«الشروق» تتجول فى أم درمان القديمة لرصد بقايا حياة دمرتها الحرب
• مدير تلفزيون مكتب الخرطوم: رغم الدمار إلا أن الأرشيف سليم ولم يتضرر. وقامت “الدعم السريع” بتحويل أجزاء من المبنى إلى مركز احتجاز • زين العابدين: المليشيا دمرت متحف منزل الخليفة عبد الله التعايشي ونهبت الآثار الموجودة بداخله. • تم تدمير أكثر من 80% من البنية التحتية لسوق أم درمان. وتاجر سوداني: المليشيا سرقت منزلي ومحلّي ولم تترك لي شيئاً
على جانبي الطريق في شوارع مدينة أم درمان القديمة لا يوجد سوى بقايا حياة سادت هنا في هذه الأزقة والشوارع، ربما ليس منذ زمن بعيد، ولكن حجم الخراب والدمار الذي حل بالمدينة المدينة القديمة تحكي عن حياة يبدو أنها انتهت منذ زمن طويل.وأنت تتجول في شوارع أم درمان، ستعيش ملحمة من المشاعر الإنسانية الحزينة، أشبه ببيت من الشعر العربي يقول: “يا طارق، ترفق إذا طرقت الباب، فإنه لم يعد في البيت أصحاب “البيت.” البيت… تفرقوا في دروب الأرض وتفرقوا كأن لم يكن هناك أهل ولا أحباء.” المنازل مهجورة، وأبوابها مغلقة، ولا يوجد في الشوارع سوى مشاهد تحكي ذعر المواطنين الذين فروا خوفاً من الموت وعلى ممتلكاتهم التي تحمل ذكرياتهم المتناثرة هنا وهناك. وحتى في الشوارع يخيم الصمت على صفير الريح الذي لا يمكن سماعه إلا من خلال الأذان من مآذن المساجد التي، على الرغم من تأثير القصف الذي دمر مآذنها، لا تزال تحاول الحفاظ على أداء الشعائر الدينية. طقوس أن صوت الروفس الإلهي يمنحك الشعور بالأمان وسط هذا الرعب الذي يحيط بك في المدينة، لتكون ملجأ روحاني لبضع دقائق من رعب الشعور بالخوف الذي يسيطر على المكان، ونتيجة لذلك، يعذب النفس ما عاشته هذه الشوارع، من تعذيب الناس وسفك الدماء، وصراخ النساء اللاتي انتهكت شرفهن، وبكاء الأطفال الخائفين، واعتقال المدنيين العزل وتنفيذ حكم الإعدام على أيدي هؤلاء. من لم يفعله على الذين لا يكسبون. تعتبر مدينة أم درمان من أهم وأشهر مدن جمهورية السودان، حيث تمثل الجانب الثالث من العاصمة الخرطوم وتتمتع بموقع جغرافي إستراتيجي هام حيث تمتد على الضفة الغربية لنهر النيل، و نقطة التقاء والاتصال بين نهري بلاور النيل والنيل الأبيض. كما تعتبر رمزا لعاصمة الولاية في التاريخ الحديث. وتضم عددًا من المعالم التاريخية والثقافية والسيادية، منها المسرح القومي، ومقر الإذاعة والتلفزيون الرسمي، وبيت الخليفة عبد الله التعايشي، وقبة الإمام المهدي، وجامعتي الأحفاد وأم درمان الوطنية، نادي الهلال والمريخ، ومستشفى السلاح الطبي، والكلية الحربية، وقاعدة وادي سيدنا العسكرية. ومع اندلاع الحرب في السودان بين الجيش السوداني وميليشيا الدعم السريع، سيطرت الأخيرة على العديد من المناطق والمقرات المهمة في المدينة لتتمكن من السيطرة على مفاصل العاصمة. كما سيطرت على مباني الإذاعة والتلفزيون في مقر قيادتها العسكرية في قتالها ضد الجيش. وبعد أشهر من سيطرة الميليشيات على هذه المناطق وبعد معارك مريرة مع الجيش، تمكن الأخير من بسط سيطرته من جديد على المدينة، خاصة بعد أعنف معركة بينهما في مقري الإذاعة والتلفزيون في مارس/آذار الماضي، والتي نفذها مراقبون. واعتبرت حينها نقطة تحول في مسار القتال العسكري لصالح القوات المسلحة السودانية.وعقب تحرير هذه المناطق واستمرار العمليات العسكرية للجيش السوداني، زارت «الشروق» مدينة أم درمان الأسبوع الماضي. سافر أولاً من مدينة بورتسودان بولاية البحر الأحمر، على بعد أكثر من 12 ساعة من مدن العاصمة المثلثة.
