عام على طوفان الأقصى| هل أخطأت حماس في حساب “خطة اليوم التالي”؟
في 7 أكتوبر 2023، شنت حركة المقاومة الفلسطينية حماس هجوما مفاجئا على المستوطنات المحيطة بقطاع غزة، وأسرت عشرات المستوطنين الإسرائيليين. وقد حظي ذلك بتأييد واسع النطاق من قبل الجمهور الفلسطيني في ذلك الوقت، الذي اعتبر العملية بمثابة انتصار على القمع الذي تعرض له على مدى أكثر من سبعة عقود.
لكن بعد أن تسببت الحرب في قطاع غزة بدمار واسع النطاق وخلفت أكثر من 40 ألف شهيد فلسطيني، أغلبهم من النساء والأطفال، برزت تساؤلات حول ما إذا كانت حماس قد أخذت في الاعتبار عواقب هجومها على المستوطنات المحيطة بغزة.
واختلفت الآراء حول استعدادات حركة المقاومة الفلسطينية لليوم التالي لـ”طوفان الأقصى” ومدى استعدادها لتبعات الهجوم فيما يتعلق بالرد الإسرائيلي.
وفي هذا السياق، يقول المحلل العسكري والاستراتيجي السوري اللواء محمد عباس، إن أي عمل عسكري استراتيجي على مستوى “طوفان الأقصى” لا بد أن يأخذ في الاعتبار أحداث اليوم التالي لهجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر. 2023.
وأشار عباس في تصريحات لـ”ايجي برس”، إلى أن هذه الإجراءات تعتمد على جاهزية القوات المسلحة والوسائل اللوجستية وكل ما يتعلق بالتحضير العسكري للعملية، وأيضا على تهيئة البيئة الاجتماعية لـ”الشعب الفلسطيني” في المنطقة. وتعتمد غزة على ضمان عدم حدوث انقسامات داخلية أثناء العملية.
ويؤكد الخبير الاستراتيجي أن حماس أخذت في الاعتبار إمكانية نشوب حرب طويلة الأمد ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي في خططها لليوم التالي للعملية، لكن حجم حملة الدمار والإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين ربما لم يتم أخذها في الاعتبار وتشير رواية القيادة السياسية والعسكرية للحركة إلى أنها ظلت صامدة حتى يومنا هذا بفضل الدعم الشعبي في مواجهة العدوان، خاصة أنها تقاتل بمفردها وسط الصمت العالمي على المجازر والانتهاكات التي يرتكبها الاحتلال.
في المقابل، يقول صلاح العواودة، الباحث المتخصص في الشأن الفلسطيني والإسرائيلي، إنه من الواضح أن هناك خطأ في عملية “طوفان الأقصى”. المقاومة ليست مناسبة لأنها صراع غير متكافئ، وحركة المقاومة الفلسطينية “حماس” بقدراتها المحدودة تمثل الطرف الضعيف، غير صالحة للقيام بهجوم استراتيجي مثل الذي حدث في 7 أكتوبر من العام الماضي.
وأشار العواودة في حديثه لـ”ايجي برس”، إلى أن الصراع ولو كان متساويا، يحتاج إلى خطة لاستكمال الحرب وإنهائها، مستشهدا بالمواجهة بين الجيشين المصري والإسرائيلي في حرب أكتوبر كمبرر لحرب 1973. إن قرار الانتشار في حركة حماس يستند إلى تقييمات غير صحيحة للموقف الإسرائيلي، وعدم وجود خطة لديهم لليوم التالي.
وأكد العواودة أنه على الرغم من صحة تقييمات أصحاب القرار لعملية طوفان الأقصى، إلا أنها لا تزال غير واضحة أو لم يتم إيصالها للرأي العام: “لا أحد يعرف حتى أهداف الحرب… وكذلك نحن. وأضاف “لم أسمع عن خطط قادة حماس الذين استشهد معظمهم بالطبع، ومن بقي على قيد الحياة لا يمكن الوصول إليه للسؤال”.
وقالت العواودة إنها تساءلت مع العديد من المحللين عما إذا كانت حماس تتوقع هذا الرد الإسرائيلي وما هي الخطة.
