من الحصار إلى الدمار الكامل.. فيلم السبع موجات يرصد الحياة قبل 7 أكتوبر

منذ 2 شهور
من الحصار إلى الدمار الكامل.. فيلم السبع موجات يرصد الحياة قبل 7 أكتوبر

بدأت سينما زاوية بث الفيلم الفلسطيني “سبع أمواج” ضمن برنامج الأفلام الجديد لشهر أكتوبر. الفيلم هو فيلم وثائقي لأسماء بسيسو، تدور أحداثه على شواطئ بحر غزة وفي شوارع ومنازل المدينة. ويعتبر الفيلم الأخير الذي يؤرخ الحياة في غزة قبل أن تتحول إلى ركام في أكتوبر 2023، عندما غطت الدماء أحيائها، وغطى الحزن بحرها، إثر العدوان الإسرائيلي المستمر حتى يومنا هذا. هذه الصدفة حولت الفيلم من قصة الحصار والأحلام المحدودة إلى وثيقة عن حياة لن تعود أبداً.

يتتبع الفيلم في خطين زمنيين متوازيين، رحلة فتاة تتعلم التجديف وتحقق حلمها، وقصة صياد ومنقذ بحري قضى حياته في بحر غزة. في الدقائق الأولى، يبدأ الفيلم بأسطورة شعبية في غزة تشير إلى “أي طفل أو امرأة أو رجل يعاني من مشكلة صحية أو جسدية يغوص في بحر غزة سبع مرات متتالية ويشفى من مرضه”. هذه أسطورة تناقلتها الجدات عبر الزمن.

أصبح فيلم أسماء بسيسو عملاً فنياً أرشيفياً، أضفى عليه حزناً خاصاً يفوق رومانسيته وحزنه، إذ انتهى المخرج من تصوير الفيلم في شهر سبتمبر الماضي، قبل عملية “فيضان الأقصى” والهجوم الإسرائيلي على غزة. وهي سلسلة أدت إلى دمار وقتل وتشريد الآلاف.

دكتور. يقول نبيل طالب في كتابه “السينما الوثائقية والبرامج الوثائقية” إن “من أهم وظائف الفيلم الوثائقي توثيق الحقائق، مما يجعله وثيقة تاريخية مهمة على مر الزمن، ووظيفة التسجيل التاريخي هذه مفيدة” في ربط الحاضر والماضي وبين الأجيال المختلفة من خلال نقل التراث البصري”. وهذا بالضبط ما أصبح عليه فيلم بسيسو بعد شهر من إنتاجه.

سجلت بسيسو بكاميرتها شكل الشوارع والجدران وجدران المدارس والأبنية والمباني المقصوفة وبعض المنازل من الداخل وشكل الحياة العائلية في هذه المدينة التي تضم أكثر مما يتسع سكانها. تقول إحدى شخصيات الفيلم: “نعيش في المنزل مع 16 شخصًا: ولدي وأمي وأولادي وأخي وزوجته وأولاده”، وهو ما يوضح أسباب مقتل عدد كبير من الأشخاص في القصف هلكت حياة البيوت، لأنها تحملت أكثر مما تستطيع أن تتحمله.

ويروي المخرج قصة علاقة سكان قطاع غزة ببحر غزة وأحلامهم المرتبطة بها. تفتقر الفتاة المراهقة البسيطة إلى مهارات تعلم السباحة والتجديف. وتقول: “كان لدينا ساحة تدريب للفتيات، لكنها تعرضت للقصف خلال حرب 2012″، وتحاول الفتاة ووالدها التغلب على العقبات من خلال التعلم باستخدام مقاطع الفيديو المتوفرة على اليوتيوب. يتمتع الفيلم بلمسة نسوية حيث يسلط الضوء على نظرة الناس لها وهي تجري بجانب والدها أثناء ممارسة الرياضة الصباحية. وتضطر الفتيات إلى الاستيقاظ في الخامسة صباحاً للسباحة والتجديف أمام الحشود خوفاً من انتقادات ونظرات الآخرين. وهذا لا يعني أن الفيلم يركز فقط على وجهة النظر النسوية، لكنه يأخذ خطوطًا درامية أخرى أيضًا حيث يحكي قصة مجموعات من الأشخاص وتفاعلهم مع بعضهم البعض.