**مركز القيادة العسكرية للدعم السريع
بدأت الرحلة من المقر الرسمي للإذاعة والتلفزيون شرق أم درمان، والذي كان قبل الحرب يحرسه أفراد من قوات الدعم السريع كجزء من القوات المسلحة النظامية. في المقر وفي الشوارع المحيطة به ساد الصمت التام، ولم يحجب أي صوت ضجيج المدافع خلف المباني التي تفرقنا. ويشهد نهر النيل عمليات عسكرية بين الجيش والدعم السريع في منطقة المقرن. من النظرة الأولى لأبواب المقر من الخارج، يمكن رؤية آثار النزاع المسلح العنيف على أجسام السيارات المحترقة، وعلى مبنى الإذاعة الذي تحول إلى هيكل محترق، وحتى على سطح المبنى. السيارات الملقاة فوقها والتي تبث بثًا حيًا، أحد جوانبها محترق ومتحطم، وتظهر آثار الرصاص على الهيكل الخارجي مشرقة مثل “أشعة الشمس”. واحترق الجزء الخارجي من مبنى الإذاعة، وأمام الأبواب من الداخل كان هناك العديد من ممتلكات المواطنين التي تم نهبها من منازلهم مثل “الغسالات والثلاجات والأجهزة المنزلية” وغيرها، وبقيت في مكانهم، احترقت أيضا. واصلت طريقي فوق أنقاض الزجاج المكسور والأوساخ والهياكل الحديدية المكسورة، إلى استوديوهات الإذاعة التاريخية التي تأسست عام 1940، حتى اختفى ضوء الشمس الذي كان ينير جزءًا من المكان من الداخل تمامًا كطبقة صوت نتيجة انقطاع التيار الكهربائي في المدينة. المنطقة وانقطعت جميع كابلات التوصيل داخل المبنى بسبب التخريب والحريق الذي طال المبنى القديم، وكان هناك ظلام دامس في الداخل.استديوهات الإذاعة التي انطلق منها ذات يوم صوت المذيع السوداني الكبير عبيد عبد النور وهو يقول بصوته الرخيم: «هنا أم درمان»، لم تعد تشم منها سوى رائحة الدم والجثث المتعفنة التي تحيط بالمكان. اقمع صدور كل إنسان وامسك بقلوبهم حتى يختفي معهم كل شعور بالأمان والهدوء. بل هو يسيطر عليك. الخوف والرعب من كل إنسان بريء يُقتل في هذا المكان، وتسمع أصوات صراخهم وأرواحهم تخرج من أجسادهم، وربما تراهم أيضًا يولدون من جديد أمامك وكأن الزمن لم يمر. ومقر الإذاعة والتلفزيون الذي اتخذته المليشيا مقرا لقيادتها العملياتية في مدينة أم درمان وحولته إلى ثكنة عسكرية زودتها بالسلاح والعتاد والرجال لمدة أحد عشر شهرا، غير من سمات مبنى هذا الحاكم، والتي غيرت هوية السودان بأكمله ومواطنيه.تأسست الإذاعة عام 1940 في فترة الاحتلال البريطاني، ثم تأسس التلفزيون عام 1962 في فترة ما بعد استقلال السودان. وبعد سيطرة الدعم السريع عليها، تم نقل البث الإذاعي إلى مدينة عطبرة عاصمة السودان بولاية نهر النيل، فيما يبث التلفزيون من مدينة بورتسودان عاصمة ولاية البحر الأحمر. وعلى الرغم من كل الدمار الذي تعرض له المبنيان، فإن الأرشيف كان على ما يرام ولم يمسه أحد، لكن المبنى التذكاري دمر من الأعلى، وقام المهندسون بالبحث عن “الخوادم” التي تم تخزين المخزن الاحتياطي فيها وتم سحبها، حسبما قال المدير للتلفزيون في مكتب الخرطوم مستور علي اسماعيل . وأضاف إسماعيل لـ«الشروق» خلال جولة بالمقر بأم درمان أنه في بداية الحرب تمكن العاملون في الإذاعة والتلفزيون من إيقاف والتشويش على إشارة البث، وهو ما أحبط خطة قائد مليشيا الدعم السريع. وألقى محمد حمدان دقلو “حميدتي” رسالته حينها وأوضح أن المليشيا قامت باستدعاء المهندسين التابعين لها وتم سرقة بعض أجهزة الكمبيوتر والذاكرة وجميع الخوادم التي تم تحديدها، كما قاموا بتدميرها وسرقت وحرق العديد من عربات البث. .