وإلى جانب العواودة فإن مستشار الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية اللواء عادل العمدة يؤكد أيضا صراحة أن حماس ليس لديها خطة لفترة ما بعد 7 أكتوبر، مستشهدا بالقصف الإسرائيلي وما نتج عنه من خسائر. ولا تزال مستمرة، وأن الحركة لم تظهر أي بوادر على وجود خطة في اليوم التالي لعملية فيضان الأقصى.
كذلك، يشير طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إلى أن الأحداث التي تشهدها ساحة المعركة منذ 8 أكتوبر أظهرت خسائر فادحة وعدم وجود خطة سياسية، كما يؤكد الدخول في مواجهة مباشرة مع جيش الاحتلال الإسرائيلي. افتقار حماس إلى خطة كاملة في ظل التفاوت في القدرات العسكرية.
ويؤكد فهمي أن حماس نجحت عسكريا في نقل القتال إلى قلب إسرائيل لأول مرة في التاريخ وكسر الحاجز النفسي، لكنها خسرت بعد ذلك سياسيا لأنها لم تكن لديها رؤية في المشهد العسكري حققتها لاستثمارها في اليوم الأول من العام. الحرب التي أعطت للطاقم فرصة جيدة لمهاجمة القطاع وتدميره بالكامل.
“طوفان الأقصى”.. فخ إسرائيلي!
ويعتقد المحلل العسكري والاستراتيجي السوري اللواء محمد عباس أن الاحتلال الإسرائيلي ومؤسساته كان على علم بما يخطط له في غزة، لكنه فوجئ بحجم وحجم الهجوم.
وفي منتصف يونيو/حزيران الماضي، كشفت وثيقة مسربة أن جيش الاحتلال والمخابرات الإسرائيلية كانا على علم بذلك قبل ثلاثة أسابيع من هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، بحسب هيئة البث العبرية.
ويشير عباس إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي “استثمر جيدا في تداعيات فيضان الأقصى”. ومن خلال تضخيمه للخسائر أمام الرأي العام العالمي من أجل الظهور بمظهر “الضحية” وحشد أقصى قدر من الدعم والمساعدة: “فتحت المروحيات والدبابات الإسرائيلية النار على الإسرائيليين في مستوطنات قطاع غزة في 7 تشرين الأول/أكتوبر بهدف “لزيادة خسائر المستوطنين الإسرائيليين”.
وبحسب تحقيق نشرته القناة 12 العبرية، ففي 19 كانون الأول/ديسمبر، قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي منزلا كان يقيم فيه مستوطنون إسرائيليون وعدد من المقاومين. كما أكدت تصريحات قائد دبابة إسرائيلية أنهم قصفوا عمدا بعض المستوطنات في 7 أكتوبر/تشرين الأول.
هل يلوم الفلسطينيون حماس؟
يؤكد المحلل العسكري السوري اللواء محمد عباس أن “طوفان الأقصى” كان حدثا استراتيجيا في تاريخ المنطقة برمتها، حيث تمكنت فصائل المقاومة الفلسطينية ممثلة بحركة حماس في 7 أكتوبر من خداع المخابرات الإسرائيلية والعسكرية والنظام الأمني بما يمتلكه من أدوات وتقنيات: «فوجئ الإسرائيليون بمستوى الاستعداد والحضور والشجاعة والإقدام والتحضير القتالي الذي أظهرته المقاومة الفلسطينية».
من جانبه، يزعم العواودة أن الشارع الفلسطيني ما زال يؤيد المقاومة بشكل كبير، معتبرًا الهجوم صائبًا ومناسبًا، لكنه يلقي باللوم على بقية الحركات الفلسطينية التي لم تنضم إلى عملية المقاومة، مشددًا على أن أحدًا من الفلسطينيين لم ينضم إلى عملية المقاومة. “إلقاء اللوم على حماس نفسها في الهجوم”.
وأشار إلى أنه مقابل الالتفاف حول المقاومة في غزة، يوجه الفلسطينيون انتقاداتهم للسلطة الفلسطينية، ممثلة بحركة فتح، وبعض حركات اليسار الفلسطيني.
حساب الربح والخسارة
وعن المقارنة بين الأرباح التي ربما حققها “طوفان الأقصى”، يقول العواودة إنه لا يزال من المبكر احتساب الأرباح والخسائر، فالحرب لم تنته بعد وجيش الاحتلال على وشك القيام بذلك الحرب في لبنان: «من الصعب الحديث عن نجاحات المقاومة التي كانت واضحة للعيان في غزة. لكن العواقب طويلة المدى للحرب في المنطقة ترقى إلى اختفاء المقاومة أو الاحتلال.
