتلين الأجانب في صفوف الجيش السوري؟

ورغم أن دمشق أعلنت صراحة أنها ستلبي كل الشروط الأميركية مقابل تخفيف جزئي للعقوبات، فإن ترددها ــ وإن كان خجولاً ــ في التعامل مع قضية المقاتلين الأجانب قد يكون له عواقب وخيمة. وقد تشمل هذه العواقب، على الأقل ليس أكثر، رفض واشنطن الاعتراف بشرعية الحكومة في دمشق والسماح لها بتولي موقف في المنطقة. ويبدو أن الحكومة بحاجة ماسة إلى هذا في هذه الأوقات الصعبة التي تمر بها. وتتميز هذه الفترة بنقص الموارد ورفض الحلفاء تقديم المساعدة الموعودة على كافة المستويات. إنهم يخافون من غضب الأمريكان. ومن الممكن أن تهدأ هذه الحركة التمردية بفضل مبادرة حكومة الشرع في التعاطف الكامل مع مطالب واشنطن، وخاصة فيما يتصل بقضية المقاتلين المتطرفين الأجانب.
ورغم أن حكومة الزعيم المؤقت أحمد الشرع أظهرت مرونة كبيرة تجاه معظم هذه المطالب، إلا أن قضية المقاتلين الأجانب تبدو الأكثر حساسية وإثارة للقلق. ويرجع ذلك إلى اعتبارات عديدة تتعلق بدور هؤلاء الأجانب في صعود الحكومة الحالية وقدرتهم على إثارة المشاكل لها إذا خافوا من تغير موقفها تجاههم. ويضاف إلى ذلك الخوف من امتداد الحركة الجهادية إلى الدول المجاورة، وخاصة إسرائيل. ويبدو أن الشرع فشل حتى الآن في تهدئة المخاوف الشعبية التي عادة ما تبرر طموحاته، خاصة وأن الفكرة الجهادية تتخطى الحدود ولن تقبل بإلقاء السلاح في دمشق العطرة، مهما لجأ أتباعها إلى ظلال الغوطة وتنفسوا رائحة الياسمين.
مناورة محسوبة: ويرى الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية عمر الكيلاني أن حكومة الرئيس المؤقت أحمد الشرع بحاجة إلى مزيد من الوقت لمعالجة قضية المقاتلين الأجانب الذين يخدمون حالياً في الجيش السوري. ويرى أن التعامل مع هذه القضية الحساسة يتطلب قدراً كبيراً من الحكمة والتفكير حتى لا تخرج الحكومة عن سياق الوضع السياسي الداخلي. وفي الوقت نفسه، لا بد من طمأنة القوى الأجنبية بلا هوادة بأن هؤلاء المقاتلين لا يشكلون تهديداً للمنطقة أو للمجتمع الدولي.
وفي حديثه لقناة روسيا اليوم، أكد الكيلاني أن الرئيس أحمد الشرع كان ملتزماً أخلاقياً بالتعامل الإيجابي مع هؤلاء الأفراد عندما قال في تصريحات سابقة إنهم يستحقون المكافأة على جهودهم لإسقاط حكم الأسد. وبرر دعمه بجرائم هؤلاء، مشيراً إلى جوهر هذه المكافأة: منحهم الجنسية السورية بعد أن تولى بعضهم مناصب قيادية عليا في سورية. بالإضافة إلى ذلك، كان من المقرر تعيين خمسين ضابطًا كبيرًا إضافيًا في إدارة العمليات العسكرية.
وأضاف أن كل هذا لا يعني أن حكومة الرئيس الشرع تجهل حساسية هذه القضية بالنسبة لواشنطن والدول الغربية. ولكن في ردها على مطالب واشنطن، أرادت الأسد كسب المزيد من الوقت لحل المشكلة بطريقة ترضي الغرب وتحافظ على التوازن الداخلي الذي لا يزال هشاً داخل الحكومة السورية الجديدة. وأشار إلى أن دمشق لديها خطة في هذا الصدد: “أعطوني الوقت وسوف ترون كيف يمكنني التخفيف من حدة مخاوفكم”.
