وفاة نبيل العربي.. ما هي كواليس اختياره قاضيًا بمحكمة العدل الدولية؟
الدبلوماسي الكبير د. توفي مساء الاثنين الماضي نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية ووزير الخارجية الأسبق عن عمر يناهز 89 عاما بعد صراع طويل مع المرض.
ولد نبيل عبد الله العربي في 15 مارس 1935. تخرج في كلية الحقوق بجامعة القاهرة عام 1955 وحصل على درجة الماجستير في القانون الدولي ثم الدكتوراه في القانون من كلية الحقوق بجامعة نيويورك.
دكتور. وكان لنبيل العربي حضور مؤثر للغاية في الدبلوماسية المصرية، حيث عمل مستشارا قانونيا للوفد المصري خلال مؤتمر كامب ديفيد للسلام في الشرق الأوسط عام 1978، بالإضافة إلى قيادة المفاوضات التاريخية الوطنية التي انتهت باستعادة مصر. وانتهى طابا واكتمال السيادة المصرية على كامل سيناء.
– معالمه المهنية المتميزة
ومن أبرز إنجازاته المهنية العمل كقاضي في محكمة العدل الدولية لمدة خمس سنوات بين عامي 2001 و2006.
وكان العربي ضمن فريق القضاة الذي أصدر حكما في يونيو/حزيران 2004 يدين الجدار العازل الذي بنته إسرائيل ويعتبره غير قانوني.
وسرد العربي تجاربه في أروقة محكمة العدل الدولية في أحد فصول كتابه «طابا.. كامب ديفيد.. الجدار الفاصل» الصادر عن دار الشروق.
– أعلى سلطة قضائية في العالم
دكتور. بدأ نبيل العربي كلمته بلمحة موجزة عن الوضع القانوني للمحكمة واختصاصها وصلاحياتها وعملها.
ويقول العربي: إن محكمة العدل الدولية هي الهيئة القضائية الرئيسية للأمم المتحدة وتعتبر أعلى هيئة قضائية دولية في العالم. وتتكون من 15 قاضياً، يتم اختيارهم مع الأخذ في الاعتبار أنهم يمثلون مختلف الحضارات، وأهم الأنظمة القانونية في العالم.
– العربي.. ثالث مصري يتولى هذا المنصب
وأضاف العربي: كنت ثالث قاض مصري يتولى هذا المنصب. الأول هو الراحل عبد الحميد باشا بدوي، وهو أول مصري يتولى منصب رئيس هيئة قضايا الدولة كما تسمى الآن. تم تعيينه بعد ذلك وزيراً للخارجية وقاد الوفد المصري إلى مؤتمر سان فرانسيسكو عام 1945. كما وقع على ميثاق الأمم المتحدة نيابة عن مصر وكان جزءًا من أول إنشاء للمحكمة عام 1946.
وتابع العربي: “وبقي بدوي قيد المحاكمة حتى وفاته عام 1965. لقد كان محامياً، لذلك اتسمت كتاباته بالعمق وسعة الاطلاع.
وتابع العربي استعراضه لتاريخ المصريين في محكمة العدل الدولية: “أما القاضي الثاني فكان أستاذي في كلية الحقوق هو المرحوم د. عبد الله العريان الذي تم نقله إلى وزارة الخارجية.” وفي الستينيات كان رئيسًا للإدارة القانونية لسنوات عديدة وعمل سفيرًا لمصر في باريس وجنيف وبرن ونائبًا له في نيويورك. عملت معه في نيويورك وجنيف، وعملت كمساعد له في لجنة الشؤون القانونية بالأمم المتحدة لعدة سنوات، ونشأت بيننا صداقة وثيقة. وهو أحد المحامين الدوليين البارزين الذين يشار إليهم باسم “لبنان”.
