تململ بالجيش وأزمات سياسية.. هل تنهار إسرائيل من الداخل بسبب غزة؟

رغم الدمار الذي أحدثته آلة الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، إلا أن القطاع المحاصر والمقاومة الفلسطينية صامدة في وجه العدوان. لكن إسرائيل تعيش حالة من الانقسام الداخلي غير المسبوق، والتي بدأت تظهر بشكل واضح منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، واشتدت في أعقاب مذكرة رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) رونين بار ضد نتنياهو. واتهم بار نتنياهو بمطالبة الولاء له شخصيا وليس للمحكمة العليا في حال حدوث أزمة دستورية. ودعا أيضا إلى استخدام جهاز الأمن العام (الشاباك) لجمع المعلومات عن المشاركين في الاحتجاجات والأنشطة المناهضة للحكومة.
وحتى داخل إسرائيل، ترتفع أصوات عائلات السجناء الإسرائيليين، مطالبة بإنهاء الحرب في قطاع غزة. وأدى هذا أيضًا إلى احتجاجات من قبل الجنود. وذكرت هيئة الإذاعة الإسرائيلية أن نحو ألف جندي من قوات الاحتياط في سلاح الجو نشروا رسالة احتجاجا على القتال المستمر في قطاع غزة، وأكدوا أن استمرار الحرب لن يحقق أيا من أهدافها المعلنة. ويعزز هذا المؤشرات على أن إسرائيل على وشك الدخول في مرحلة جديدة من الاضطرابات التي تهدد بتقسيم البلاد.
انهيار إسرائيل
ويرى الخبير في الشؤون الإسرائيلية الدكتور علي الأعور أن انتفاضة الأقصى شكلت نقطة تحول مهمة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وقال: “رغم التبعات السلبية لهذا الحدث، بما في ذلك تدمير قطاع غزة وسقوط نحو 50 ألف شهيد، إلا أن السابع من أكتوبر/تشرين الأول خلق معادلة جديدة بشأن وجود إسرائيل، ومثّل بداية انهيار المشروع الصهيوني. ومع ذلك، لا توجد حتى الآن أي مؤشرات أو معطيات تؤكد انهيار إسرائيل”.
وفي حديثه لايجي برس، قال العور إن هناك انقساما عميقا داخل إسرائيل بين اليمين واليسار، وبين الحكومة والمعارضة، وبين المتدينين والعلمانيين. وأشار إلى أن هذا الانقسام لم يصل بعد إلى مرحلة الحرب الأهلية، لكن نتنياهو أمام خيارين ولا يوجد خيار ثالث. الخيار الأول هو الاستجابة لمطالب الشارع الإسرائيلي الذي يطالب بوقف الحرب والإفراج عن الأسرى لدى حماس. الخيار الثاني هو استمرار الحرب بناء على مطالب اليمين المتطرف واحتلال قطاع غزة بالكامل.
وأضاف العور أنه إضافة إلى الضغوط المتزايدة على الحكومة من قبل عائلات الأسرى الإسرائيليين، والتي رغم قوتها لم تؤثر حتى الآن على سياسات نتنياهو ولم تصل إلى حد العصيان المدني أو الإضراب العام، هناك تمرد داخل الجيش أيضاً. وأفاد بأن أكثر من 1500 ضابط من مختلف فروع القوات المسلحة رفضوا العودة إلى غزة أو المشاركة في العمليات العسكرية ووقعوا على عرائض تطالب بإنهاء الحرب. ويعكس هذا عدم الاستقرار داخل الجيش الإسرائيلي، الذي على الرغم من قوته، لا يزال نتنياهو يمتلك سلطة اتخاذ القرارات السياسية والأمنية في إسرائيل.
وفي الأسبوع الماضي، نفذت المقاومة الفلسطينية عمليات نوعية في بيت حانون والشجاعية والتفاح ورفح وجباليا، ما أدى إلى مقتل وإصابة عدد من الضباط والجنود الإسرائيليين. ويعكس هذا فشل بعض الخطط العسكرية التي تهدف إلى تكثيف العمليات البرية في قطاع غزة. وبالإضافة إلى ذلك، لم يتم اتخاذ قرار حتى الآن بشأن احتلال قطاع غزة بالكامل أو توسيع العمليات البرية إلى مناطق أكبر، باستثناء بعض العمليات العسكرية المحدودة في مناطق ضيقة، بحسب الخبير في الشؤون الإسرائيلية علي الأعور.
بداية الانهيار
ويرى الباحث الفلسطيني المتخصص في الشأن الإسرائيلي الدكتور صلاح العواودة أن ما يحدث داخل الكيان الصهيوني يشير إلى مؤشرات سلبية تنذر بخطر داهم. ولكن حتى الآن فإن الوضع تحت السيطرة، ويجري مراقبته من قبل المعارضة والحكومة الإسرائيلية، وهو على لسان الجميع في الداخل. ورغم أن الاختلافات في الرأي داخل المجتمع الإسرائيلي عميقة وصعبة، إلا أنها ليست خطيرة.
