أستاذ قانون دولي: مرافعة مصر أمام العدل الدولية وثيقة تاريخية تكشف الانتهاكات الإسرائيلية

أكد الدكتور محمد محمود مهران أستاذ القانون الدولي وعضو الجمعية الأمريكية والأوروبية للقانون الدولي، أن مذكرة مصر اليوم أمام محكمة العدل الدولية تشكل وثيقة قانونية تاريخية تكشف بشكل منهجي عن انتهاكات إسرائيل الخطيرة للقانون الدولي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وخاصة فيما يتعلق بحظر أنشطة الأونروا وعرقلة المساعدات الإنسانية.
وقال الدكتور مهران لايجي برس إن مصر قدمت حجة قوية مدعومة بأدلة قانونية دامغة تثبت أن إسرائيل تنتهك التزاماتها كقوة احتلال بموجب القانون الإنساني الدولي، وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة، التي تلزم إسرائيل بضمان سلامة المدنيين في الأراضي المحتلة وتسهيل عمل المنظمات الإنسانية.
جلسات الاستماع التاريخية
وأوضح الخبير القانوني أن الجلسات التي بدأت اليوم الاثنين 28 أبريل 2025، في محكمة العدل الدولية بلاهاي، ستستمر حتى الجمعة 2 مايو المقبل، بمشاركة 40 دولة وأربع منظمات دولية. وتأتي هذه الجلسات استجابة لطلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة للحصول على رأي استشاري بشأن التزامات إسرائيل كقوة احتلال فيما يتعلق بأنشطة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأضاف أن هذه الاجتماعات كانت ذات أهمية استثنائية، حيث عقدت بعد أشهر فقط من نشر الرأي التاريخي للمحكمة في 19 يوليو/تموز 2024. والذي أكد عدم شرعية احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية منذ عام 1967، ودعا إلى إنهائه الفوري، وإخلاء المستوطنات، وتعويض الفلسطينيين عن الأضرار التي لحقت بهم.
جماعات المصالح المصرية
وحلل مهران أهم نقاط المذكرة المصرية التي قدمها السفير حاتم عبد القادر للمحكمة، موضحاً أنها تركزت على أربعة محاور رئيسية: المحور الأول يتعلق باستراتيجية إسرائيل الممنهجة لعرقلة عمل الأونروا، سواء بتجفيف مواردها المالية، أو حظر أنشطتها في القدس الشرقية، أو باستهداف منشآتها ومنشآتها في قطاع غزة، وهو ما يشكل انتهاكاً صارخاً لاتفاقية الأمم المتحدة لعام 1947 بشأن امتيازات وحصانات الوكالات المتخصصة.
وأضاف: “فيما يتعلق بالمحور الثاني، تم استعراض انتهاكات إسرائيل الجسيمة لاتفاقيات جنيف، لا سيما استخدام التجويع والحصار كسلاح ضد السكان المدنيين في قطاع غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، من خلال الإغلاق التعسفي للمعابر ومنع دخول الغذاء والماء والوقود والإمدادات الطبية. وقد أدى ذلك إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة أودت بحياة آلاف المدنيين، معظمهم من النساء والأطفال”.
وتابع: “المحور الثالث تناول سياسة الإخلاء القسري والتهجير المتكرر التي تنفذها إسرائيل بحجة أوامر الإخلاء، والتي أدت إلى تهجير الفلسطينيين قسراً إلى مناطق تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة، وهو ما يشكل جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية”.
وأوضح أستاذ القانون الدولي أن المحور الرابع يركز على معبر رفح الحدودي والذي يعد شريان الحياة الوحيد لقطاع غزة. وقصفت إسرائيل معبر الحدود وسيطرت على الجانب الفلسطيني، مما أدى إلى توقف تدفق المساعدات الإنسانية بشكل كامل، خاصة بعد الهجوم العسكري واسع النطاق على مدينة رفح التي يقطنها أكثر من مليون نازح فلسطيني.
الأبعاد القانونية لحظر أنشطة الأونروا
وأكد الدكتور مهران أن قرار إسرائيل حظر أنشطة الأونروا في القدس الشرقية والذي دخل حيز التنفيذ في يناير/كانون الثاني الماضي، يعد انتهاكا صارخا لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي الإنساني وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة ذات الصلة.
وتابع: “من المدهش أن إسرائيل التي تدعي أنها دولة ديمقراطية تحترم سيادة القانون تتجاهل تماما قرارات محكمة العدل الدولية وتواصل انتهاكاتها المنهجية للقانون الدولي بدعم أمريكي غير محدود، مما يؤدي إلى تقويض مصداقية النظام القانوني الدولي بأكمله”.
الأهمية القانونية للتقرير القادم
وأوضح مهران أن الرأي الاستشاري القادم لمحكمة العدل الدولية، ورغم أنه ليس ملزما من الناحية الفنية، إلا أنه يشكل سابقة قانونية مهمة، وسيكون بمثابة مرجع أساسي للمجتمع الدولي في معالجة الانتهاكات الإسرائيلية.
ويتوقع الخبير الدولي أن يؤكد التقرير المقبل على التزامات إسرائيل كقوة احتلال بتسهيل عمل المنظمات الدولية، وخاصة الأونروا، وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق. وبالإضافة إلى ذلك، فإن هذا القرار قد يشكل أساساً لإجراء لاحق من جانب الجمعية العامة أو مجلس الأمن لفرض عقوبات على إسرائيل إذا استمرت انتهاكاتها.
تأثير الوضع الراهن على مستقبل القضية الفلسطينية
واختتم مهران كلمته بتحليل التأثير المحتمل للوضع الراهن على مستقبل القضية الفلسطينية، قائلاً: “نمر بمرحلة حاسمة في تاريخ القضية الفلسطينية، في ظل تنامي الدعم الدولي للحقوق الفلسطينية المشروعة. ويتجلى ذلك في القرارات والفتاوى المتتالية لمحكمة العدل الدولية التي أكدت عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي وضرورة إنهائه”.