محمد بصل يكتب: صحة المصريين والشفافية المفقودة في غرفة إنعاش الاستثمار

منذ 2 ساعات
محمد بصل يكتب: صحة المصريين والشفافية المفقودة في غرفة إنعاش الاستثمار

– ثلاث نقاط غير واضحة في قانون التزام المنشآت الصحية ولائحته التنفيذية بسبب عدم وجود معايير العطاءات والعقود الاقتراح الأول يعكس أولوية المفاوضات والاتفاقات.. والمخاوف من انتهاك الالتزام الدستوري بالحق في الصحة وحماية المنافسة.

عندما تم إقرار قانون تنظيم إسناد التزامات للمؤسسات العامة المتعلقة بإنشاء وإدارة وتشغيل وتطوير المرافق الصحية، وعلى وجه الخصوص المستشفيات، اعتبرنا أن أحكامه التنفيذية جاءت في مجموعة من الأحكام الاستثنائية بسبب غموض أحكامه. وستكون أهمية القانون من الأسئلة الأساسية التي تشغل المراقبين فيما يتعلق بتوجه الدولة نحو خصخصة الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين بموجب نظام الالتزام من خلال المستشفيات والمراكز القائمة أو المنشأة حديثا.

وبحسب وزارة الصحة، يستفيد أكثر من 69 مليون مواطن من خدمات التأمين الصحي في مستشفيات الدولة. وفي عام 2023، زار أكثر من مليوني مواطن مستشفيات الصدر، ونحو نصف مليون مستشفى حميات، واستفاد 15 مليون مواطن من خدمات طب الأسنان في المستشفيات والأقسام. وقد خدمت المستشفيات العلاجية التابعة للمؤسسة (التي تأتي على رأس المقترحات المتوقعة) ربع مليون مواطن العام الماضي، في حين زار أكثر من خمسة ملايين مريض مرافق الهيئة العامة للمستشفيات والمؤسسات التعليمية.

أرقام ضخمة تؤكد أهمية نظام الالتزام الجديد لملايين المواطنين وتأثيره الحتمي – سلباً أو إيجاباً – من خلال خصخصة الخدمات. والمثير للدهشة أنه لم تتضمن اللائحة التنفيذية أي نص يفرض رقابة أكثر صرامة على تطبيق القانون أو الرقابة على إجراءاته. فالمخاوف من استخدامه كمظلة لاعتماد اتفاقيات الشراكة المتفق عليها مسبقاً مع دول عربية أو أجنبية أو غيرها لم يكن من الممكن تبديدها حتى من قبل المستثمرين المحليين، وظل الغموض قائماً فيما يتعلق بالقضايا المتعلقة بحوكمة هذه العلاقات التعاقدية.

أين قواعد الطرح؟

المشكلة الأولى هي أن القانون لم يضع معايير للتسهيلات المقدمة للمستثمرين، بل تركها لتقدير مجلس الوزراء الكامل، الذي يتخذ قرار الالتزام بناء على اقتراح وزير الصحة، مما يعني أن جميع المرافق مبنية على بيانات واعتبارات غير محددة معرضة للدخول في النظام الجديد وليس لها أي سلطة تشريعية.

المشكلة الثانية هي أن القانون لم يضع مبادئ توجيهية بشأن شروط الالتزام ومبادئ التسعير للقطاع الخاص. كما أنها تخضع لتقدير مجلس الوزراء وحده، الذي يقرر ما إذا كان سيتم منح الالتزام أم لا. ويشمل ذلك تحديد كافة شروط وأحكام الالتزام وكيفية تعديله، وحصة الحكومة، وأسس تسعير الخدمات الصحية، ووسائل المراقبة والمتابعة، وكذلك الإجراءات اللازمة للحفاظ على الأوضاع الوظيفية والمالية للعاملين، وكذلك شروط واشتراطات ترميم المنشأة قبل انتهاء مدة الالتزام”، أي في حالات الضرورة.