وقال العواودة في مقابلة مع ايجي برس: “من الصعب القول إننا نشهد بداية انهيار أو أننا في خضم أزمة حقيقية، خاصة في ظل وجود مؤسسات دولة قائمة في إسرائيل، مثل القضاء والجيش، والتي لا تتدخل في السياسة بل تعمل بشكل مستقل ووفقا للنظام الديمقراطي القائم”. وبما أن هذه المؤسسات لا تزال تعمل بشكل جيد وتحترم دورها، فإن الحديث عن انهيار إسرائيل أو بداية مثل هذا الانهيار يبدو بعيداً عن الواقع حالياً ما لم يتم تجاوز هذه المؤسسات الأساسية، التي تعتبر الأساس للحفاظ على استقرار النظام السياسي في إسرائيل.
فيما يتعلق بالخلافات مع رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك)، قال الخبير السياسي الإسرائيلي: “حاول نتنياهو استخدام قانون المحاماة ضد المعارضة، وهو ما يتعارض مع مبادئ الديمقراطية المتمثلة في فصل السلطات. وفيما يتعلق بالجيش، أوضح أنه رغم الخلافات الداخلية مع الحكومة حول بعض القضايا، فإنه في النهاية ينفذ أوامرها، ولا يمكن لأي جندي أو ضابط في الجيش التمرد جماعيًا أو بشكل منظم”.
وأشار إلى أن أي تمرد محتمل داخل الجيش سيبقى محدودا للغاية ولن يشكل تهديدا حقيقيا للدولة ككل. ورغم أن بعض الجنود وضباط الاحتياط قرروا رفض الخدمة في الجيش، إلا أن هذا لا يشكل انتفاضة جماهيرية. بل هو مجرد تعبير عن اختلافات في الرأي السياسي لا تشكل تهديدا للدولة. وغالباً ما يظل هؤلاء الجنود وضباط الاحتياط في الخدمة العسكرية ويحاولون ممارسة ضغوط سياسية على الحكومة من خلال رفضهم الخدمة، وهو ما يظل ضمن حدود القانون ولا يشكل تهديداً ملموساً.
وقال صلاح العواودة: “في الوقت الحاضر لا يمكن اعتبار هذه الصراعات الداخلية مؤشرات على انهيار إسرائيل الوشيك طالما هناك تهديد خارجي مستهدف”، مؤكدا أن إسرائيل كانت في الماضي قادرة على الاستمرار في العمل حتى في مواجهة الانقسامات الداخلية. وظل اليهود في فلسطين منقسمين لعدة قرون بعد حكم داود وسليمان، ولم تنشأ دولة يهودية موحدة إلا لمدة سبعين عاماً فقط. وبعد ذلك انقسموا وبقوا في حالة انقسام دائم لأكثر من خمسمائة عام، وحتى خلال هذا الوقت كانت هناك حكومات يهودية منفصلة في فلسطين.
ويشير صلاح العواودة، الباحث المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، إلى أن التغيير الذي يقترحه نتنياهو في شكل الحكومة قد يؤدي، من وجهة نظر المعارضة، إلى تدخل عسكري مباشر في السياسة أو استبدال السلطة السياسية بشكل كامل. وقد يؤدي هذا إلى إلغاء دور البرلمان والقضاء، وبالتالي تقويض الديمقراطية في إسرائيل. وقد يؤدي هذا التغيير في شكل الحكومة إلى انهيار الدولة نفسها، وهو ما تحذر منه المعارضة الإسرائيلية.
حرب سياسية
وفيما يتعلق بالمفاوضات المحتملة بين إسرائيل وحماس، قال الخبير في الشؤون الإسرائيلية علي العور إن هذه المفاوضات ستنتهي على طاولة المفاوضات في الدوحة والقاهرة، وسيتم مناقشة اتفاق تبادل أسرى. وأضاف أن الحرب في غزة أصبحت حرباً سياسية بامتياز، وأن محور المعركة هو البقاء السياسي لنتنياهو ومستقبل حماس في المنطقة. وأضاف أن نتنياهو يسعى لتحقيق مكاسب سياسية من خلال إصراره على استمرار الحرب، في حين تسعى حماس إلى إبرام صفقة تبادل أسرى تشمل جميع الأسرى الفلسطينيين المحتجزين لدى إسرائيل.
وأكد العور أن هذه الحرب ليست عسكرية فقط، بل هي سياسية بالدرجة الأولى، لأنها تتعلق باستمرار موقف نتنياهو السياسي ووجود حركة حماس. وإذا لم يتوصل الطرفان إلى اتفاق بشأن تبادل الأسرى، فإن إسرائيل قد تواجه حرباً أهلية في المستقبل القريب. لن تنتهي الحرب في قطاع غزة إلا باتفاق الطرفين على تبادل الأسرى.