الذكرى السبعون.. كيف تجسدت وحدة الشعب الجزائري في ثورته ضد الاستعمار؟
تحل اليوم الذكرى السبعون لاندلاع الثورة الجزائرية، عندما انتفض الشعب الجزائري مطلع نوفمبر 1954، مشعلا مشاعل الغضب ضد الاستعمار الفرنسي ومطالبا بحقه في الاستقلال.
ودعمت مصر الثورة الجزائرية منذ بدايتها، حيث قدمت الدعم السياسي والعسكري والإعلامي من خلال إذاعة صوت العرب عام 1962، مؤكدة التزامها بقضايا التحرر العربي في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
كما فتحت أبوابها لقادة الثورة الجزائرية وعلى رأسهم أحمد بن بلة الذي تم نقله إلى القاهرة لإنشاء مكتب للثورة وتنسيق الجهود الدبلوماسية. ومثل استقبال مصر لبن بلة وزملائه دعما معنويا وسياسيا كبيرا، حيث وفرت لهم مصر مقرا آمنا لإدارة شؤون الثورة وتنظيم لقاءات صحفية وإعلامية لشرح أهدافهم وإيصال رسائلهم إلى العالم.
وبعد صراع متواصل دام حوالي ثماني سنوات، اتفقت جبهة التحرير الوطني والحكومة الفرنسية على اتفاقيات إيفيان، التي اعترفت بحق الجزائريين في الاستقلال، منهية بذلك أكثر من 130 سنة من الاستعمار الفرنسي.
– هجمات الفتح
في 1 نوفمبر 1954، أشعلت جبهة التحرير الوطني الجزائرية شرارة الثورة من خلال سلسلة من الهجمات المسلحة المنظمة على المواقع الاستعمارية الفرنسية، إيذانا ببداية نضال طويل استمر ثماني سنوات حتى تحقيق الاستقلال.
وبحسب المؤرخ ياسف سعدي في كتابه “الثورة الجزائرية في عامها الأول”، فقد شكلت هذه الهجمات خطوة حاسمة استهدفت مواقع الشرطة ومحطات الاتصالات والمراكز العسكرية الفرنسية في عدة مناطق بالجزائر، خاصة في العاصمة الجزائر. منطقة الأوراس ومدينة البليدة.
وقد تم توقيت الهجمات بعناية لتتزامن مع عطلة فرنسية، بهدف إحداث تأثير أكبر ومفاجأة السلطات الاستعمارية، التي لم تكن تتوقع حركة بهذا الحجم.
وكان الهدف من الخطة هو إرسال رسالة واضحة مفادها أن الشعب الجزائري، الذي عانى سنوات طويلة من القمع، قرر أخيرا اللجوء إلى العمل المسلح لاستعادة حقه في تقرير المصير. ورافقت الهجمات انتشار “1. إعلان نوفمبر/تشرين الثاني، الذي سلط الضوء على مطالب الجزائريين، خاصة الاستقلال التام.
ويصف السعدي في كتابه كيف أثرت الهجمات على السلطات الفرنسية وأربكت حساباتها، وقوضت ثقتها وقدرتها على السيطرة على الوضع وساعدت في رفع معنويات الجزائريين، حيث انضم الكثير منهم إلى المقاومة بعد الحرب أصبح حقيقة.
ويوضح السعدي أن العمليات كانت ذات بعدين: رمزي وتكتيكي في الوقت نفسه، حيث كبدت القوات الفرنسية خسائر وتسببت في اضطراب عميق.
– معركة جبل الأوراس
كانت جبال الأوراس في الجزائر موقعا لواحدة من أهم معارك الثورة الجزائرية عام 1955، حيث كانت مركزا للمقاومة ضد الاستعمار الفرنسي. بفضل التضاريس القاسية والروح الوطنية، أصبحت المنطقة ساحة معركة صعبة للجيش الفرنسي حيث قدم الثوار تكتيكات قتالية مبتكرة في جبال الأوراس.
وواجه الفرنسيون مقاومة بالقصف الجوي والمدفعي الكثيف، الأمر الذي واجه تحديات كبيرة بسبب الموقع الجغرافي المعقد ومعرفة الثوار المحلية. ولم تكن هذه المعركة التي استمرت يوما كاملا مجرد مواجهة عسكرية، بل كانت رمزا للإرادة والعزيمة، حيث حفزت الجزائريين على المشاركة في النضال وأعطتهم زخما للثورة، كما يقول كتاب “تاريخ الثورة الجزائرية” بقلم المؤرخ محمد حربي.
– إضراب عام
شهدت الثورة الجزائرية إضرابا شعبيا حاشدا في يناير 1957، نظمته جبهة التحرير الوطني في إطار استراتيجية المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي. واستمر الإضراب ثمانية أيام وشارك فيه آلاف الجزائريين في المدن والقرى، مما أدى إلى توقف العمل وتعطيل الأنشطة التجارية والمرافق العامة.
وكان الهدف من الإضراب إبراز وحدة الصف الوطني والدعم الشعبي للثورة، ولفت انتباه المجتمع الدولي إلى القضية الجزائرية. وأثار الإضراب قلق السلطات الفرنسية، التي حاولت كسره بعنف من خلال الاعتقالات والضغط على المضربين للعودة إلى العمل. لكن رغم القمع، ظل الإضراب صامدا وأظهر مدى التزام الشعب الجزائري بكفاحه من أجل الحرية والاستقلال.
– هجوم بالقنابل على ساقية سيدي يوسف
في صباح يوم 8 فبراير 1958، هزت قرية الساقية سيدي يوسف الصغيرة الواقعة على الحدود الجزائرية التونسية هجمات وحشية شنتها الطائرات الفرنسية، في واحدة من أبشع جرائم الاستعمار.
وكانت القرية مليئة بالأطفال والعائلات التي لجأت إليها هربا من جحيم الحرب، لكن المقاتلين الفرنسيين استهدفوا بشكل مباشر السوق والمباني السكنية وحتى سيارات الإسعاف والصليب الأحمر، ليتحول المكان إلى بحر من الدماء والركام.
وأدى التفجير إلى مقتل نحو 79 شخصاً، بينهم نساء وأطفال، وإصابة العشرات – وهو المشهد الذي صدم ضمير العالم.
وكانت فرنسا تعتزم بهذه العملية ضرب خطوط إمداد جبهة التحرير الوطني الجزائرية، لكنها انتهكت بوحشية كل المعايير الإنسانية بعدم التمييز بين المدنيين والثوار، وحولت قرية مسالمة إلى مسرح لمجزرة لا تنسى، بحسب الكتاب الفرنسي. “حرب الجزائر” للكاتب ألفريد جروس.