بعد تعرضها للقصف الإسرائيلي.. ما تاريخ وأهمية مدينة صور اللبنانية؟
شنت إسرائيل، اليوم الأربعاء، غارات على مدينة صور الساحلية اللبنانية. وأدى هذا الهجوم إلى مغادرة العديد من المدنيين المدينة بعد أن طلب جيش الاحتلال من السكان إخلاء أجزاء كبيرة من المدينة باعتبارها موطنا لآلاف النازحين.
وبحسب الوكالة الوطنية للإعلام اللبنانية الرسمية، فإن “أربع هجمات استهدفت مدينة صور بعد أن هدد العدو بقصفها”. “
معنى الصور
تعتبر مدينة صور اللبنانية من أقدم المدن الساحلية في البحر الأبيض المتوسط وتعود جذورها إلى عصور ما قبل التاريخ. بفضل موقعها الجغرافي الممتاز على الساحل الجنوبي الغربي للبحر الأبيض المتوسط.
كانت صور مركزًا ثقافيًا وتجاريًا مهمًا لآلاف السنين. وتشتهر بتراثها الفينيقي القديم ودورها البارز في التجارة البحرية، وكنقطة انطلاق للعديد من المغامرات البحرية على مر القرون.
تأسست صور حوالي عام 2750 قبل الميلاد. أسسها الفينيقيون عام 400 قبل الميلاد، وهم شعب سامي عاش في المناطق الساحلية فيما يعرف الآن بلبنان. وكشفت الحفريات الأثرية في المدينة عن دلائل على حضارة مزدهرة، إذ كانت صور مركزاً تجارياً بحرياً مهماً للفينيقيين الذين تميزوا بمهارات بناء السفن والملاحة البحرية.
وفي ذروة ازدهارها، سيطرت صور على التجارة في جميع أنحاء البحر الأبيض المتوسط. وتعتبر من أقدم المدن التي أسست مستعمرات بحرية في عدة مناطق، مثلا في قرطاج بشمال أفريقيا والتي أصبحت فيما بعد إمبراطورية مستقلة. وكانت صور مركزاً تجارياً استراتيجياً بين الشرق والغرب، وكانت تصدر إليها العديد من السلع مثل الأرجوان الذي كان يصنع من الأصداف وكان رمزاً للثروة والقوة.
الأهمية التاريخية في العصور المختلفة
شهدت مدينة صور العديد من العصور التاريخية التي أثرت في مسارها بأكمله. خلال العصر الآشوري، تعرضت المدينة للحصار والغزوات، لكنها تمكنت من الحفاظ على استقلالها في عدة فترات. وفي وقت لاحق، في القرن الرابع قبل الميلاد. وفي عام 200 قبل الميلاد، حاصر الإسكندر الأكبر مدينة صور لفترة طويلة خلال حملته في الشرق. وبعد عدة أشهر من المقاومة الشرسة، تمكن الإسكندر من احتلال المدينة، مما أدى إلى تغييرات سياسية واقتصادية كبيرة هناك.
العصر الروماني والبيزنطي
وفي العصر الروماني ازدهرت صور وأصبحت إحدى أهم المدن في منطقة فينيقيا. وقد تم بناء العديد من المعالم الأثرية فيها، مثل المدرج الروماني الشهير، والذي يبقى شاهداً على عظمة المدينة في ذلك الوقت. وفي العصر البيزنطي، برزت صور كمركز ديني وثقافي مهم ولعبت دوراً بارزاً في انتشار المسيحية في المنطقة. تم بناء العديد من الكنائس في المدينة، مما يعكس الطبيعة المتغيرة لطبيعتها الثقافية والدينية.
الصور في العصر الإسلامي
ومع قدوم الفتوحات الإسلامية في القرن السابع الميلادي، خضعت صور للحكم الإسلامي وأصبحت جزءاً من الدولة الأموية ومن ثم الدولة العباسية. ورغم التغيرات التي طرأت على المدينة، إلا أنها احتفظت ببعض أهميتها التجارية والثقافية، إلا أنها مع مرور الوقت أصبحت أقل أهمية مقارنة بالمدن الساحلية الأخرى.
خلال الحروب الصليبية، كانت صور هدفاً استراتيجياً مهماً وكانت مسرحاً لمعارك متكررة بين القوى الإسلامية والصليبيين. احتلها الصليبيون عام 1124م، واستمر وجودهم فيها عدة عقود حتى استعادها المسلمون أخيراً.
الصور في العصر الحديث
في العهد العثماني، كانت صور مدينة ساحلية متواضعة وبدأت تفقد الكثير من دورها التجاري. ومع ذلك، ظلت المدينة مأهولة بالسكان واحتفظت بطابعها التاريخي. وفي القرن العشرين، بدأت مدينة صور تستعيد أهميتها، خاصة بعد استقلال لبنان عام 1943.
وتعتبر مدينة صور اليوم إحدى أشهر الوجهات السياحية في لبنان، حيث يأتي إليها الزوار من جميع أنحاء العالم للتعرف على آثارها الفينيقية والرومانية والبيزنطية. وتتميز المدينة بشواطئها الجميلة وأسواقها التقليدية وتعتبر مركزا ثقافيا هاما يعكس تنوع الحضارات التي مرت بها.