لماذا يحلق الذهب إلى مستويات قياسية فوق 3200 دولار للأونصة؟

واصل الذهب أداءه القوي في عام 2025، مسجلاً مستويات قياسية غير مسبوقة دفعته إلى تجاوز مستوى 3200 دولار للأوقية في تداولات يوم الجمعة 11 أبريل. ويعود هذا الارتفاع إلى مجموعة من العوامل الاقتصادية الكلية، وعلى رأسها تصاعد النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين عقب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب زيادة الرسوم الجمركية على الواردات الصينية والإجراءات الانتقامية التي اتخذتها بكين، مما زاد من حدة التوترات في الأسواق العالمية.
كما ساهمت توقعات التيسير النقدي من جانب مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، في ظل احتمال خفض أسعار الفائدة، فضلاً عن تزايد عدم اليقين الجيوسياسي، في زيادة الطلب على الذهب كاستثمار دفاعي. سجل سعر الذهب مكاسب أسبوعية تجاوزت 5%، ليبلغ إجمالي الزيادة منذ بداية العام أكثر من 21%، بدعم من دوره التقليدي كأداة تحوط فعالة ضد التضخم والتقلبات الاقتصادية.
ويقول الخبراء إن الذهب يعد حاليا الخيار الاستثماري الأفضل في السوق، حيث أدت التوترات التجارية غير المسبوقة إلى تعميق انعدام الثقة في الدولار الأمريكي وزيادة الطلب على الأصول الآمنة الأخرى.
تصعيد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين
وصل الصراع التجاري بين الولايات المتحدة والصين إلى نقطة حرجة. فرضت الصين رسوما جمركية بنسبة 125 بالمئة على واردات أميركية رئيسية ردا على التدابير الحمائية غير المتوقعة التي اتخذها الرئيس ترامب، الذي رفع الرسوم الجمركية على الصين إلى 145 بالمئة. وقد أدى هذا التصعيد إلى تعطيل سلاسل التوريد العالمية، وخاصة في قطاعي المعادن النادرة والتكنولوجيا، في حين أدى إلى زيادة الضغوط التضخمية.
وزادت الرسوم الجمركية من حالة عدم اليقين في الأسواق وأدت إلى انخفاض حاد في مؤشر ستاندرد آند بورز 500 ومؤشر الدولار الأمريكي. وقد أدى هذا التقلب أيضًا إلى تحويل ما يقرب من 45 مليار دولار من رأس المال المؤسسي إلى استراتيجيات صناديق الاستثمار المتداولة في الذهب وأسواق العقود الآجلة منذ الربع الأول من عام 2025.
وبالإضافة إلى الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، أدت الصراعات الإقليمية في أوروبا الشرقية والشرق الأوسط إلى زيادة جاذبية الذهب كملاذ جيوسياسي. لقد أدت التوترات العسكرية إلى تعطيل أسواق الطاقة، ورفع توقعات التضخم، ودعمت المعادن الثمينة كتحوط ضد الثروة. وبحسب أحدث تقرير لرويترز عن السوق، دفعت تدفقات الملاذ الآمن أسعار الذهب إلى تجاوز مستويات المقاومة السابقة.
ضعف الدولار، قوة الذهب
وكان انخفاض مؤشر الدولار الأميركي إلى أدنى مستوى في ثلاث سنوات عاملاً رئيسياً في ارتفاع أسعار الذهب، حيث يؤدي ضعف الدولار إلى زيادة القدرة الشرائية للمستثمرين الأجانب للمعدن النفيس. وقد عمدت البنوك المركزية، وخاصة الصين وروسيا، إلى تنويع استثماراتها بسرعة بعيداً عن احتياطيات الدولار. وخصصت الحكومة 15 مليار دولار لشراء الذهب في الربع الأول من عام 2025 وحده. وقد أدى هذا الاتجاه نحو إزالة الدولرة، إلى جانب المخاوف المتزايدة بشأن خفض قيمة العملات، إلى زيادة دور الذهب كوسيلة للتحوط ضد العملات الورقية.
بيئة أسعار الفائدة
وقد عزز انخفاض التضخم في الولايات المتحدة في مارس/آذار 2025 (مؤشر أسعار المستهلك عند 2.8% على أساس سنوي) التوقعات بأن يقوم بنك الاحتياطي الفيدرالي بإجراء ثلاثة تخفيضات في أسعار الفائدة بإجمالي 75 نقطة أساس بحلول نهاية العام. تؤدي أسعار الفائدة المنخفضة إلى تقليص التكلفة البديلة للاحتفاظ بالأصول غير المربحة مثل الذهب، كما تخلق بيئة مواتية لتحقيق المزيد من المكاسب. وتحسب أسواق العقود الآجلة الآن احتمالات بنسبة 68 بالمئة لخفض رابع لأسعار الفائدة، وهو ما قد يدفع العائدات الحقيقية إلى المنطقة السلبية ويحافظ على الاتجاه الصعودي لأسعار الذهب.
ما الذي سيعزز الطلب على الذهب في عام 2025؟
في عام 2024، ستشكل البنوك المركزية 23% من الطلب العالمي على الذهب. ومن المرجح أن يتسارع هذا الاتجاه في عام 2025 في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية. زاد البنك المركزي الصيني احتياطياته من الذهب بنسبة 8.7 بالمئة في الربع الأول، في حين أضافت الهند وتركيا ما مجموعه 42 طنا. لقد أدت هذه المشتريات المؤسسية إلى خلق أرضية تحت السعر. ويتوقع المحللون أن تؤدي أنشطة البنوك المركزية إلى زيادة القيمة الأساسية للذهب بما يتراوح بين 150 إلى 200 دولار للأوقية.
وفي الوقت نفسه، يركز المستثمرون من القطاع الخاص والمؤسساتي بشكل متزايد على الذهب. وصل الاهتمام المفتوح في بورصة العقود الآجلة COMEX إلى مستوى قياسي بلغ 650 ألف عقد في أبريل 2025، وزادت حيازات صناديق الاستثمار المتداولة في الذهب بنسبة 18% منذ بداية العام، مما يعكس تحولاً منهجياً نحو استراتيجيات الحفاظ على رأس المال.
ما الذي قد يحد من ارتفاع سعر الذهب؟
ورغم الزخم التصاعدي، حذر محللو يو بي إس من أن تخفيف العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين أو نمو الناتج المحلي الإجمالي الأميركي بشكل أقوى من المتوقع (2.1% حاليا) قد يؤدي إلى تصحيح يتراوح بين 5 إلى 7%. تشير الأنماط التاريخية إلى أن سعر الذهب ينخفض غالبًا بنسبة 10-15% بعد الزيادات السريعة في الأسعار، كما كان الحال في عامي 2011 و2020. ومع ذلك، فإن استمرار عمليات الشراء من جانب البنوك المركزية والتحوط من التضخم قد يخفف من التقلبات الهبوطية.
ما الذي يجب على المستثمرين مراعاته عند شراء الذهب عند هذا المستوى السعري؟
إن تأثير متوسط التكلفة لصناديق الاستثمار المتداولة يقلل من مخاطر التوقيت، في حين توفر الممتلكات المادية حماية ضد الأزمات. بالنسبة للمحافظ المتوازنة، يعد تخصيص ما بين 5% إلى 15% خيارًا حكيمًا، على الرغم من أن المستثمرين التكتيكيين قد يفضلون الاستثمار في أسهم التعدين للحصول على تعرض بالرافعة المالية.