الشروق ترصد أهوال ومآسي الحرب بالمناطق المحررة من الدعم السريع في مدينة بحري بالسودان

منذ 1 شهر
الشروق ترصد أهوال ومآسي الحرب بالمناطق المحررة من الدعم السريع في مدينة بحري بالسودان

– البشير: عشنا في الذل والمهانة وأخفيت بناتي خوفا من اغتصابهن. لقد أُصبنا بالملاريا لأننا شربنا الماء المالح. – الحاجة زينب: رجال الميليشيات ضربوني وطاردوني من منزل إلى آخر لإبعادي وأحفادي الستة – أميمة: “الدعم السريع” سرقوا أموالنا.. وأطلقوا النار على كتفي وقالوا كذبت.

 

 

تصوير: سويد سيف الدين

 

 

وأطلق الجيش السوداني، في الأسبوع الأخير من الشهر الماضي، عملية عسكرية موسعة متعددة المحاور في عاصمة المثلث “الخرطوم والخرطوم بحري وأم درمان” ضد مليشيا الدعم السريع التي سيطرت على أجزاء واسعة من هذه المناطق منذ بدء الحرب. في 15 أبريل 2023 .ولأول مرة منذ أكثر من عام ونصف، تغيرت خريطة السيطرة على الأراضي في السودان، خاصة في مدن العاصمة، حيث زادت المليشيات من تواجد قواتها للسيطرة على توازن الدولة السودانية كما نقطة انطلاق لبقية مدن اللاندز استغلت مكانتها ضمن القوات المسلحة النظامية من خلال إشراك قواتها في تأمين العديد من المناطق الحيوية والاستراتيجية في العاصمة منذ اللحظات الأولى للمعركة. ومن أبرز المدن التي تسيطر عليها مليشيا الدعم السريع مدينة بحري الواقعة شمال العاصمة. وتعتبر نقطة انطلاق للعديد من القواعد العسكرية مثل فيلق الإشارة ومنطقة الكدرو العسكرية، كما تعتبر ثاني أكبر مدينة بعد الخرطوم وتضم أيضًا عددًا كبيرًا من المصانع والشركات الخاصة والمملوكة للدولة. وأطلق الجيش السوداني على هذه العملية العسكرية اسم “المعبر الكبير” حيث تقدمت قواته تحت غطاء جوي مكثف وعبرت جسر حلفايا من مدينة أم درمان غربا إلى مناطق شمال مدينة بحري وعدد من المناطق المتاخمة لها. القوات الجوية السودانية.وتكمن أهمية جسر حلفايا في أنه يمثل منفذا لمدينة أم درمان وإلى مناطق وحدات وادي صيدنا وقاعدتها العسكرية وكذلك معهد المدرعات ولواء الدفاع الجوي ولواء الدعم الفني. إلى الكلية الحربية وكلية الهندسة بجامعة كرري. وقال بيان رسمي للقوات المسلحة السودانية حينها إن مليشيا الدعم السريع هاجمت الجسر من الجهة الشرقية في يوليو الماضي، مما أدى إلى إلحاق أضرار بالهياكل الخرسانية.

 

ويمتد جسر حلفايا من جهة مدينة بحري على طريق المعونة إلى مصفاة النفط في منطقة الجيلي، وهي المصفاة التي لا تزال تحت سيطرة الدعم السريع والتي يريد الجيش التقدم عليها وتحريرها. وعقب تحرير هذه المناطق واستمرار العمليات العسكرية للجيش السوداني، قامت «الشروق» بأول زيارة من نوعها لوسائل إعلام مصرية إلى هذه المناطق الأسبوع الماضي، بداية من مدينة بورتسودان بالبحر الأحمر. – الولاية البحرية التي تزيد المسافة فيها عن مدن مثلث العاصمة 12 ساعة. بدأت الجولة الميدانية في المناطق المحررة وشهدت تقدم العمليات العسكرية المحيطة بي، خاصة استمرار عمليات الجيش في الخرطوم، من مدينة أم درمان إلى منطقة الحلفاية عبر الجسر الذي يربطهما على النيل. تمر عبر طريق المعونة وتصل إلى منطقة أم القرى شمالاً، والتي تبعد عن كيلومتر حلفايا حوالي 15 ميلاً.