وأضاف العربي: “د. وكان العريان باحثا في القانون الدولي، وكان يتمتع بذكاء شديد وقدرة استثنائية على معالجة القضايا الأساسية بلغة هادئة ومقنعة. ولسوء الحظ توفي عام 1982 بعد عامين فقط من وفاة د. العريان رشح مصر د. ومنح عصمت عبد المجيد المقعد للدول العربية، لكن الحقوقي الجزائري محمد باد الشاوي فاز بالانتخابات وبقي في المحكمة 19 عاما حتى استقالته لأسباب صحية عام 2001.
-عملية تصويت معقدة.. الطريق العربي إلى مجمع محكمة العدل الدولية
وعندما استقال رشحتني مصر لشغل هذا المنصب. وأوضح أن القضاة يتم انتخابهم لمدة تسع سنوات قابلة للتجديد، وتعتبر الانتخابات القضائية من أصعب الانتخابات وأكثرها تعقيدا في الأمم المتحدة. لأنه لكي يتم انتخاب القاضي، يجب أن يحصل في الوقت نفسه على الأصوات اللازمة في كل من مجلس الأمن والجمعية العامة، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بعد عدة جولات من التصويت. وبالمقارنة، نلاحظ أن إجراءات انتخاب الأمين العام للأمم المتحدة ليست بهذا التعقيد، حيث يتم انتخاب الأمين العام عندما يوصي بانتخابه. وبعد ذلك يتم رفع التوصية إلى الجمعية العامة لاتخاذ قرار التعيين، وبالتالي فإن دور الجمعية العامة هو ببساطة صياغة توصية مجلس الأمن، ولكن الفرق الحقيقي هو أنه نظرا للأهمية السياسية البالغة للانتخاب لقد نشأ عرف الأمين العام الذي لا يوجد فيه أن تكون انتخابات الأمين العام تخضع للنقض، بينما انتخابات قضاة محكمة العدل الدولية لا تخضع للنقض وتوصية المجلس هي بالأغلبية البسيطة، أي بـ 8 أصوات وليس بـ 9 أصوات، كما أشرت.
– إفلاس شركة الطيران.. صعوبات في الطريق إلى نيويورك
وإضافة إلى الصعوبات الإجرائية للحصول على المقعد القضائي الأعلى، فإن الرحلة شهدت أحداثا لم يكن من الممكن تقديرها ولم تكن في الحسبان.
ويصف العربي تفاصيل تلك الأحداث: “في طريقي إلى نيويورك مررت بتجربة غريبة وغير عادية، لكنها انتهت بسلام، والحمد لله سافرت إلى نيويورك مع زوجتي في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2001”. الخطوط الجوية السويسرية، لإجراء الاتصالات اللازمة مع الوفود لتأمين الدعم لانتخابي، وأثناء التوقف… الطائرة في مطار زيوريخ. قيل لنا أن الشركة أفلست وتوقفت عملية نقل الركاب، وتركنا في المطار دون أن يُعرض علينا أي وسيلة لإكمال الرحلة. كان مطار زيورخ منظمًا تمامًا وكانت هناك فوضى وارتباك تام، وكان من المستحيل تقريبًا العثور على شركة أخرى تنقلنا إلى نيويورك، وفندق لنقيم فيه، وكانت الحقائب كلها متكدسة في المطار واستغرق الأمر عدة دقائق. استغرق الأمر منا ساعات للتعرف عليهم، لكن بعد ساعات من الجهد عثرنا على حقائبنا، وبصعوبة وجدنا أيضًا غرفة في فندق قريب من المطار”.
وتابع العربي: “بعد محاولات مضنية، وجدنا مقاعد على متن طائرة أمريكية نقلتنا إلى نيويورك في اليوم التالي، لأن غالبية الركاب تجنبوا السفر على الطائرات الأمريكية خلال هذه الفترة بعد أحداث 11 سبتمبر”.
