مصطفى الفقي يكتب: مستقبل العمل العربي المشترك والتحديات الراهنة

منذ 24 أيام
مصطفى الفقي يكتب: مستقبل العمل العربي المشترك والتحديات الراهنة

وهي عبارة رددناها كثيرا ولم نتوقف عن استخدامها حتى اختفى مضمونها واختفى أثرها وأصبحت عبارة روتينية تشير إلى وحدة الصف العربي وترمز إلى محتوى لم يعد موجودا لأحد وعلينا أن ندرك هنا أن عمل الشرك العربي بلغ ذروته في حرب 1973، عندما دعم الملك يومها الرئيس الراحل السادات وفرض الحظر النفطي على الدول الغربية. وصلت العلاقات بين الدول العربية إلى ذروة الإجماع الوطني والتفاهم العربي، لكن بعد ذلك تغيرت الأمور وتبدلت عندما ذهب الرئيس السادات -بقرار مصري- إلى القدس، مما خلق حالة من التشرذم والانقسام في الساحة العربية قادتها.

نقول ذلك ونحن ندرك أن ما فعله السادات هو اعتراف عندما يحقق منفعة، ولا يعترف به عندما لا يجد الأمان. ولا بد من بذل الجهد، ولكن ضمان النجاح بيد الخالق وحده. وهنا تراهن إسرائيل على حركة عنصرية سرطانية لا يمكن استئصال جذورها بسهولة، أو لا يمكن تغيير مسارها إلا بعد مفاوضات جدية وشاقة يكون لجميع الأطراف الحق فيها. الاعتراف بأهمية السلام والأمن الدوليين في المنطقة. ولم يتم حل أي صراع في التاريخ إلا على طاولة المفاوضات، على أن يتم ذلك تحت مظلة شرعية دولية عادلة لا تتحيز ولا تخالف الحق والحقيقة. أكتب هذه السطور في ظل فترة بالغة الصعوبة من تاريخنا العربي والوطني، وهي من أعقد الفترات في العصر الحديث، الدماء لا تزال تسفك، والعدوان الإسرائيلي على المدنيين في غزة يتصاعد يوما بعد يوم، وكل المحاولات الرامية إلى التهجير يتم التخلي عن السلام بشكل ملحوظ وحتى منهجي، ولم يعد سرا أن الغرب الرسمي يدعم إلى حد كبير هذه المسيرة الدموية في جميع الاتجاهات. بل إنني أجرؤ على القول إن نتنياهو، الذي يقود هذا العدوان الوحشي ضد الشعب الفلسطيني، يقود حتى الآن أغلبية بسيطة من الجمهور الإسرائيلي. لذلك، ليس من الصحيح القول إن نتنياهو هو المنشق الوحيد في إسرائيل أو يغرد في الخارج الطية. بل صحيح أنه نتاج للتطرف الإسرائيلي. لقد وصل الوضع داخل الدولة العبرية، ورغم أننا كعرب لدينا أوراق كثيرة، إلا أنها للأسف متجاوزة بسبب الدعم الأمريكي الكامل للحكومة الإسرائيلية، أي بسبب تواجدها. الإمداد المستمر بالذخيرة والمال واستعدادهم الدائم للدفاع عنهم تحت أي ظرف من الظروف. كما أن الروح العربية المشتركة لم تتمكن بعد من مواجهة ما يحدث. ولا داعي للمزيد من صيحات الاستنكار والإدانة. بل لا بد من توضيح الاستنكار الرسمي لمختلف الإدارات الدولية، خاصة في عواصم الغرب، وما زلت أدعو إلى مزيد من المبادرات البناءة بلغة جديدة لا يألفها الخصم. وواجبنا الآن هو فتح قنوات التواصل مع من يختلف معنا في الرأي على كافة المستويات وفي كافة المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والشبابية والرياضية. كما يجب أن نكون واضحين أن تحقيق هذه الحرية واجب مقدس ولا يمكن تحقيقه بين عشية وضحاها، وأنا أقترح هنا بصدق عدداً من الأفكار التي ينبغي استكشافها، منها: أولاً: التركيز على مفاوضات طويلة الأمد من أجل التوصل إلى حل جذري لهذا الصراع، بحيث لا يكون هدفنا الوحيد هو وقف القتال في غزة. ويجب طرح أطروحات موازية لحل القضايا العالقة، مع العلم التام بأن المفاوضات مع اليهود أمر وارد للغاية صعب، لكنه ليس مستحيلاً، إذا شعر العرب بإرادة حديدية لتغيير الوضع الراهن والبحث عن حلول عملية بلغة جديدة وأساليب جديدة لا يعرفها الطرف الآخر. لقد سئم الجميع من اللغة التي نستخدمها منذ ثمانين عاماً، وحان الوقت للجوء إلى لغة مبتكرة مبنية على حلول واقعية ومبادرات بناءة. وإذا كان بعضها لا يروق للطرف الآخر، فإن أطرافاً أخرى على الأقل تبدو متأرجحة بين الطرفين، خاصة في