 

** جسر الحلفاية

 

ومنذ أشهر لم يكن من الممكن عبور هذا الجسر بسبب سيطرة عناصر الدعم السريع وآلياتهم العسكرية على الجزء الشرقي من الجسر، خاصة أن هذا الجزء تم استهدافه وتدميره لمنع تقدم القوات المسلحة إلى مناطق سيطرتها. عند مرورك بهذا الجسر لن ترى إلا آثار الحرب القاسية التي تركت بصماتها الرهيبة على مشهد جمالي خلقه الله، حيث يحيط بك النيل والأشجار من كل جانب. كل ما ستراه هو مركبات عسكرية محترقة وأكوام من التراب والرمال التي تراكمت لدى رجال الميليشيات لمقاومتها. وستسمع أيضًا دخان القصف المدفعي للمليشيات على مناطق سيطرة المليشيات في الخرطوم، وشاهد بعض بقايا العظام، ربما عظام بشرية أو عظام حيوانات، تحللت وبقيت في الموقع الذي قُتلت فيه. حتى آثار تدمير الجسر لم تختف حتى يومنا هذا، وسترون كيف ينقسم إلى قسمين على جانبه الأيمن وأنت تمشي فيه، وفي وسطه كومة من الحجارة منها ومن جهة أخرى سليمة يتمركز ضباط وجنود القوات المسلحة لتأمينها بعد أن قطعت مسافة قصيرة. تم إيقاف السيارة التي كنت أستقلها من قبل هذا المركز الأمني للاستعلام عن هويتي وسبب الجولة وبعد منح تصريح المرور العسكري للصحفيين، واصلت الجولة بالسيارة حتى وصلنا إلى منطقة الحلفاية.

 

** مآسي السودانيين على مدار 17 شهرا

 

 

وفي أول نقطة وصول لمنطقة حلفايا، التقت «الشروق» في مدينة بحري، بستة عائلات من مواطني منطقة السمراب، الذين حالت ظروفهم الإنسانية والمادية البالغة الصعوبة دون فرارهم من المنطقة عندما تعرض جنود وضباط قوات النظام للقصف. وسيطرت عليها مليشيا الدعم السريع وأجبروا على العيش في منازلهم رغم الظروف المريرة التي عانوا منها لمدة 17 شهرا، إلا أنهم بعد هذه المعارك تمكنوا من الفرار والعيش في أماكن يسيطر عليها الجيش السوداني. وتعيش هذه العائلات في عدة منازل متجاورة في منطقة حلفايا، النساء في منزل والرجال في منزل آخر، تحت سيطرة الجيش، حيث استقبلهم جنود وضباط بعد هروبهم من منطقة سامراب ووفروا لهم مسكناً. مكان آمن للعيش فيه وطعام وماء للتعويض عن الأيام والليالي. لفترة طويلة، كان رغيف الخبز أمنية مستحيلة، وكان الماء المالح مجرد حلم.

 

استقبلتني هذه العائلات بحفاوة ولطف كبير، وبدأت أتحدث إليهم بحرية، وكأنهم يريدون الكشف عما يدور في أذهانهم منذ أشهر. ورغم كل هذه المشاعر الدافئة، إلا أن الحزن كان يغطي ملامحهم، وكانت أجسادهم هزيلة، وحزنت عيونهم بشدة، ولمعت فيهم الدموع، وكأنهم يرفضون الآن السقوط. ملابسهم بسيطة، لكن يبدو أن ما يهيمن عليهم هو الشعور بالراحة بعد المعاناة والعلاقة الوثيقة بينهم، وكانت واضحة للعيان حيث كانت العائلات ترافق بعضها البعض في طريق تحمل ويلات الحرب، نظرا لكونهم. عاشوا بمفردهم في المنطقة بعد أن فر جميع الناس ولم يكن أمامهم سوى مواجهة مصيرهم برعب وقسوة ذلك الوقت، بالنظر إلى الحرب من جهة ووحشية رجال الميليشيات من جهة أخرى، المعنى الكامل لـ وجاءت كلمة “مأساة” معبرة. “عندما اندلعت الحرب انقطع الاتصال بزوجي لعدم تمكنه من الوصول إلي وببنتي ريان وحلا حيث كان في منطقة الفاتحاب بمدينة أم درمان والتي كانت تحت سيطرة الدعم السريع. تعطلت المواصلات ولم يكن معي المال الذي يساعدني على الهرب، كما كان الحال مع العديد من العائلات هرباً من جحيم الحياة الحربية”.