وأكد العربي أنه جرت العادة أن تسبق الانتخابات المهمة في الأمم المتحدة حملة تواصلية مع مختلف الوفود والدول التي لديها مرشح، وإرسال مذكرة إلى بقية الوفود حول جدارة المرشح وطلب دعمهم. سوف أفعل ذلك إذا ترشح المرشح. وعندما وصلت إلى نيويورك، بدأت على الفور في الترتيب لإجراء مقابلات مع ممثلي البلدان التي لم تعرب عن دعمها. ولا بد لي هنا من الإشادة بجهود أعضاء البعثة المصرية برئاسة السفير أحمد أبو الغيط الذين ضمنوا حصولي على الأصوات اللازمة.
وتابع: “كان واضحا للدول أنني أحظى بدعم قوي. لم أكن مرشح مصر فحسب، بل رشحتني عدة دول أخرى، مثل السويد وبريطانيا العظمى وفرنسا وإيطاليا واليونان وإسبانيا ودول أوروبية صغيرة مثل…” ليششين وسان مارينو وموناكو، حتى لو لم أكن مرشحًا لمصر. ، حاول أن أسعى لترشيح هذه الدول.
– مشاهد من جلسة التصويت
وقال العربي: “كان من المقرر إجراء انتخابات قضاة محكمة العدل الدولية في 12 أكتوبر/تشرين الأول 2001 في كل من الجمعية العامة ومجلس الأمن، في نفس الوقت الذي تم فيه انتخابي في الجولتين”. الجمعية العامة ومجلس الأمن وجميع أفراد عائلتي كانوا في ذلك الوقت “زوجتي وابنتي مي وابني مروان الذي كان يعمل آنذاك محاميا في مكتب أمريكي شهير في نيويورك، وابني هشام، الذي كان قد تخرج للتو من الجامعة الأمريكية لمدة عام وأكمل التدريب في أحد البنوك الاستثمارية الأمريكية.
وقال العربي في وصفه للمشهد: “وقفت مع السفير أحمد أبو الغيط في المكان المخصص للوفد المصري في قاعة الجمعية العامة لتلقي تهنئة الوفود التي جاءت لتهنئتي بانتخابي”. كان نصف المندوبين الدائمين زملائي وعملنا معًا لسنوات عديدة، مما جعل من الصعب الحصول على أصواتهم، خاصة وأن الفترة التي قضيتها كسفير في نيويورك، والتي استمرت حوالي ثماني سنوات، عملت مع غالبية السفراء ترأس العديد من اللجان السياسية المهمة، مثل اللجنة السياسية الأولى، ولجنة أجندة السلام، وفريق العمل لدول عدم الانحياز المعني بتوسيع مجلس الأمن وإصلاحه.
– لقاء مع مبارك وتهنئة من شيراك
ويتابع العربي: «فور عودتي إلى القاهرة، كانت تنتظرني رسالة من الرئيس الفرنسي جاك شيراك، يهنئني فيها بانتخابي للمحكمة. فاتصلت بالسفير الفرنسي في القاهرة، دي لا سابلييه، الذي كنت أعرفه منذ أن كان نائب مندوب فرنسا في نيويورك، وذكرت له أنني سأرسل له رسالة لأطلب من الرئيس أن أشكره. وأجاب بأن الرسالة من الرئيس وأنه يجب علي الاتصال به مباشرة عن طريق السفارة الفرنسية في القاهرة.
وأضاف: “بما أن لغتي الفرنسية ليست في مستوى كتابة رسالة إلى رئيس الجمهورية، فقد كتبت رسالة بليغة باللغة الإنجليزية وترجمها صديقي الراحل سميح صادق إلى الفرنسية”.
وتابع: “بعد أيام قليلة حدد الرئيس مبارك موعدا للقاء معي قبل سفري إلى لاهاي، وعند دخولي قال لي الرئيس: ما كتبه الله سيتحقق”، وأشار إلى “ترشيحي”. تم سحبه من المحكمة عام 1996 بسبب تدخل الرئيس شيراك لصالح الاستمرار في منصب القاضي”. وكان الجزائري محمد بدوي في هذا المنصب. وكان جوابي أن شيراك أرسل لي رسالة تهنئة، ربما كنوع من الاعتذار عن مداخلته السابقة.