اللواء درويش حسن: معركة “المزرعة الصينية” تحولت من ثغرة للعدو إلى “فخ”
وبعد نجاح عملية المعبر وفي خضم المعركة أبلغت طائرات الاستطلاع الأمريكية إسرائيل بوجود فجوة بين الجيشين المصري الثاني والثالث.
واستخدمت إسرائيل هذه المعلومات لوضع خطة لعبور الضفة الغربية للقناة في 11 أكتوبر/تشرين الأول ومحاولة إحراز تقدم عسكري قبل صدور قرار متوقع لوقف إطلاق النار من الأمم المتحدة.
جاء ذلك على خلفية قرار القيادة السياسية المصرية تطوير هجوم 14 أكتوبر بهدف تخفيف الضغط على الجبهة السورية.
وأسندت هذه المهمة إلى الفرقة التي يقودها الجنرال أرييل شارون والتي تضم ثلاثة ألوية مدرعة بقيادة أمنون ريشيف وتوفيا رافيف وحاييم أريز ولواء مظلي بقيادة العقيد داني مات.
وكانت مهمة شارون الأساسية هي تأمين المحاور الأساسية التي ستتحرك عليها القوات والعتاد لتتقاطع معها، وهي محور “أكاويش” (طريق الطاسة – تل السلام) ومحور “طرطور” الذي تم فتحه قبل الحرب وإعداده. لنقل الجسور والمعدات الضخمة إلى نقطة العبور في ديفرسوار.
لكن الخطة الإسرائيلية واجهت عقبة كبيرة تمثلت في وجود قطاع اللواء 16 مشاة التابع للجيش المصري، والذي كان يراقب أجزاء كثيرة من محوري أكاويش وطرطور. وتمركزت الدفاعات الأمامية لهذا اللواء في الجزء الأخير من محور طرطور، لذا كان تدمير اللواء 16 مشاة واحتلال مواقعه الدفاعية من بين الأهداف الرئيسية لخطة تأمين معبر الدفرسوار.
ايجي برس التقى اللواء أ.ح. درويش حسن درويش من المشاة، الذي شارك في معركة المزرعة الصينية، وتحدث لنا عن تفاصيل المعركة وكيف تمكنت القوات المصرية من تحقيق نصر عسكري جديد وتحويل هذه الثغرة إلى ثغرة فخ كبير للإسرائيليين.
في البداية، أكد اللواء درويش حسن أن الإنجاز الأبرز في حرب أكتوبر هو الإعداد الجيد والدقيق، حيث أن التدريبات الصارمة التي خضعوا لها قبل الحرب جعلت المعركة أسهل مما توقعوا. وأوضح أن هناك قاعدة تقول: “العرق في التدريب يحفظ الدم في المعركة”.
وتدربت القوات في منطقة مشابهة لخط بارليف في قناة الخطاطبة، حيث تم بناء جدار ترابي ونقاط حصينة مشابهة للخط، وتدرب الجنود على عبور هذه النقاط واقتحامها وتدميرها، وهو ما كان التدريب بمثابة محاكاة لما سيواجهونه في القتال.
وعندما حان وقت الصفر الذي لم يعلن عنه إلا قبل ساعات قليلة، وكان اللواء درويش وقتها يحمل رتبة نقيب، جاءت الأخبار في الثانية عشرة ظهرا من يوم 6 أكتوبر عن قرار العبور وأن إشارة الانطلاق قد انطلقت. سيكون في الساعة الثانية بعد الظهر. تم شن الهجوم الجوي الناجح، تلاه إطلاق نار أولي ومسيرة مخططة للقوات. وكانت قوات المشاة أول من عبر قناة السويس وفق خطة عبور محددة على شكل أمواج موجهة، مؤكدا أن السبب الرئيسي للانتصار هو تجهيز المسرح والأفراد والعتاد، وكذلك كافة الاستعدادات التي تمت. التي قامت بها الدولة للحرب، والتي أسفرت عن انتصار سريع في الأيام الأولى من حرب أكتوبر.
وفي إشارة إلى معركة «المزرعة الصينية»، أوضح اللواء درويش أن المزرعة كانت عبارة عن قطعة أرض استأجرتها الحكومة المصرية في الخمسينيات لإجراء تجارب زراعة أراضي سيناء. وسميت “المزرعة الصينية” لأن الجنود الإسرائيليين عثروا على أدوات ومعدات مكتوب عليها باللغة اليابانية، فظنوا أنها صينية، فأعطوها هذا الاسم.
وأضاف أنه عندما قرر العدو الإسرائيلي إحداث ثغرات في معركة الدفرسوار، بدأ بسبر نقاط ضعف الجيش المصري من أجل اختراقها. وكانت هذه المعركة مصيرية بالنسبة للعدو، إذ بذل جهودا كبيرة وتكبد خسائر غير متوقعة، وكان له هدف سياسي يتمثل في تثبيت تواجد لقواته في هذه المنطقة الحيوية.
إلا أن القوات المصرية أبدت بطولة كبيرة، حيث فشل العدو في دخول “الـ16” بوحدات مدرعة. واصطدم العدو بالطرف الأمامي لدفاعات القوات المصرية وواجه حزامًا ناريًا كثيفًا حجبته نيران الجنود. وعندما فشلت محاولة اختراق اللواء 16 قام العدو باستدعاء لواء مظلي آخر لكن دون جدوى.
وأشار درويش إلى دور المشير محمد حسين طنطاوي قائد كتيبة المشاة السادسة عشرة في وقف إطلاق النار لإقناع القوات الإسرائيلية بالتقدم في المزرعة الصينية. وبالفعل تقدمت القوات الإسرائيلية حتى أصبحت في مرمى نيران القوات المصرية، ووجه الجنود كل أسلحتهم نحو المظليين، مما أدى إلى خسائر فادحة للعدو: مقتل المئات وتدمير عشرات الدبابات والآليات العسكرية.
الثغرة التي كان العدو يستهدفها لتحقيق النصر تحولت إلى فخ كبير، وأصبحت المزرعة الصينية مقبرة جماعية للجنود الإسرائيليين، مما أحدث صدمة كبيرة لقادة العدو مثل ديان وشارون. ورغم نجاته، إلا أن العقيد عوزي يايري، قائد المظليين، تعرض لآثار نفسية سلبية نتيجة ما حدث لقواته على أيدي أبطال الجيش المصري.