 

ثم أمسك البشير بأطراف ثوبها وجفف دموعها الغزيرة وأكملت حديثها: الدعم السريع سيطر على منطقتنا، وما عشنا إلا في الذل والعار. منعوا من الذهاب إلى السوق، فلم يبق لدينا طعام يسد جوعنا وكنا نعيش على كميات قليلة من الطعام يقدمها لنا الجيران عندما يتوفرون، ونصنع منها العصيدة (وجبة سودانية). وحتى إمدادات المياه انقطعت عن المنطقة، فشربنا الماء المالح من البئر الموجود في المنزل حتى مرضنا جميعًا بالملاريا. شراء الدواء والذهاب إلى الطبيب كان حلما مستحيلا. صمتت منى للحظات والدموع لا تزال تنهمر على عينيها. ثم قالت: “لقد اقتحمتنا المليشيات مرات عديدة وقالت: “هم أيضاً كلاب وطوابير من الجيش”، ومنعونا من الخروج من المنزل لسبب ما”. ثم أشارت إلى ابنتيها حلا وريان، 16 و18 عاماً، وقالت: “خبأت بناتي تحت السرير، كنت أخشى أن يتم اختطافهن واغتصابهن من قبل رجال الميليشيات الذين اقتحموا منزلي عدة مرات”. وفي كل مرة يسألني هل لديك بنات؟ فأجيب أنه ليس لدي أطفال إطلاقا، فيفتشون المنزل، لكنني توكلت فقط على رب العالمين وجلست أقرأ بصوت هادئ سورة ياسين. ودعوت الله أن يحمي بناتي من ظلمهن.

 

هالة، 16 سنة، ذات ملامح وجه بريئة وجسم نحيف. قاطعت حديث والدتها وقالت: “كانت أمي تطلب مني دائماً أن أستلقي تحت السرير طوال الليل”. كنا نبكي لأننا نخاف من رؤيتنا أو بسبب أصوات الرصاص التي نسمعها كل ليلة. بكينا حتى نامنا. سمعت أن أحد الجيران وهو رجل مسن فاقد السمع، أثناء عودته إلى منزله ومعه أحد أطباق الطعام التي تبرع بها له جاره، نادى عليه أحد عناصر الدعم السريع وهو هناك أصم، لكنه فلم يجبه، فأطلق عليه النار في رأسه حتى قتل. وتركوه ملقى في الشارع ووضعوا شالاً على جسده حتى مر ابنه في الشارع ورآه وحمل جثته.

“ماتت ابنتي أثناء الولادة أثناء الحرب ولم نتمكن من إنقاذها حيث أنجبت ولدين توأم وماتت هي وأحدهما، وتركتني مع الطفل الآخر وأربعة أحفاد آخرين بدون عائلة كما فعل والدها أيضاً بلا رحمة تركتهم واختفت، فقدت الاتصال به منذ بداية الحرب وتحملت مسؤولية 6 أطفال دون سند ومساندة، قضينا أياماً كثيرة جائعين ونتمنى حفنة صغيرة من القمح “رمزاً لذلك”. الوضع الذي يجب تحمله، في ظروف النزاع المسلح الذي لا يعرف معنى الرحمة. وتابعت: “كنا نأكل وجبة من القمح مرة أو مرتين يوميا لمدة 17 شهرا، واقتنصت تبرعات الجيران وطاردت أحفادي حتى استقرت في منزل جار هجره، “توسلت إليهم وأخبرتهم”. فقالوا إني كنت أربي أيتاماً ورضيعاً لا يشرب من أمه شربة واحدة من اللبن، فضربوني وأصروا على طردي. وفي منتصف حديثها صرخ الطفل وبدأ بالبكاء، فأخذته بيدها وحاولت إسكاته، ثم تابعت قائلة: لم يكن هناك طعام، ولا حتى طعام الأطفال، ولم أستطع الاهتمام به. حفيدي الصغير، لذلك كنت أذهب بين الحين والآخر إلى الجيران عندما يسمح لي فريق الدعم السريع بالحصول على بعض القمح، أخلطه مع بعض الماء وأطعمه “المديدة” (وجبة سودانية). ) ويضعه في (زجاجة الرضاعة) لتعويض خسارة أمه من الرضاعة.