ثم أشار إلى مبنى المحاسبة وقال: “لقد تم تحويل هذا المكتب إلى مركز احتجاز للمدنيين”. ذهبت إلى المكتب ووجدت بوابة حديدية تشبه في الواقع مركز احتجاز، وتم استخدام كل هذه الأدوات لإدارة ذلك مكان كمركز احتجاز فعلي.وأثناء مروري عبر بوابة المكتب، رأيت بقايا الملابس الممزقة والأوساخ والحشرات الصغيرة بداخلها، وبعض الوسائد المتسخة ومراتب النوم، وطبق به بقايا طعام متعفن، مقبرة لأشخاص ماتوا سريريًا وفقدوا. معنى الحياة الإنسانية، لكنها ظلت “أناسا أحياء” في عيون آسريهم. ويلحق بهذا المكتب غرفة أخرى، لا تختلف معالمها كثيرا عن ميزات المكتب الأول، إلا أن هناك بعض بقايا النفايات البشرية على الأرض. وكان هذا المشهد كافيا لإظهار ما كان يحدث هنا في هذه المكاتب حيث كان مئات المواطنين محتجزين في الطقس الحار.
** آثار السودان
وانتهت الجولة بزيارة منزل الخليفة عبد الله التعايشي في حي الملازمين. تأسس المبنى الأثري الذي بني طابقه الأول من الطوب اللبن عام 1887م بينما بني الطابق الثاني عام 1897م، واختار التعايشي أم درمان عاصمة للثورة المهدية. تم تحويله إلى متحف عام 1928 ويضم… أثر الدولة المهدية والحكم التركي والحكم المزدوج المصري البريطاني. وقال مدير المتحف جمال محمد زين العابدين، لـ«الشروق»، إنه بعد الحرب نهبت المليشيات المتحف وسرقة أربعة سيوف قديمة أبرزها «سيف الإمام محمد أحمد المهدي وسيف الإمام المهدي». “الأمير عبد الرحمن النجومي”، بالإضافة إلى المسبحة العتيقة المصنوعة من اللاسو، وذقن الأمير عثمان، وسرج حصان السلطان علي دينار، وكأس قرن وحيد القرن التي كانت مملوكة للخليفة التعايشي. وتابع: “حتى المطبعة الحجرية القديمة كانت تكتب أهم رسائل الدولة المهدية التي كانت ترسل إلى مناطق السودان المختلفة وكذلك مصر وشنقيط ونيجيريا وإسطنبول، وحتى الرسائل التي كان يرسلها إلى الدولة المهدية”. كما تم كسر ملكة بريطانيا العظمى وحاكم مصر والسلطان العثماني. وفي الوقت نفسه، سُرقت من الدولة المهدية عملات معدنية مصنوعة من الحديد والنحاس، كما سُرقت أسلحة نارية أيضاً، من بينها مسدسات وبنادق مصنوعة من الخشب النادر، فضلاً عن مدافع تجرها الخيول، مؤكدين أنهم كسروا ما لم يتمكنوا من سرقته. كما تم سرقة عدد من المصاحف والكتب، وكذلك المتعلقات الشخصية للسيدة أم كلثوم زوجة الإمام محمد أحمد المهدي. بالإضافة إلى ذلك، تم إتلاف وسرقة الآثار الموجودة في غرفة الجنرال تشارلز جوردون باشا، وأضاف أشهر قائد بريطاني في السودان أن عملية الجرد لا تزال مستمرة، خاصة وأن معظم المتخصصين في جرد وترميم الآثار يغادرون البلاد بعد الغزو. سيكون للحرب.