دول أوروبا الغربية، باعتبار أن الولايات المتحدة الأميركية هي المعقل الأخير لدعم إسرائيل في كل الظروف. ثانية: لقد أصبح من الضروري تشكيل حكومة انتقالية فلسطينية توحد وتوحد العالم ويكون مقرها في إحدى العواصم غير العربية، سواء كانت إسطنبول عاصمة اليونان أو قبرص، حتى نكون على اتصال مباشر مع الاتحاد الأوروبي. الاتحاد والدول المتضررة في شرق البحر الأبيض المتوسط، مع طرح أفكار جديدة تتعلق بالعيش المشترك والدولة الفلسطينية المنشودة مع ضمانات متبادلة للهدوء والاستقرار بين الجانبين، وما زلت أحلم بوحدة فلسطينية واحدة تشمل ما شهده عالم اليوم وحدة الكلمة الفلسطينية بلغة هادئة تتمسك بالثوابت ونهج سياسات منظمة التحرير الفلسطينية في بعض مراحلها، حين ساد السلام في الأفق ولم يكن يبدو بعيد المنال، إذ فتح الأمل الواقعي الأبواب . ثالث: وما تبقى من أوراق عربية، وخاصة التطبيع مع أكبر وأهم دولة إسلامية، يمكن أن يمثل إغراء قويا للمجتمع الدولي للضغط على إسرائيل والخضوع لمظاهر الشرعية الدولية المتاحة في إطار الحقوق والحقوق الفلسطينية المشروعة. لقد أرادوا أن تعلن طهران أنها ستحتفظ بالرد الحالي على هنية، مع تفكيك المبادئ الثابتة للقضية وفي الوقت نفسه حل العلاقة المعقدة بين أزمة الشرق الأوسط من جهة والصراع العربي الإسرائيلي من جهة أخرى. أخرى، والاغتيال مقابل الوقف الفوري للعمليات العسكرية في غزة، لكننا فصلنا بين السياقين المختلفين، وكأن غرب آسيا والشرق العربي جزيرتان منفصلتان، بينما في رأيي يمكن أن يكون هناك نهج وسائل حديثة ومجاورة. وتختلف لغة الدول، خاصة تركيا وإيران، للوصول إلى نقطة قريبة من إمكانية الجلوس على طاولة المفاوضات. رابعاً: لقد أدت حركة حماس دورها عسكرياً – بما لديها وبما تستحق – وحان الوقت لاستخدام دورها بالتنسيق مع الفصائل الأخرى بما يخدم لغة التفاوض المطلوبة بين الطرفين. لا توجد مفاوضات دائمة ولا مستمرة، ولكن الجمع بينهما هو العامل الحاسم في حل الصراعات وإنهاء الحروب، ويمكنه مثل الإسرائيليين أن يلعب الأدوار العربية في إطار الثوابت الوطنية ودون المساس بها وعلينا أن نتذكر ذلك السلام العادل هو طريق وليس مجرد واقع، وأننا في عالمنا العربي لدينا عقول نيرة في كل الاتجاهات يمكن أن يكون هناك انسجام بينها يمكننا من تحقيق ما نحتاج إليه من حل نهائي، أو إلى حل نهائي. العثور على وسيلة للوصول إلى هناك. خامساً: يمكننا أيضاً استغلال العلاقات العربية مع بعض الدول الآسيوية مثل الهند والصين وحتى مع الدول الأوروبية مثل إسبانيا وربما فرنسا لفتح جسور جديدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين ليست على طراز أوسلو ولكننا أقرب إلى السلام. مؤتمر جنيف الذي لم ينته بعد. نريد الخروج من المأزق وعدم البقاء في عنق الزجاجة. وسنتمكن من الاستفادة من كافة الخرائط المتوفرة والخرائط الموجودة وأدعو هنا إلى نشاط مكثف داخل الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، خاصة في بعض الجوانب المعترف بها تاريخيا مثل الدبلوماسية الأردنية وبعض دول الخليج، بالإضافة إلى دور الأخوة في شمال أفريقيا، خاصة في الروابط التاريخية التي تربطهم ثقافيا، فنحن مرتبطون بالغرب الأوروبي ولا شك أننا سنصل يوما ما إلى وضع يدفعنا نحو وجود مؤسسات عربية وإسلامية مقبولة في الخارج وفي الخارج. وفي الوقت نفسه بشكل إجمالي الابتعاد عن الإسلاموفوبيا من جهة وحقوق الفلسطينيين من جهة أخرى. فالقضية الفلسطينية ليست مسألة دينية، بل مسألة سياسية. الأول لا يخلو من العنصرية الدنيئة والاستقطاب المستمر بين القوى المختلفة. إنها أفكار متناثرة وأفكار متسرعة تحتاج إلى مزيد من البحث والنضج بهدوء ووعي لمصلحة مستقبل أفضل للفلسطينيين والعرب وربما للإسرائيليين أيضا!

نقلا عن: المستقلة العربية


شارك