التحولات السياسية والإحباط في أوكرانيا والانقسامات تبدد الأجواء الاحتفالية لقمة الناتو
كانت العاصمة الأميركية واشنطن تأمل أن تستضيف قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) التي تبدأ اليوم الثلاثاء وتستمر ثلاثة أيام، وسط أجواء بهيجة احتفالا باليوبيل الماسي للحلف الذي شكل حجر الزاوية للناتو في الأمن الأوروبي. هيكل بعد الحرب العالمية الثانية. لكن الرياح لم تكن ما أرادته سفن الولايات المتحدة و31 دولة أخرى من أعضاء الحلف، الذين يقع مقرهم الرئيسي في العاصمة البلجيكية بروكسل.
وتأتي قمة واشنطن في وقت يمكن اعتبار بعض زعماء أهم الدول “مجروحين سياسيا”، مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي تعرض لهزيمة ثقيلة في الانتخابات البرلمانية المبكرة، والرئيس الأميركي جو بايدن ويواجه صعوبات كبيرة في حملته لولاية ثانية. إضافة إلى ذلك، تمر الحرب في أوكرانيا بمرحلة محبطة لدول حلف شمال الأطلسي، التي أظهرت دعما هائلا لكييف في مواجهة الهجوم الروسي الذي بدأ في فبراير/شباط 2022.
وفي تحليل نشرته صحيفة لوس أنجلوس تايمز الأمريكية بعنوان “الاحتفال بمولد حلف شمال الأطلسي يأتي في وقت مظلم”، قالت الكاتبة الأمريكية لورا كينغ إن كل هذا يحدث في وقت تخشى فيه الحكومات الأوروبية و… زعماء الحكومات سيتحول لقاء الناتو إلى وقت مظلم حيث سيفوز المرشح الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية المقرر إجراؤها في نوفمبر المقبل. وفي فترة ولايته الأولى، اتخذ الرجل موقفاً مناهضاً لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، فيما وعد لدى عودته إلى البيت الأبيض بعدم احترام التزامات بلاده تجاه الحلف، بما في ذلك مبدأ الدفاع المشترك عن الدول الأعضاء.
وفي فبراير/شباط الماضي، قال إنه إذا واجهت دولة عضو في الناتو تخلفت عن التزاماتها المالية عدواناً من روسيا، على سبيل المثال، فإنه سيقول لروسيا: “يمكنك أن تفعل ما تريد”.
ومن الواضح أن الرئيس بايدن يستضيف القمة فيما يواجه دعوات من داخل حزبه الديمقراطي ومعسكر أنصاره للانسحاب من السباق الرئاسي والسماح بتقديم مرشح ديمقراطي آخر لمعارضة ترامب. في الوقت نفسه، تواجه فرنسا فوضى سياسية كبيرة بعد فوز اليسار المتطرف بالأغلبية في الانتخابات البرلمانية، التي جرت الجولة الأخيرة منها أمس، فيما جاءت كتلة يمين الوسط في عهد الرئيس ماكرون في المركز الثاني.
وفي بريطانيا العظمى، فاز حزب العمال المعارض بالانتخابات العامة التي جرت يوم الخميس وأطاح بحكومة حزب المحافظين. من ناحية أخرى، تعرض المستشار أولاف شولتز لصدمة خطيرة عندما احتل معسكر اليمين المتطرف المركز الثاني في الانتخابات الأوروبية التي جرت الشهر الماضي.
والأمر نفسه حدث مع رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو، الذي أصبح رئيسا للحكومة المؤقتة بعد فوز اليمين المتطرف بانتخابات البرلمان الأوروبي في بلاده. ومما يزيد الوضع سوءا بالنسبة لحلف شمال الأطلسي زيارة رئيس الوزراء المجري فيتكور أوربان، الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، إلى أوكرانيا، حيث دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى الموافقة على وقف إطلاق النار مع روسيا بموجب الشروط المقبولة. أولئك الذين يسببون هذا يقول الأوكرانيون إن هذا غير مقبول بالنسبة لهم.
ثم زار أوربان روسيا والتقى بالرئيس فلاديمير بوتين، وهي الزيارة التي أكدت أن الاتحاد الأوروبي لم يباركها. وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين على موقع التواصل الاجتماعي إكس: “الاسترضاء لن يوقف بوتين”.
وهيمنت هذه الأجواء الكئيبة على القمة، التي كان من المفترض أن تحتفل بانضمام السويد إلى التحالف بعد انضمام فنلندا، حيث وجدت الدولتان نفسيهما على خط المواجهة الأمامي في وقت توتر شديد مع روسيا.
سارعت دول الناتو إلى دعم أوكرانيا في الحرب ضد روسيا وزودت كييف بمليارات الدولارات من المساعدات العسكرية وغير العسكرية. لكن مع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، نشر المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، وهو مركز أبحاث أوروبي، دراسة موسعة لاتجاهات الرأي العام الأوروبي بشأن حرب أوكرانيا، أشارت إلى ظهور خلافات كبيرة حول كيفية التعامل مع الحرب. وهذا النهج لإنهاء الحرب قبل بدء قمة واشنطن.
وقال مارك ليونارد، المدير المؤسس للمجلس: “إن أحد التحديات الأساسية التي يواجهها القادة الغربيون سيكون التوفيق بين المواقف المتناقضة بين الأوروبيين والأوكرانيين بشأن نهاية الحرب، في حين يدرك الجانبان الحاجة إلى الدعم العسكري المستمر لدعم أوكرانيا”. وفي تعامل أوكرانيا مع العدوان الروسي، هناك فجوة كبيرة بينهما فيما يتعلق بتعريف النصر “والغرض الفعلي من الدعم الأوروبي لأوكرانيا”.
ويحدث نفس الشيء في الولايات المتحدة، حيث يتراجع الدعم الذي تحظى به أوكرانيا من جانب الشعب الأميركي والبرلمان. وبدأ عدد من زعماء الحزب الجمهوري، إلى جانب ترامب، في التشكيك في جدوى الاستمرار في ضخ مليارات الدولارات إلى أوكرانيا. ووجد استطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث في أبريل الماضي أن 31% من الأمريكيين يعتقدون أن الولايات المتحدة أنفقت أكثر من اللازم على الحرب في أوكرانيا، في حين كانت هذه النسبة 7% فقط في أوائل عام 2022.
كل هذا يشير إلى أن قمة الناتو في واشنطن تواجه تحديات صعبة ستطغى على أي أجواء احتفالية، سواء كان ذلك في الذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس الحلف الذي لعب دورا حاسما في الدفاع عن أوروبا الغربية ضد توسع الاتحاد السوفياتي السابق. أو أن تصبح السويد الدولة الثانية والثلاثين في الحلف، رغم تهديدات روسيا واعتراضات تركيا، إحدى الدول المؤسسة للحلف.