 

وتابعت: “كنا نعيش في ظلام ليلا وطقس حار نهارا. منذ بداية الحرب، انقطعت الكهرباء عن المنطقة، رغم أن السكان حاولوا حل المشكلة أكثر من مرة، ولم يكن هناك حتى ماء خلال هذه الأشهر. شربت أنا والأطفال الماء المالح. أما عائشة الحفيدة، وهي فتاة تبلغ من العمر 11 عاماً، كانت عيناها تتكلم عن ألمها وارتباكها يعبر عن أهوال ما رأته أثناء الحرب. حاولت التحدث معها لكنها لم تستطع التحدث لأنها، كما أخبرتنا جدتها، كانت تجد صعوبة في التحدث بسبب صدمة فقدان والدتها وأهوال العيش وسط نيران الدعم السريع. حتى مصعب، شقيقها البالغ من العمر 6 سنوات، والذي لم تختلف حالته عن حالة أخته، بدا مليئا باليأس والحزن الشديد، ووضع كفوف يديه الصغيرة على رأسه وقال بصوت منخفض: “الأعمدة “لم يخبرنا بأي شيء.” أريد أن أخرج إلى الشوارع وأريد أن تعود أمي. ثم غادر المكان وهو يبكي.وفي بداية حديثها لـ«الشروق»، أشارت أميمة (35 عاماً) إلى ذراعها الأيمن وهي تخلع فستانها، وقالت: «أطلقوا النار على كتفي عندما قلت لعناصر الدعم السريع أننا لا نفعل ذلك». ليس لدي سيارات.” ظنوا أنني أكذب عليهم، لكننا عائلة بسيطة وزوجي يعمل في محطة وقود. زوجي سُرق في أول أيام الحرب لأن المليشيا منعتنا من مغادرة المنزل. لدي عم يعيش في أمريكا، وبعد انقطاع خدمات الاتصالات والإنترنت في المنطقة، فقدت الاتصال به تمامًا.وتابعت: “كنا نأكل القمح فقط ونشتريه من سوق الدعم السريع، حيث باعوا لنا دلواً صغيراً بـ 35 ألف ليرة (ما يعادل 15 دولاراً). حتى الطعم كان مرًا جدًا”.

** الحرب حولت بحري إلى مدينة مهجورة

 

غادرت وتركت هذه العائلات في حالة بائسة، على أمل أن تعود حياتهم إلى طبيعتها قريبًا ويعيشوا حياة كريمة. واصلت جولتي وسرنا في شوارع مدينة “الخرطوم بحري”. قبل الحرب كانت المدينة مليئة بالناس والسيارات، لكن بعد فرار الناس أصبحت مدينة بلا عروش. ويفر سكانها تارة من المواجهات العسكرية وتارة أخرى من قمع مليشيا الدعم السريع، تاركين أحيائهم وشوارعهم فارغة ليروا فظائع الحرب. توجهت إلى منطقة أم القرى في الشمال وتوجهت إلى سكان المناطق المتبقية التي تم تحريرها من قبضة الدعم السريع وكان الجيش السوداني ينقلهم إلى مراكز الحماية الآمنة. خلال هذا الامتداد الذي كان يقارب 15 كيلومتراً والذي قطعته بالسيارة في مدة 60 دقيقة تقريباً، على طول امتداد شارع المعونة، لن ترى سوى مشاهد الخراب والدمار على أبواب المحلات التجارية المفتوحة و لا تحتوي على مقتنيات أو بضائع، وواجهاتها مكسورة بشكل عنيف. وتناثرت السيارات التي لم تُسرق، وحالتها متدهورة، وقد اخترق الرصاص هياكلها، وقد تركها أصحابها وسكانها، وتركت آثار القصف علامات واضحة على جدرانها، خاصة مع تفكك الميليشيا مع بدء الحرب. خطة عسكرية تقوم على تمركز القناصة على أسطح المباني الشاهقة لتمكينهم من مواجهة أي عمل عسكري على الأرض والسيطرة على موقع العمليات. وحتى ملابس المواطنين ومتعلقاتهم الشخصية البسيطة، التي لم تنهب ولا تخص سوى أصحابها، ملقاة على الأرض خارج الأبواب الأمامية، ممزوجة بالتراب والدم الجاف، في مشهد حزين ومؤلم للغاية. إذا مررت عبر أبواب المنازل المهجورة منذ 17 شهرا، بما فيها المباني المستأجرة بآلاف الدولارات، فلن تسمع سوى صراخ من وحشية الوحدة التي يعاني منها السكان المهجورون، وربما من وحشية ما تعانيه هذه المنازل لقد شهدوا وشهدوا القتل وسفك الدماء والتعذيب بدعم من الميليشيات. حتى محطات الوقود ومحطات الطاقة في المنطقة دمرت إلى حد كبير، وبقيت هياكلها ترمز إلى أنقاض الحرب.