من خلال عيون المراهقة نرى البحر بأمواجه المتمايلة ومحاولاتها السيطرة عليه بالمجداف. نرى المدرسة في غزة، الجدران المنقوشة بكلمات مثل “السباحة”، وأشكال القوارب والمراكب الصغيرة، ومنزلهم البسيط ومحاولتهم صنع الحلويات من أبسط المكونات.

الشخصية الرئيسية الثانية في الفيلم هي المنقذ، وهو شاب فلسطيني بسيط يتقاضى مبلغًا بسيطًا مقابل عمله الخطير ولكنه يحب البحر ويستمتع به. فهو مصدر رزقه وطعامه وترفيهه ونزهة أولاده المفضلة. ومن خلال ذلك نرى معاناة العاملين في هذه المهنة مع المجتمع في غزة وانخفاض الرواتب التي يتقاضونها وأحلام الهجرة التي يسعون إليها. يشارك حلم الهجرة مع المراهق الذي يأمل في الذهاب إلى الألعاب الأولمبية أو المشاركة في المسابقات الدولية.

يأخذنا عامل الإنقاذ في جولة في غزة: البحر والصيد والمخاطر تحت السيطرة الإسرائيلية التي قد تؤدي في بعض الأحيان إلى الموت، جولات في أحواض السمك، المنازل المزدحمة بالأطفال في غزة، نزهات مسائية على الشاطئ ولحظات من الفرح والبهجة. الفرح والحزن مع الأصدقاء.

وبين لحظات السعادة والمرح، عاود بسيسو تصوير المباني والسفن والمراكب المتوقفة بأعداد كبيرة على الشاطئ بعد أن تضررت جراء القصف الإسرائيلي. ومن دون الخوض في أسباب هذا القصف أو الخوض في تفاصيل الأماكن المدمرة، فإن الصورة تكفي لتقرير النتائج. تحاول دائمًا تذكير المشاهد بأنه في غزة وأن المتعة لحظات تمر وقد لا تعود، وهذا ما حدث بالفعل. الصورة التي نقلتها تحولت إلى ذكريات لن تعود بعد استمرار العدوان. تلعب الكتابة على الجدران وألوانها دورًا مهمًا في اللغة البصرية للفيلم، والتي وثقتها بسيسو بالكاميرا.

أسماء بسيسو هي مخرجة أفلام ومستشارة إعلامية ومدربة حائزة على جوائز، تعيش وتعمل بين عمان وغزة. وفي عام 2008، شاركت في برنامج زمالة صناعة الأفلام الوثائقية بجامعة جورج واشنطن. كما شاركت في برنامج تدريبي سينمائي في جامعة جنوب كاليفورنيا والهيئة الملكية للأفلام – الأردن.

وفي عام 2009، أخرجت بسيسو فيلم “أنا غزة” الذي أخرجته أثناء العدوان الإسرائيلي، وفي عام 2013 حصلت على الدبلوم العالي في الإخراج السينمائي من معهد السينما في مدريد. وفي عام 2016، أنجزت فيلم “لسة عايشة” الذي يظهر اهتمامها بصناعة أفلام عن قطاع غزة.

وأهدت فيلمها “سبع أمواج” لوالدها وأرواح شهداء غزة، لتحدد نغمة النهاية بمشاهد وثائقية حقيقية للدمار الذي أصاب قطاع غزة بعد العدوان. تطور الفيلم من توثيق أحلام الشباب وعلاقتهم بالبحر إلى توثيق حياة لن تعود كما كانت مرة أخرى. وينتهي الفيلم لكن الأسئلة التي تدور في ذهن المشاهد لا تنتهي: “أين ذهب هؤلاء بعد العدوان؟ ومن منهم لا يزال على قيد الحياة؟ ومن أصبح الشهيد؟ إلى متى سيعيش هؤلاء الناس بمراحل من السيئ إلى الأسوأ؟


شارك