ومع كل الأحكام الرئيسية السابقة، تخلى البرلمان عن دوره وواجبه وسلطته في وضع معاييره ونقلها بالكامل إلى السلطة التنفيذية. وهو ما فتح الباب أمام تحول الآلية القانونية لمنح الالتزام إلى مجرد إطار واسع لعلاقة تعاقدية بين الدولة والمستثمر، تختلف تفاصيلها من حالة إلى أخرى، وتجعل مشروعاً غير متاح لمشروع آخر. ولا يضمن تحقيق العدالة بين المستثمرين المحليين والأجانب، ولا المساواة في معاملة المرضى ومتلقي الخدمة في جميع المنشآت أو في كل مجموعة منهم العاملين في جميع المنشآت.

ونفهم من القوانين واللوائح أن كل قرار التزام سيكون له ظروفه الخاصة من النواحي الاقتصادية والسياسية والجغرافية والزمنية. تتيح المرونة غير المسبوقة للحكومة جذب مجموعة واسعة من المستثمرين اعتمادًا على نوع المرافق وحجمها وموقعها. إلا أنه مبالغ فيه وقد يتحول إلى العكس، خاصة وأن رئيس الوزراء أقر في اللائحة ضرورة “”استمرار تمتع المنشآت بوضع المنفعة العامة”، وهي جملة لم ترد في القانون ولا وبرأيي فإن الهدف من ذلك هو طمأنة الرأي العام الذي للأسف لم يشارك بفعالية في الحوار الاجتماعي حول القانون قبل إقراره.

نعم… هناك عدد من الالتزامات العامة على المستثمر الذي حصل على الالتزام مثل: ب- صيانة المنشأة وما تحتويه من المعدات والأجهزة الطبية اللازمة لتشغيلها وصلاحيتها للاستخدام وتقديم الخدمات الصحية بما يتوافق مع أحكام القوانين الأخرى، وعلى وجه الخصوص التأمين الصحي، واستمرار تشغيلها أن يوظف ما لا يقل عن 25% من العاملين بالمؤسسة ولا يزيد على 25% أجانب وأن يخضعوا للرقابة والتفتيش المطبق أيضاً على باقي المؤسسات الطبية الخاصة، بما يحمي حقوق المرضى الحاليين ويقدم لهم الخدمات الصحية.

إلا أن القانون لم ينص على آلية رقابية على طريقة اختيار المستثمر ومؤهلاته، ونطاق عمله السابق، وطريقة دخوله إلى السوق والآثار المترتبة عليه، فضلاً عن ضوابط لتجنب تضارب المصالح. مصلحة أو احتكار الخدمة في موقع أو تخصص أو مستوى معين.

أما النقطة الثالثة فهي تتعلق بالتطبيق العملي، فمنذ فترة أتاحت هيئة الاستثمار على موقعها الإلكتروني قائمة بالمشاريع الصحية المتاحة للمستثمرين ولم تعلن وزارة الصحة أو مجلس الوزراء عما إذا كان ذلك القائمة التي يبدأ منها تطبيق القانون أو ما إذا كانت أنظمة الاستثمار الأخرى مفعلة.

الاتفاقية الأولى أم القانون؟

في المرة الأولى التي علمنا فيها بتطبيق القانون الجديد، اتضح غموض النقاط الثلاث.

بعد أقل من أسبوع من صدور اللائحة؛ نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة د. قرر خالد عبد الغفار تشكيل لجنة لبحث واقتراح ما يلزم لحماية الحقوق المالية والوظيفية للعاملين بمستشفى دار السلام (الهرمل) بعد تعهد شركة Elevate Private Aquity بإدارتها وتشغيل فرع لها. المركز الفرنسي لعلم الأورام (غوستاف روسي الدولي).

وقال عبد الغفار في تصريحات تلفزيونية في يوليو الماضي: “بعد ثلاث سنوات من المفاوضات، تمكنت الوزارة من إقناع المركز الفرنسي بافتتاح أول فرع له خارج فرنسا، وتخصيص 70% من طاقته البالغة 300 سرير للمواطنين المصريين”.