لكن على الرغم من الثمن الباهظ الذي دفعه الشعب الفلسطيني والمقاومة في غزة، استعادت القضية الفلسطينية الزخم الذي كانت مفقودة على المستوى العالمي منذ سنوات: “إن حساب الربح والخسارة على المدى القصير سيكون غير عادل للمقاومة. “… وبشكل عام، في الثورات والصراعات غير المتكافئة، يتم الحساب على أساس المدى الاستراتيجي وليس المدى المحلي، لأن الثورات كانت دائماً ضحية الإبادة الجماعية والمجازر”.
وأضاف الباحث الفلسطيني: “لو كانت الثورة الجزائرية محسوبة والفرنسيون يرتكبون مجازر عام 1945، لتعرض الثوار للهجوم، لكن في النهاية نالت الجزائر استقلالها، كما فعلت فيتنام. وهم خير دليل على ذلك”، ويؤكد أن الحسابات تتم على أساس النتيجة النهائية وبعد سنوات طويلة من التضحيات، وليس في بداية الحرب أو في منتصفها.
في حين يوضح مستشار الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية اللواء عادل أن النجاحات التي تحققت عبر “طوفان الأقصى” لم تسفر عن نتائج إيجابية، فالتصريحات الغربية المطالبة بوقف إطلاق النار ليست أكثر من تصريحات دبلوماسية. وفي الوقت الذي تتوسط فيه الولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق بين حماس وإسرائيل، فقد استخدمت مرارا وتكرارا حق النقض الذي تتمتع به ضد قرارات مجلس الأمن بشأن الحرب.
ومن وجهة نظر فهمي فإن السؤال لا يدور حول ما إذا كان ما فعلته حماس إيجابيا أم سلبيا، بل يدور حول المكاسب والخسائر التي نتجت عن العملية وأيها زاد في العام الماضي، فكل النجاحات التي تحققت حتى الآن تحققت.
ويعزو فهمي الأسباب إلى عدة اعتبارات، من بينها تدمير قطاع غزة بشكل كامل وتقسيمه إلى مناطق منفصلة، بحيث لم يعد القطاع موجودا بشكله القديم؛ وبعد إزالة الأنقاض وإعادة تأهيل البنية التحتية، تستغرق عملية إعادة الإعمار سنوات ويمكن أن تستغرق ما بين 8 إلى 10 سنوات.
وأشار أستاذ العلوم السياسية إلى أن حماس تمكنت من إدارة المعركة سياسيا بعد أن حققت نجاحات عسكرية خلال عملية طوفان الأقصى، والتي لم تتم رغم عملها العسكري غير المسبوق وأسفرت عن خسارة سياسية، وأكد أن حماس لم تفعل هذا. لم يكن لديها خطة لليوم التالي للجراحة.
ويرى أن حركة حماس أعطت الزخم اللازم للقضية الفلسطينية على حساب الخسائر التي منيت بها غزة، حيث خسر الفلسطينيون القطاع وكل ما فيه، خاصة في ظل الانقسام القائم على مستوى الدولة بين الفصائل الفلسطينية. وحركتي حماس والجهاد الإسلامي من جهة، والسلطة الفلسطينية ممثلة بحركة فتح وبقية الفصائل من جهة أخرى.
وأضاف: “بشكل عام، القضية الفلسطينية انتصرت معنويا من خلال إعادة طرحها أمام الرأي العام الدولي، خاصة بعد موجة الاعتراف الدولي (بالدولة الفلسطينية)، لكن في المقابل خسر الفلسطينيون غزة واستمر الانقسام الداخلي، وخسر الفلسطينيون غزة، واستمر الانقسام الداخلي، لقد دخلت المقاومة الفلسطينية إلى قبو أسود نخشى أن يستمر لسنوات عديدة قادمة”.
العودة إلى “نقطة الصفر”
وبينما يرى العواودة أن حركة المقاومة الفلسطينية “حماس” أنجزت مهمتها، فإنها خسرت “جيش القسام” وأصبحت تعتمد على مجموعات صغيرة استمرت في المقاومة.
وأوضح أنه في صراع غير متكافئ، لا يمكن الاعتماد على نتائج حماس، لأن الصراع الشامل بين الطرفين لا يزال في بداياته.