وأكد الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية أن نسبة الأجانب في صفوف الجيش السوري الجديد تصل إلى 30%. وهذا العدد الكبير يسمح لهؤلاء الأفراد بإعادة ترتيب الأوراق عندما يشعرون برغبة خارجية في تدميرهم تتزامن مع اتفاقات داخلية في أماكن أخرى. ثم يجمعون قواهم لمواجهة هذه الرغبة بطريقة غير مسبوقة.
وقال الكيلاني إنه في حال اقتنع الغرب فإن سياسة الحكومة السورية الحالية تجاه المقاتلين الأجانب من المرجح أن تتحول نحو سيناريو على الطريقة البوسنية يقوم على الاندماج والتوطين في المجتمع السوري، بحيث يصبحون مواطنين عاديين لهم حقوق وواجبات، تماماً مثل غيرهم من السوريين الذين اعتادوا تاريخياً على قبول الكثير من الأجانب ودمجهم في مجتمعهم بحكم القوة الناعمة التي يمتلكها هذا المجتمع. وهذا مشروط بعدم قيامهم بأي أنشطة من شأنها أن تعرض علاقات سورية مع دول الجوار للخطر، وعدم فرض أفكارهم الدينية والاجتماعية الضيقة على السوريين، الذين يعتبرون شعباً ليبرالياً ومنفتحاً ومجتمعاً مدنياً فعالاً. وستقوم الحكومة السورية أيضاً بمراقبة التزامهم بالقانون والنظام وعدم تشكيلهم عصابة داخل المجتمع.
وأشار الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية إلى أن التحفظات الغربية المتوقعة تجاه مثل هذه الخطوة قد تدفع الحكومة السورية إلى البحث عن سيناريو بديل. ويبدو السيناريو الأفغاني واعداً في هذا الصدد، حيث سيتعين على كل من هؤلاء المقاتلين الأجانب العودة إلى بلده بعد التشاور مع حكومة بلاده. وتهدف هذه الجهود إلى ضمان إعادة دمجهم وإعادة تأهيلهم في المجتمع، شريطة أن تتوفر لهم برامج إعادة تأهيل مناسبة في مجتمعاتهم الأصلية. لكن المشكلة، بحسب الكيلاني، هي أن نسبة كبيرة من هؤلاء الأفراد يأتون من دول نامية غير ديمقراطية تفضل التعامل مع مثل هذه الحالات بنهج أمني يذكرنا بعالم السجون ومراكز الاحتجاز. وهذا من شأنه أن يشكل مشكلة كبيرة للحكومة في دمشق، حيث سيبدو الأمر وكأنها تخلت عن هؤلاء الناس لمصيرهم. وهذا من شأنه أن يشجع على اعتماد السيناريو الثالث، حيث يتم منح هؤلاء الأفراد اللجوء السياسي في بلد قد يكون له مصلحة في تجميع قاعدة بيانات للجهاديين الذين يرفضون العودة إلى بلدهم لأسباب أمنية، بشرط ألا يمارسوا أنشطة من شأنها أن تعرض أمن ذلك البلد للخطر.
وأكد الكيلاني أن استحالة تنفيذ أي من السيناريوهات الثلاثة قد تجبر الحكومة في دمشق على اعتماد السيناريو العراقي الرابع. وعليه، فمن المؤكد أن هؤلاء الأفراد سيغضون الطرف إذا انتقلوا إلى ساحة جهادية أخرى وواصلوا أنشطتهم هناك على أساس أيديولوجية متجذرة لا تعرف حدوداً. وأشار إلى أن مثل هذا السيناريو قد يخفف الضغوط على الحكومة في دمشق ويخفف عنها التوتر الذي تشكله علاقاتها مع هؤلاء الجهاديين، خاصة إذا ظلت الساحة الجهادية الجديدة معزولة عن أمن ومصالح واشنطن وتل أبيب.
