عام من طوفان الأقصى.. هل خذلت إيران أذرعها في المنطقة؟
منذ بداية ما يسمى بجبهة الدعم في المنطقة في 8 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، والتي أعلن عنها حزب الله وانضم إليها لاحقاً عدد من الأسلحة الإيرانية في المنطقة في إطار القتال بهجمات وعلى نطاق معين، لم تقم إيران بأي شيء لذلك يتدخلون بشكل مباشر في هذه الحرب، لكنهم يكتفون بدعم الجماعات الموالية.
لكن الشكوك حول استمرارية تدفق هذا الدعم بدأت تظهر في الآونة الأخيرة، خاصة منذ تصريحات إيران بأنها لن ترسل قوات إلى لبنان في أعقاب الهجمات على حزب الله ومقتل الطبقة الأولى والثانية والثالثة من قادته بعد فترة وجيزة من ذلك. بدأت العمليات العسكرية الإسرائيلية في جنوب لبنان، وأسفرت عن انفجارات خلال يومين تحت قيادة زعيمها الرئيسي حسن نصر الله.
هل تخلت إيران عن أسلحتها؟
“إيران مستعدة لإلقاء سلاحها” كان ذلك جزءا من كلمة الرئيس الإيراني مسعود بيزشكيان خلال كلمته أمام الأمم المتحدة في نيويورك قبل اغتيال نصر الله، والتي أكد فيها استعداد طهران لإلقاء سلاحها إذا قامت إسرائيل أيضا. يلقي أسلحته ليبدأ صفحة جديدة.
ورأى البعض أن خطاب بيزشكيان، الذي ينتمي إلى التيار الإصلاحي ويختلف في توجهه عن سلفه إبراهيم رئيسي، يعد بمثابة توقيع على قرار اغتيال نصر الله، لأنه أعطى انطباعا لدى الولايات المتحدة وإسرائيل بأن التحرك الإسرائيلي شجاع ولن يكون كذلك. ستقابل برد من إيران، بحسب الباحث في الشأن الإيراني د. محمد عبادي في تصريحات خاصة لـ”ايجي برس”.
غير أن عبادي أكدت أن إيران لم تتخل عن أسلحتها في المنطقة وعلى رأسها حزب الله الذي ينظر إليه على أنه “ميزان” إقليمي بالنسبة لطهران. وليس ذلك بسبب رغبته في تولي ما يسميه محور المقاومة. لكن لأنها ترى في هذه الأسلحة حصنا ضد أي هجوم إسرائيلي أو غربي، وتقول إن المعادلة الدولية بين الولايات المتحدة وإسرائيل كانت دائما هي أنه إذا تعرضت العمق الإيراني لهجوم بهجمات بالأسلحة النووية والصواريخ وغيرها. أو ستضع المنشآت الباليستية عشرات الآلاف من الصواريخ على حيفا وتل أبيب بضغطة زر واحدة، ولهذا السبب احتفظت إيران بأسلحتها في المنطقة.
وعلى الصفحة نفسها، رد جوست هلترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمجموعة الأزمات الدولية، على سؤال ايجي برس حول ما إذا كان من الخطأ الرهان على إيران بأسلحتها، بالقول إن أسلحة إيران موجودة هناك منذ البداية كان من الممكن أن تكون موجودة. ويعتقدون أن قرارهم بالاعتماد على الجيش الإسرائيلي في قرار الدخول في الحرب كان صحيحاً.
وأشار هلترمان إلى أن القوات المسلحة الإيرانية في المنطقة تريد إقامة حالة من التوازن بين الحفاظ على محور المقاومة والقيام في الوقت نفسه بهجمات غير قاسية ضد إسرائيل في المنطقة لمدة عام كامل من أجل منع تفشي الإرهاب. أن اختيار استراتيجية مختلفة بالنسبة لإسرائيل غيّر الوضع برمته.