وأشار الباحث الفلسطيني إلى أن وسائل الإعلام العبرية تقول إن حماس لم يعد لديها جيش وهذه حقيقة. وفي النهاية، لا يليق بالمقاومة أن يكون لها جيش والقوة، وسبب المقاومة هو أنها لا تملك جيشاً.
وأوضح أن إنشاء جيش في صراع غير متكافئ يعني تعريض الطرف الضعيف للموت والدمار، إذ يجب أن يكون له مواقع ومعسكرات وتحصينات تكون عرضة بسهولة لهجوم العدو: “الآن عادت المقاومة إلى طبيعتها”. الدولة هي عمل العصابات.”
إلى ذلك، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، إن حماس فقدت بنيتها العسكرية بشكل شبه كامل، حيث فقدت نحو 80 بالمئة من قوتها وقدراتها العسكرية، الأمر الذي سيستغرق سنوات طويلة حتى تعود حماس إلى ما كانت عليه قبل أكتوبر/تشرين الأول. السابع، وهذا ينطبق بالطبع إذا سمحت بذلك. وتنطبق هذه الشروط على خلفية التواجد العسكري الإسرائيلي في الموقع.
لكن رئيس البلدية يرى أنه لا يمكن لأحد أن يقول على وجه التحديد حجم الخسائر التي منيت بها حركة المقاومة الفلسطينية على المستوى العسكري العام الماضي بسبب السرية التي تحيط بقدراتها العسكرية.
ويشير إلى أن تراجع حجم العمليات العسكرية التي تقوم بها «حماس» ضد جيش الاحتلال يعتمد على الأطراف الداعمة للحركة وكمية الإمدادات التي تتلقاها خلال الحرب، سواء من خلال شراء «عملاء إسرائيليين» أو طرف آخر، وهو أيضًا عملية تتم في الخفاء ولا يُعرف حجمها أو نوعيتها. وأضاف: “هناك فرق كبير بين دولة تصنف كقوة عسكرية عالمية وتمتلك القدرات والإمكانات، وبين جماعة مسلحة لا تعرف أسلحتها”.
كما أن تخلي إيران عن محور المقاومة يشكل سبباً رئيسياً لنوع العمليات العسكرية ضد إسرائيل. ويقول العمدة إن حماس أطلقت قبل أسابيع وابلا من الصواريخ على أماكن في المناطق الداخلية المحتلة من البلاد، لكن مثل هذه العمليات توقفت الآن بشكل شبه كامل.
لكن العواودة يؤكد أن المقاومة لم تنفذ عملية طوفان الأقصى بناء على وعود إيرانية، معتبراً أن طهران فوجئت بالهجوم لأنها كانت ستقاومه لو أنها فعلت ذلك قبل 7 أكتوبر لعلمت به. .
“اليوم التالي” للسنة الأولى من الحرب
وعن الخطوة التالية لحماس، يقول العواودة إن هذه الفكرة غير موجودة في هذه المرحلة، مشيراً إلى أن الأمر يتعلق بمحور المقاومة برمته وليس حماس فقط، فهي فعلت ما عليها وما زالت ثابتة.
ويستبعد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن تحقق حركة حماس أي مكاسب سياسية خلال الفترة المقبلة، لافتا إلى أنه ستكون هناك حكومة عدوانية ستعمل على استكمالها في حال فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب بالانتخابات الأمريكية في نوفمبر المقبل. الخطة الإسرائيلية: “لا نتوقع أي شيء جيد من إدارة ترامب أيضًا”. “نحن نختار بين السيئ والأسوأ، بغض النظر عما إذا كانت حكومة ديمقراطية أو جمهورية”.
وشدد فهمي على أنه من الضروري أن تقوم فصائل المقاومة الفلسطينية بإعادة بناء قدراتها في غزة والضفة الغربية، لكن ذلك سيستغرق سنوات طويلة في ظل الاضطهاد الإسرائيلي لعناصرها، بحسب فهمي.
وفي النهاية، أكد رئيس البلدية أن عمليات “الكر والفر” التي تقوم بها حماس ضد قوات الاحتلال التي تغزو غزة كانت طبيعية بالنظر إلى القدرات العسكرية الإسرائيلية. لذلك اتبعت استراتيجية حرب العصابات.