مصطفى الفقي يكتب: حرب بلا سقف.. دولة بغير حدود!
نعم إنها إسرائيل ذلك الكيان الغريب الذي ظهر في القرن العشرين ليطرح على البشرية سؤالا مهما عن طبيعة التعايش بين الأمم والشعوب. لم يعرف المجتمع الدولي ما فعلته إسرائيل في العقود الأخيرة بحق السكان الأصليين الذين لهم حقوق وأرض في فلسطين، غير ما فعله المستعمر الأمريكي أو الإنسان عموماً في حرب الإبادة ضد الهنود الحمر، التي مارستها إسرائيل كل أنواع الوحشية والعدوان واللجوء إلى كل أشكال العنصرية ضد العرب بطريقة غير مشروعة لا نكاد نعرف لها اسما بديلا لكلمة إبادة جماعية للإنسانية. وهي تستخدم في ذلك كافة الأساليب والوسائل لبث الرعب حول نفسها وتفهم الإرهاب بمعناه الأوسع على أنه أسلوب للقمع والتنكيل والترهيب، وتمارس كافة أنواع العدوان في البر والجو، ولا تتردد في القتل. الأطفال والنساء وتنفيذ عمليات اغتيال بدم بارد، بالإضافة إلى محاولتها الاستهزاء بالشرعية الدولية والاستهزاء بالعادات والقواعد، كما أنها لا تتوانى عن إهانة أعلى مسؤول دولي وهو الأمين العام للأمم المتحدة بانتهاكها والقوانين التي أصدرها المجتمع الدولي لضبط العلاقات بين الدول والشعوب. إنها حقاً تخوض حرباً بلا حدود، وتتقدم على طريق غير مسبوق من سفك الدماء والتمثيل بالجثث والاعتداء على النساء والأطفال والشيوخ. ولا يردعها أي رادع، ولا يهمها القوة، لأنها تدعمها أقوى قوة في عصرنا، وأعني بها الولايات المتحدة الأمريكية، التي تعتبر إسرائيل جزءا لا يتجزأ منها، باعتبارها دولة. كيان مرتبط به ويرون فيه الابن المدلل الذي يحق له أن يفعل ما يريد ويفلت من العقاب لأن أمه تغطيه بما نسميه الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن، وهنا تتجاوز إسرائيل الأعراف والأعراف. يطور المواقف. وكان هذا جديدا ولم يكن شائعا في الحروب أو النزاعات المسلحة، لكنها ترى أن استخدامه له ما يبرره – وأعتقد أنه شائع أيضا في الوطن العربي بنفس المعنى – وتقول: “الغجرية سيدة جيرانها” جرائمه الشنيعة وأفعاله غير المتوقعة والرغبة المتأصلة في الانتقام ممن يقودونه، إلى جانب إراقة الدماء الواضحة والرغبة الواضحة في تدمير الناس وتشويه الجثث وتحويل المدن إلى أنقاض. لقد تحولت المنازل والمدارس والمستشفيات إلى أنقاض، وزرعت أشجار الكراهية في البيئة الفلسطينية، حتى يتساءل المرء كيف سيكون التعايش في المستقبل بعد كل هذه الجرائم الإسرائيلية التي نشهدها اليوم؟! وأود هنا أن أعرض، بكل حيادية وموضوعية كاملة، بعض الملاحظات المتعلقة بما حدث ويحدث في منطقة الشرق الأوسط:
أولاً: لم أتفاجأ كثيراً عندما رأيت نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي يقدم خريطة جديدة للشرق الأوسط في خطابه أمام الأمم المتحدة، وكأنه أعظم مهندس في الكون يعيد تنظيم الشرق الأوسط ويأمره. فالظروف تتوافق مع أجندة إسرائيلية لم تختف قط، فهي التي طرحت شعارها الزائف (دولة إسرائيل من الفرات إلى النيل). ولذلك فهو يبني جرائمه ضد الشعب الفلسطيني على دول الجوار، بدءاً من لبنان المذموم الذي تمزق أطرافه الطائرات الحربية والمقاتلات والمدرعات البرية، في مواجهة التوجه التوسعي والرغبة المجنونة في التوسع. دمروا كل شيء، الناس والحجارة، بما في ذلك الكنائس والمساجد، لأن إسرائيل لديها ابن ضال وتدفع ما يسمى بجيش الدفاع إلى الهجمات الخبيثة والقتل المستمر، لكن جرائم إسرائيل توسعت بشكل هائل ولم تتوقف أبدا. بل إن عدوانهم وصل إلى قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، فأطلقوا عليهم زخات الموت كإهانة. وهذا يمثل، وأستطيع أن أدعي هنا، أن إسرائيل لديها أطماع أرضية، ليس فقط في فلسطين، وبالتالي في لبنان، بل إنها كذلك. وتمتد الأحلام في الواقع إلى الأردن وسوريا والعراق لتثبيت دعائم دولة العدوان ووحدة الاستبداد بعد أن كان العرب على وشك القبول بدولة إسرائيل بشرط الاعتراف بحقوق الفلسطينيين المشروعة وقيام دولتهم المستقلة. على ترابها الوطني، لكن إسرائيل لا تريد ذلك على الإطلاق، بل تتجنبه من أجل كسب الوقت واستقرار الوضع على الأرض حتى تتمكن من خدمة ورقتها المزعومة. ولذلك تستغل كل فرصة وتخترع الأسباب لتزعم أن لها يداً طويلة قادرة على اختراق أي مكان في الشرق الأوسط، كما يعبر وزير دفاعها في تصريحات علنية عما تردده للشعوب من ترهيب وترويع وإرهاب وإخضاع. المجتمعات.