** إسماعيل الأزهري
وفي حي بيت المال، حيث يقع منزل إسماعيل الأزهري الذي رفع علم استقلال السودان عام 1956 وكان أول رئيس للبلاد، يعتبر رمزا وطنيا بارزا للسودانيين ويلقب بـ”الملك”. بيت السودانيين”. هذا البيت القديم لم يسلم من الدمار الذي خلفته الحرب. وفي مايو/أيار 2023، قامت قوات الدعم السريع بتحطيم أبوابه وتحويله إلى ثكنة عسكرية. وفي داخل الفناء الكبير، تم تدمير بعض الجدران والأعمدة وتحولها إلى ركام ضخم، لكن من أجل الحفاظ على بقاياها، قامت السلطات الأمنية. وقد فتحت باب المنزل المشمع حتى أنني لم أتمكن من الدخول إلى السكن الذي تم تحريره من سيطرة المليشيات في شهر مارس الماضي.
** أرقى الجامعات في السودان
من منزل الزعيم الأزهري إلى مقر جامعة الأحفاد للبنات في شارع العارضة، التي تعتبر من أعرق الجامعات السودانية، تحولت من مكان للتعليم إلى مكان مكتظ بالناس، لا يبقى منه إلا آثار معركة والتي لا يبدو أنها استمرت طويلاً على يد مرتكبيها، الذين لا يهتمون بالعلم، فربما لم يجدوها. كانت تحتوي على ما كانوا يبحثون عنه من ذهب وأموال واكتفوا بالسرقة، ودمروا ما استطاعوا من أدوات وتكييفات وغيرها، ودمروا ما استطاعوا تدميره، ولم يتبق منهم سوى الكتب على الأرض. يضع. مكتبة الحفيظ التي تحتوي على العديد من الكتب المتنوعة من كافة المجالات وبعدة لغات، لم يكلف رجال المليشيا عناء نهبها، وخلال الجولة كانت الرمز الوحيد الذي رأيته المتبقي، حتى أيقونات رؤساء وملوك البلاد. ولم يتعرض عالم ورموز السودان إلا لأضرار طفيفة، لكنهم شهود على التخريب الذي طال هيكلية الجامعة.
**بقايا حياة
سوق أم درمان القديم، الذي لم يتوقف عن التجارة لمدة 100 عام على الأقل، تحولت إلى أنقاض بسبب الحرب، حيث دمرت أكثر من 80٪ من بنيته التحتية وسرقة ونهب جميع المحلات التجارية. “الدعم السريع اقتحموا منزلي وسرقوا مني كل شيء، حتى الـ 5000 جنيه (ما يعادل 2 دولار) التي لم يتركوها في جيبي”. محلات الأقمشة بالسوق وسكان حي المسالمة الشهير بأم درمان. وتابع الحاج مصطفى حديثه بعد وصولنا إلى المتجر: “منعونا من دخول السوق وعندما اندلعت الحرب كنت في منزلي ورأيت سلعتي مسروقة من المتجر وتم تمرير البضائع حول العينين. وتحميلها على السيارات.” وأضاف وهو ينظر إلى محله بأسف: «جئت لرؤية المحل لأنني اشتقت إليه»، ورغم حزنه قال بصوت أمل «لو الحكومة سمحت لي الآن سأفتحه». المتجر مرة أخرى، وسوف يسكن الحي من قبل أسيادهم.