وتتجلى رغبة إيران في الاحتفاظ بأسلحتها دون توسيع الصراع في ضوء تصريحات الرئيس الإيراني الأخيرة بشأن الحوثيين في الأمم المتحدة، والتي برأ فيها بلاده من المسؤولية عن هجمات الحوثيين، قائلا إنهم لم يستمعوا لأوامر الحوثيين. الحكومة الإيرانية رغم تمثيلها لطهران في الشرق الأوسط. واتهمهم بالرغبة في توسيع الصراع دون العودة إلى إيران التي قال إنها اتخذت موقفا مختلفا عنهم.
هل تمكنت إيران من استعادة صورتها؟
وبعد عملية “الوعد الحقيقي 2″، التي استخدمت فيها طهران نحو 200 صاروخ في هجوم، وهو الثاني من نوعه على إسرائيل، تم بحث ما إذا كان الهجوم ممكنا وما إذا كان سينجح في تحسين صورة إيران وسمعتها في المنطقة من أجل استعادتها. وفي هذا السياق يقول جوست هلترمان إن الهجوم الإيراني الأخير على إسرائيل استطاع أن يحقق النجاح من خلال إعادة تأكيد قدرة إيران على مواجهة تل أبيب ومواجهة إسرائيل وإرسال رسالة ملموسة: “لا توخز الدب كما قال”.
وأشار هلترمان إلى أنه لا يزال يتعين علينا أن نرى إلى أي مدى يمكن لإيران الصمود في حرب التصعيد مع إسرائيل إذا أرادت إسرائيل القيام بذلك. لكن ما إذا كان الناس مقتنعون بالرد الإيراني يختلف، كما أضاف هلترمان، بالنسبة لمن يراقبه، إذ أن النظام الإيراني مقتنع بالهجوم، لكن إسرائيل ليست مقتنعة بالهدف من الهجوم، على حد تعبيره.
شكل اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس إسماعيل هنية في طهران حدثا صادما، خاصة وأن النظام الإيراني كان يتحدث عن تغيير موازين القوى في المنطقة بسبب رد الفعل الإيراني الوشيك على ذلك. لكن مرت أشهر دون أن تتخذ إيران أي إجراء ملموس للرد على انتهاك سيادتها على بلادها. هذا هو اغتيال الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر في جنوب لبنان، والذي ردت عليه إيران بشكل مباشر.
ما قاله الباحث د. أما محمد عبادي فيرى أن طهران تحركت ليس لاستعادة صورتها، بل لإيصال رسالة مفادها أن الهجوم المقبل سيحدث في قلب إيران وسيستهدف منشآتها النووية والاستراتيجية. إن لم يكن الزعيم الإيراني نفسه، وخاصة بعد أن تمكنت إسرائيل من تدمير قسم كبير من البنية التحتية، فإن المقاومة الفلسطينية تحركت شمالاً، واستهدفت القيادة المركزية للحزب وشنت عملية برية في جنوب لبنان.
من ناحية أخرى، قال الباحث المتخصص في الشأن الإيراني د. واعتبر هاني سليمان أن الهجوم الإيراني الأخير لا يمثل مجمل الهجمات التي تتعرض لها إيران منذ أشهر ومنذ بداية العدوان على قطاع غزة، لافتا إلى أن الهجمات المتتالية التي تعرضت لها إيران مثل واغتيال هنية والعديد من الهجمات الأخرى على ذراعه الرئيسي، حزب الله، في الضاحية الجنوبية، واغتيال زعيمه الأبرز حسن نصر الله، كان يتطلب رداً أقوى من ذلك.
وعلى الرغم من أن إيران بررت دائما ردها المتأخر على الهجمات الإسرائيلية بضبط النفس، إلا أن د. لكن سليمان لا يفعل ذلك، لأن الصمت الإيراني هو أحد أسباب استمرار البلاد في تلقي الهجمات واستهداف قادة الأسلحة. وأوضح أن حالة الانفلات الأمني الإيراني والتردد المفرط في اتخاذ القرار شجعت إسرائيل على شن الهجمات، حيث أرسلت طهران رسالة من خلال صمتها بأنها لا تنوي توسيع الصراع وأنها تستخدم أسلحتها فقط لابتزاز واشنطن. وتل أبيب الذي يحاول تحقيق مكاسب في مجالات أخرى تخدم مصالحه الخاصة، بعيد كل البعد عن محور المقاومة، على حد تعبيره.