ولعل هذا المشروع سيكون الأكبر من نوعه في مصر والشرق الأوسط، لكن المواطن المصري.. صاحب الأملاك العامة والمستفيد من المنافع العامة.. لم يكن يعلم شيئاً عن هذه المفاوضات أو طريقة إبرام العقد ولا يمكنه ممارسة أي إشراف عليهم.

علاوة على ذلك، بدا الاتفاق بين الطرفين نهائيا حتى قبل تطبيق القانون! وهذا يؤكد أن القانون بعيوبه أصبح مجرد وسيلة لتقنين اتفاقيات استثنائية تماما تمس المال العام والمصلحة العامة بشكل مباشر.

هل “الالتزام” يحل محل المعايير “الملزمة”؟

ولا يتماشى هذا الخلل التشريعي مع مبادئ فكرة منح الحقوق الإجبارية التي ظهرت في مصر في النصف الأول من القرن الماضي من أجل مواكبة التوسع العمراني واحتياجات المواطنين المتزايدة اتجاه الحكومات إلى تخفيف بعض أعباء المرافق والخدمات على المنفعة العامة والاستفادة لفترة من الزمن من قدرة القطاع الخاص على إدارة وتشغيل بعض هذه المرافق أو الاستثمار في الموارد الطبيعية.

ونظراً للطبيعة الاستثنائية والحساسة للالتزام، فقد ثبت حق الالتزام بقرار من رئيس الجمهورية وبعد موافقة مجلس النواب. ثم تطورت فكرة الشراكة بين الدولة والمستثمرين إلى أشكال تعاقدية أخرى كان الهدف منها أن تكون أكثر مرونة وفعالية، مثل قانون الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص في مشاريع البنية التحتية. الخدمات والمرافق العامة (رقم 67 لسنة 2010، المعدل مؤخرًا بالقانون 153 لسنة 2021)، والذي لم يتم استخدامه على نطاق واسع بعد.

وميز دستور 2014 بين منح التزام المؤسسات العمومية للمستثمرين على أساس زمني يصل إلى خمسة عشر عاما، حيث يمنح الالتزام “على أساس قانون”، كما في حالة المؤسسات الصحية، وبين ما هو أبعد و لم يعد 30 الالتزام القانوني هو سنوات. ويظهر محضر لجنة الخمسين أن هذا التمييز ألغى الالتزام بتقديم أي مشروع إلى البرلمان، حيث يكون التزاما لمدة تصل إلى خمسة عشر عاما، للتشغيل السريع وإدارة المرافق وتشييدها لغرض ضمان تطوير. ومع ذلك، لم تكن المناقشات قط حول تخفيف الشروط المادية أو غيرها من آثار فارق التوقيت.

عدم التوازن في النص والمحتوى

ولذلك فإن نقل صلاحية منح حق الالتزام من مجلس النواب ورئيس الجمهورية إلى مجلس الوزراء في مجال واسع وبالغ الأهمية كالصحة العامة، تطلب تطوير آليات رقابية وشروط فنية ومعايير صارمة. من أجل الوفاء بالالتزام الدستوري “بصيانة ودعم وتطوير المؤسسات الصحية العامة التي تقدم خدماتها للشعب”، على أساس أن “لكل مواطن الحق”. على الصحة والرعاية الصحية المتكاملة وفق معايير الجودة.

كما أن فشل القوانين واللوائح في وضع معايير منح الالتزامات والسماح باختيار طريقة التعاقد المنصوص عليها في قانون تنظيم العقود العامة رقم 82 لسنة 2018 قد يكون له أثر سلبي على التنافسية أو الممارسات الاحتكارية والسماح بالمعاملة التفضيلية لمستثمر أو مجموعة مستثمرين وهو ما يعد مخالفة للمادة 27 من الدستور.

لا تشكك في النوايا. ولكن الأهم هو حماية مصالح المرضى الفقراء، كما أن المؤسسة الصحية العامة لديها موارد بشرية وعلمية وإدارية وحقيقية يجب الحفاظ عليها وتطويرها كحقوق للأجيال القادمة. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال “الشفافية والحوكمة”، وهما حجر الزاوية في أي نظام اقتصادي صحي ومستدام.


شارك