** مرونة القطاع الطبي
وعلى مدار أشهر الحرب، تعرض القطاعان الصحي والطبي في مدن العاصمة لأضرار بالغة. واستهدفت المليشيا بشكل رئيسي هذا القطاع في الساعات الأولى من الحرب، حيث تم تدمير الصندوق الوطني الطبي الذي كان يضم المخزون، بحسب د. وبحسب محمد إبراهيم، المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة بالخرطوم، تقدر الخسائر الأولية للقطاع الطبي بولاية الخرطوم وحدها بنحو 11 مليار دولار. الشروق. وأضاف إبراهيم لـ«الشروق» خلال لقائه بمكتبه بمدينة أم درمان أنه مع اندلاع الحرب تم تشكيل لجنة طوارئ صحية للتعامل مع الوضع الصحي بالمهارات المتوفرة في مواجهة هذه الظروف الاستثنائية ولديها نعمل على استراتيجية إدارة الأزمات حتى الآن، خاصة أننا نعمل بطاقة 27 من أصل 54 مستشفى كانت عاملة قبل الحرب، والمستشفيات المتبقية خرجت عن الخدمة لأن المليشيا استخدمتها كثكنات عسكرية، مثل “مستشفى الخرطوم التعليمي، مستشفى الأورام، مستشفى جعفر بن عوف للأطفال، ابن سينا، إبراهيم مالك، مستشفى السويدي للأطفال حديثي الولادة” ومستشفى أم درمان الذي أعيد تشغيله مؤخرا بجوار مستشفى القابلة. وأعيدت الثكنات إلى العمل. وتم توثيق الحالة في هذه المستشفيات، حيث عثرنا على بقايا طلقات نارية وقذائف مدفعية ثقيلة وقنابل يدوية. وأكد إبراهيم أن المستشفيات استقبلت 243 فتاة تعرضن للاعتداء الجنسي من قبل عمال الدعم السريع خلال الحرب، وتم توثيق الحالات من قبل وزارة الصحة على مستوى ولاية الخرطوم. وأسفرت هذه الاعتداءات عن 8 ولادات، لكن لم تسجل أي حالة إجهاض للفتيات في الولاية. وأوضح إبراهيم أنه رغم هذه الظروف الدقيقة، إلا أننا نعمل على تقديم الخدمات الطبية والصحية المنتظمة مجاناً للمرضى من خلال المستشفيات العامة والمراكز الصحية، وبالإضافة إلى الخدمات الطارئة والصحية المجانية، نقوم أيضاً بإجراء الفحوصات المختلفة للأطفال دون سن الخامسة. 5 سنوات، علاج حربي طارئ لـ “جرحى الحرب” وعلاج الأورام – ومرضى غسيل الكلى.
** مستشفى النو
وفي الربع الثامن من منطقة الثورة بأم درمان يقع مستشفى النو الذي يعد رمزا للصمود كونه المستشفى الأكثر تعرضا لقصف مدفعي كثيف من الدعم السريع. ورغم ذلك واصلت تقديم خدماتها المساندة لإنقاذ المواطنين بالدعم المدني حتى لم تتوقف عن العمل. توجهت إلى المستشفى وقمت بجولة فيه برفقة مديره د. جمال الطيب، قال لـ”الشروق”، إن “الدعم السريع قصف المستشفى أربع مرات بقصف مدفعي على مدينة أم درمان، ما أثر على العمل، وطاقم من الأطباء استشهد بعضهم، بالإضافة إلى ممرض”. التي استشهدت جراء سقوط قذيفة على منزلها.