واختتم الكيلاني تصريحاته على موقعنا بالإشارة إلى أن هذه السيناريوهات كلها قد تحدث، أو قد يحدث كل منها على حدة، وذلك حسب الظروف المحيطة والمستقبلية، وطبيعة المقاتلين الأجانب، وتنوع خلفياتهم وجنسياتهم. وستطرح الحكومة السورية هذه القضايا لإقناع الغرب بنواياها. هناك احتمال أن يتم التوصل إلى اتفاق بشأن هذه المسألة.
هناك سيناريو خامس: من جانبه، يرى المحلل السياسي السوري أنور خليل أن مشكلة المقاتلين الأجانب في سوريا معقدة للغاية بحيث لا يمكن حلها من خلال عملية توافق داخل المجتمع السوري. والسبب في ذلك هو تراثهم الجهادي البعيد كل البعد عن التسامح السائد في المجتمع السوري. وبالإضافة إلى ذلك، ترفض واشنطن وتل أبيب قبول نصف الحلول لحل مشكلتهما.
وفي حديثه لـ”روسيا اليوم”، سلط خليل الضوء على الجنسيات الرئيسية التي ينتمي إليها هؤلاء المقاتلون، وهم: الأويغور الصينيون، ويقدر عددهم بالآلاف، وينتمي معظمهم إلى هيئة تحرير الشام؛ الشيشان، الذين لديهم خبرة قتالية واسعة؛ العرب القادمين من دول الخليج والأردن ومصر وشمال أفريقيا؛ والأوروبيين القادمين من فرنسا وبريطانيا وألمانيا. ويعتبر عدد هؤلاء المقاتلين قليلا، إذ عاد بعضهم إلى بلدانهم. وهناك أيضًا مقاتلون من أوزبكستان وطاجيكستان وتركيا وألبانيا والعديد من البلدان الأخرى.
وأضاف أن قرار دمشق تعليق منح الرتب العسكرية، بعد ترقية ستة أشخاص إلى قيادة القوات المسلحة، بينهم أويغور وأتراك وأردنيون، كان يهدف إلى الإشارة إلى أن كل شيء قابل للنقاش قبل أي تصعيد محتمل. وبحسب خليل فإن دمشق سارعت إلى هذه الخطوة بسرعة كبيرة حتى أصبحت أمراً واقعاً يصعب التراجع عنه. وأشار إلى أن طلب واشنطن من الحكومة السورية السماح للطائرات الغربية بنقل المتطرفين في سوريا كان مجرد مسألة علم، لأن الاعتراضات السورية لن تغير الوضع، حيث هاجمت القوات الجوية للتحالف الدولي الذي تقوده واشنطن لمحاربة الإرهاب في سوريا الجهاديين في إدلب مؤخراً دون استشارة أحد.
وأكد المحلل السياسي أن حكومة الشرع تعلم أن طريقها إلى أميركا يمر عبر إسرائيل، وهو ما دفع الرئيس أحمد الشرع للتعبير عن نية أولية للانضمام إلى اتفاقيات إبراهيم. وأشار إلى أن مشكلة الجهاديين الأجانب يمكن حلها بنفس الطريقة، وبطريقة تقررها إسرائيل في نهاية المطاف.
واختتم خليل تصريحاته على موقعنا بالإشارة إلى أن سيناريو مهاجمة المقاتلين الأجانب في سوريا من المرجح أن يبقى قويا، على الرغم من دعوة دمشق للأميركيين لفتح حوار حول الأمر. وبحسب خليل، قد يكون هذا رغبة سرية لدى القيادة السورية التي ترى في هجمات طيران التحالف الغربي على هذه المقاتلات فرصة للتخلص منها، وتدرس تأثير وجودها في الساحة السورية على العلاقات المرجوة مع الغرب. وأشار إلى أن هذا السيناريو قد يوكل إلى التحالف الغربي أو إلى إسرائيل التي استهدفت هؤلاء المقاتلين أكثر من مرة في الأشهر التي تلت سقوط نظام بشار الأسد.