** منطقة أم القرى شمال بحري

 

وبعد قطع هذه المسافة التي مرت وكأنها سنوات الخراب، وصلنا إلى مدرسة أم القرى الشمالية التي تأسست عام 1983، لنسمع قصص العشرات من سكان المدينة الذين لم يتمكنوا من مغادرة المناطق الخاضعة لسيطرتهم فراراً بسبب ظروفهم الاجتماعية الصعبة. وفي ظل هذه الظروف، انتقل الجيش السوداني إلى قوات قتالية منذ اندلاع الحرب واستطاع إنقاذ نفسه. وقال الحاج عادل النور، إن “المدرسة تضم نحو 350 شخصاً من مناطق شرق وغرب سكة حديد حلفايا وكذلك قطعة 8 في نفس المنطقة، وقد جاؤوا على أربع مجموعات وهناك 250 شخصاً في الطريق إلى هناك”. مواطن ومدير مركز إيواء الحيوانات. دكتور. من جانبها، قالت سارة آدم النور، الطبيبة والمقيمة في الملجأ: “نعاني من نقص الأدوية وخاصة أدوية الغدة الدرقية، وهناك مرضى يعانون من ذلك ولا يمكن الوصول إلى مراكز العلاج”. وحتى من ساعدناهم تمكنوا من الوصول إلى المركز الصحي في المنطقة، وأخبروهم أنه سيتم دفع ثمن الكشف الطبي والأدوية، لكن حتى المسكنات غير متوفرة.

دكتور. استعادت سارة ذاكرتها وهي غاضبة، قائلة: “مليشيا الدعم السريع أخذت البنات من بين الناس أمام أعيننا، ومن اعترض عليه يضربهن أو يقتلهن دون أن يرف له جفن”. وتابعت: “لقد حرمنا حتى من الماء الجيد وأجبرنا على شرب الماء المالح. ويعاني عدد كبير من السكان من أمراض الكلى وارتفاع ضغط الدم. أما السوق فأغلقوه وفتحوه متى شاءوا. وفي الأيام التي كان فيها السوق مفتوحاً كانوا يضربوننا ويسرقون أموالنا ويأمروننا بالعودة إلى بيوتنا، ومعظم العائلات ليس لديها أموال.

**العودة إلى منطقة الحلفاية

 

 

وفي طريق العودة إلى منطقة الحلفاية، مرت السيارة بجوار المركز الصحي بالمنطقة وقمت بجولة في المركز الصحي. لقد صدمت أنه لا يقل بؤسا عن حال المدينة ومواطنيها، فلم أجد الطبيب الذي يشرف عليه، ولكني التقيت بأحد الأطباء يدعى د. أحمد باب الله، وقال لـ«الشروق»: «نحن طاقم طبي يضم 32 طبيبًا وممرضًا، وتوقف العمل في المركز في مايو 2023، لكن في فبراير من هذا العام استؤنف العمل ونعمل على توفير الجميع». الخدمات رغم الظروف الصعبة التي نواجهها، خاصة في ظل انقطاع التيار الكهربائي، ونحن أيضاً نعاني من ذلك. هناك نقص في أدوية الطوارئ، في حين تتوفر الأدوية المنقذة للحياة، وإن كانت بكميات قليلة، خاصة في ظل ضغط المرضى الذين يصلون إلى المركز، خاصة في ساعة الصباح بعد عودة العديد من المواطنين بعد تقدم الجيش. ويستمر القتال العسكري الذي تخوضه القوات المسلحة السودانية في عاصمة المثلث “الخرطوم والخرطوم بحري وأم درمان” حتى يومنا هذا.

 


شارك