وأضاف الطيب لـ«الشروق» أن المستشفى يتوفر بها أجهزة التخدير والأشعة، لكن ينقصها بعض الأجهزة المتطورة مثل طرق التشخيص مثل التصوير بالرنين المغناطيسي ومعدات جراحة الأعصاب ومحطات إنتاج الأكسجين، ويكون الضغط عليها كبيرًا خاصة في أوقات الإصابة انقطاع التيار الكهربائي واشتباكات، والمولد الكهربائي لا يكفي لنقل المرضى إلى مستشفيات مدينة شندي شمالي السودان. وأوضح مدير مستشفى النو، أن الطاقة الاستيعابية للمستشفى لا تتسع إلا لـ 30 مريضاً يومياً، ولكننا نستقبل حوالي 90 مريضاً، وحتى غرفة العمليات للمصابين تتسع لـ 4 أشخاص فقط، بينما غرفة الطوارئ تتسع لـ 11 شخصاً. سجل وأكد أنه تم نصب 5 خيام. سعة كل خيمة 10 أسرة لاستيعاب عدد أكبر من المرضى، مما يشير إلى أن إعادة فتح مستشفى أم درمان سيخفف الضغط على مستشفى النو.وأوضح مدير عام المستشفى، أنه ليس كل المرضى من جرحى الحرب، لكن هناك مرضى يعانون من فقر الدم وسوء التغذية نتيجة حصار الدعم السريع لمناطقهم، ولم يتلقوا الرعاية الطبية في الأشهر الأخيرة استقبلتهم مؤخراً للعلاج، وذكرت أن المليشيا منعتهم من تلقي الأدوية والعلاجات أو باعتها لهم بسعر زهيد، قائلة: “إنهم تجار ومجرمون. إنهم يتاجرون في الغذاء والمنطقة التي يسيطرون عليها تقسمها إلى مناطق نفوذ بين قواتها المسلحة. يبيعون الدقيق والأدوية والغذاء بأضعاف السعر. على أحد أسرة المستشفى المزدحمة بالمرضى في قسم الباطنة، ترقد إحدى النساء تدعى “فاطمة”، وهي في حالة من التعب الشديد. تقول بصوت هادئ لأنها لا تستطيع الكلام: “أنا قادمة من منطقة دار السلام، عشت تحت سيطرة المليشيا طوال أشهر الحرب وتلقيت معاملة خاطئة أثرت في حياتي”. المرارة، والآن أخبروني أن الأطباء أخبروني أنه يتعين عليّ استئصال الرحم.” حتى الطعام لم يكن سهلاً، خاصة وأنه لم يكن لدينا المال. وفي الوقت نفسه، قالت السيدة نجلاء، التي تعيش في نفس المنطقة وتعاني من مرض السكري: “منذ أكثر من عام، لم أتمكن من الحصول على جرعة الأنسولين حتى عندما كنت في غيبوبة سكري”. وفي قسم الحوادث أصيب مصطفى جودة، الشاب البالغ من العمر 18 عاماً والذي حضر قبل ثلاثة أسابيع، برصاصة عرضية من الدعم السريع أثناء جلوسه هو وأصدقاؤه أمام منزله، أثناء عملية بتر ساقه اليمنى. قدمه ويده اليسرى، حيث توفي اثنان من أصدقائه وبترت أربعة أطراف أخرى، بينما نجا شخص واحد. وعندما سأل د. وتساءل جمال الطيب عن إمكانية إنقاذه من البتر المزدوج، قائلا: “عندما جاء هذا الشاب إلى المستشفى، تم بتر جزء كبير من يده، ولكن كان من الممكن علاجه لو كان الأمر كذلك. “الظروف من حولنا كانت أفضل من الوضع الحالي وذلك بوضع الجزء المبتور في محلول خاص وإعادته إلى اليد من قبل فريق من المتخصصين. لكن هذا صعب وغير ممكن في السودان.
* تمسك بالحياة والبيت
ورغم ذلك يواصل الدعم السريع العمل على قصف مناطق أم درمان المحررة في بعض مدن بحري والخرطوم بشكل شبه يومي من المناطق الخاضعة لسيطرته حتى لا تعود الحياة إلى المدينة مما أدى إلى وقوع إصابات بين المواطنين القاطنين في أراضيهم. وعاد، وخلف العديد من القتلى والجرحى. ورغم كل الآلام والصعوبات التي جلبتها الحرب، إلا أن سكان مدينة أم درمان متمسكون بوطنهم.