ثانياً: على إيران والدولة والثورة أيضاً أن تدرس دورها في المنطقة. فإذا كانوا يريدون بصدق دعم القضية الفلسطينية، فإن ذلك لا يمكن أن يحدث إلا من خلال الدعم السياسي المفتوح واستغلال دورهم في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية. إسرائيل وعملائها بما يخدم المصالح الفلسطينية، لأن فتح ساحات جديدة للمواجهة قد يؤدي إلى توسيع حجم هذه الحرب الإقليمية ومحاولة طمس الهوية الفلسطينية في إطارها العربي. وهذا أيضاً يتطلب بالضرورة التحريض. كما أن الصدامات والانقسامات الطائفية على المستويين العربي والإسلامي تؤدي أيضاً إلى صراعات فرعية على الساحة الفلسطينية، إذا نظرنا إلى حجم الدمار والخراب الذي حدث في منطقة غزة والضاحية الجنوبية. في بيروت وغيرها من المناطق اللبنانية والفلسطينية، أصبح واضحاً لنا على الفور أن إسرائيل لا تسعى أبداً إلى السلام ولا تقبل التعايش، بل تريد البقاء في المنطقة من خلال القمع والدمار والعدوان. ومن ناحية أخرى نرى أن إيران أيضا لديها مشروعها الخاص المستفيد من القضية الفلسطينية من خلال تكريس وجود الدولة الفارسية على الحدود الشرقية للعالم العربي، وأعتقد أن الدبلوماسية الإيرانية تحاول أن تكون الشرطي الوحيد في هذا الأمر. وستكون المنطقة في منافسة مفتوحة مع الدولة العبرية وسيصبح العرب بينهما فعلاً مثل الأيتام على مائدة الخسة! أنا لا أدعي أن التهديد الإيراني يساوي التهديد الصهيوني لشعوب المنطقة العربية، ولكن أدعي أن لكل منهما أجندة مختلفة ولكنهما يجتمعان في الهدف ويسيران على نفس الطريق وهو احتواء الشعوب. المنطقة يحققونها ويقودهم إلى أهداف تتفق مع أهداف إسرائيل أو إيران. شاهدت مؤخراً مقابلة مع شاه إيران الأخير تحدث فيها عن مستقبل المنطقة والدعم الأميركي المطلق لإسرائيل، مؤكداً أهمية إيران كدولة أمام نفوذ إيران الثورية.
ثالثا: إن الوضع الدولي الراهن وتشابك المشاكل المحلية والإقليمية يجعل من الصعب التخلص من الوضع الذي نجد أنفسنا فيه، وأن نفتح أمام أجيالنا القادمة إمكانية المواجهة المستمرة مع الاستعمار السرطاني القائم على الأرض. يتسع صدر الشعب الفلسطيني وتأتي شعوب الجوار لتتفرغ شعوب المنطقة للبناء والتنمية بعد استهلاكها. إن الحروب والصراعات العسكرية لا تتم إلا بوجود إرادة عربية قوية وإرادة وطنية تدرك أن المخاطر تحيط بالجميع وأن مسلسل سفك الدماء في المشرق العربي لن ينتهي إلا بتغيير جذري واحد في الفكر الإسرائيلي مع الاعتدال اللازم. في سياسات الولايات المتحدة الأمريكية حتى تعترف بأن انحيازها المطلق ضد إسرائيل يمثل جريمة خطيرة بحق شعوب هذه المنطقة، لأن سياسة المعايير المزدوجة والمعايير المزدوجة أصبحت واضحة للجميع، حتى على الجميع. الشعوب الغربية نفسها التي رأيت تظاهراتها بعشرات الآلاف في شوارع لندن في زيارتي الأخيرة دعما للشعوب العربية التي تتعرض أجيالها لضغوط هائلة من الاستعمار والعنصرية ومحاولات سرقة الشعوب والأوطان لاحتلالها. ، للعيش.
وهذه قراءة فعل غريب وعجيب لا يضع حداً للحرب ولا يضع حداً للعدوان. وفوق كل شيء، فهي تخفي طموحاتها التوسعية بخريطة زائفة ومعلومات كاذبة وحروب متواصلة.