جبانة البجوات بالخارجة.. مكان يروي قصة صمود المسيحيون الأوائل في مصر -صور
على بعد ثلاثة كيلومترات شمال مدينة الخارجة تقع مقبرة البجوات، التي تعتبر من أقدم المقابر المسيحية في العالم ومزارًا فريدًا يضم القصة العطرة ومشاهد من العهد القديم والأحداث الخالدة المرتبطة بالأنبياء.
وتشهد مقبرة البجوات في واحة الخارجة على أوقات مضطربة في تاريخ مصر، عندما لجأ المسيحيون الأوائل إلى الواحات بحثا عن الأمان والاستقرار وتركوا نقوشا على جدرانها تحكي قصصا من التاريخ المصري والكتاب المقدس تحكي جانبا نادرا من جوانب الحياة. مسيرة المسيحية وثباتها في واحة السلام.
نصب أثري
ويؤكد عالم الآثار بهجت أبو سديرة، مدير عام الآثار بالوادي الجديد الأسبق، أن مقبرة الباجوات المقامة على أنقاض مقبرة مصرية قديمة، تضم نحو 263 مقبرة، تتنوع في تصميمها من مقابر فردية صغيرة إلى مقابر عائلية كبيرة في تلك الفترة. ويرجع استخدام المقبرة إلى القرن الثالث الميلادي، وكانت طقوس الدفن هناك تتبع أسلوبًا مشابهًا للطقوس المصرية القديمة تمثل المدافن التي يتم فيها دفن الموتى في توابيت مصحوبة بأشياء جنائزية وتوضع على أرفف معدة أسفل الحفر ممارسة التحنيط، على الرغم من توقفها في وادي النيل.
وأوضح أن الطراز المعماري هنا هو مزيج من الفن المصري القديم والفن القبطي، مما يعكس التعايش الثقافي والديني الفريد الذي شهدته مصر على مر القرون.
مزار الخروج
ويقول محمد إبراهيم، مدير الآثار الحالي بالوادي الجديد، إن “مقبرة الخروج” من أهم معالم مقبرة باجوات، والتي تحتوي على مشاهد شهيرة من العهد القديم، خاصة قصة خروج بني إسرائيل. إسرائيل من مصر بقيادة موسى النبي ومن بعده يعود اسم الهيكل.
وقال محمد: “إن سقف الضريح مزين بقبة مزينة بشرائط تصور مناظر تجسد لحظات خروج النبي موسى من مصر في طريق سيناء ومطاردة جيوش فرعون له، وهو ما يعيد إلى الأذهان”. ” من أعظم القصص التاريخية والدينية المذكورة في الكتب السماوية “.
وأضاف محمد أن هناك أيضًا رسومات لقصص أخرى من العهد القديم معلقة على جدران المقام، منها قصة آدم وحواء، وسفينة النبي نوح، وقصة النبي دانيال في جب الأسود، وقصة النبي نوح في جب الأسود. قصة النبي يونس والحوت. وتجسد هذه الرسومات الجانب الفني والديني للمسيحيين الأوائل، مما يوضح مدى تمسكهم بتراثهم الديني وإصرارهم على توثيقه في زمن الاضطهاد.
تحكي النقوش معاناة المسيحيين الأوائل
وأكد عالم الآثار منصور عثمان، مدير الآثار القبطية السابق بالوادي الجديد، أن مقبرة الباجوات شهدت معاناة المسيحيين الأوائل الذين اضطروا إلى الفرار من الحكم الروماني والاستقرار في الواحات بحثًا عن الأمان، لتصبح المقبرة موطنًا لهم. بعيداً عن الظلم والاضطهاد.
وكانت على جدران المقابر صور محفورة ومناظر تعبر عن معاناتهم وتاريخهم. وتصور بعض النقوش القبطية معاناة المسيحيين الأوائل، تتخللها مشاهد دينية تجسد قصصًا من الكتاب المقدس، مما يجعلها إرثًا لا يقدر بثمن من العصر المسيحي المبكر في مصر.
ضريح السلام
ويؤكد منصور أنه إلى جانب “مقام الخروج”، يبرز “مقام السلام” أيضًا كأحد المعالم الرائعة لمقبرة باجوات. يعود تاريخ هذا الضريح إلى القرن الرابع الميلادي ويتميز برموز السلام المزخرفة بالأقواس والرسومات. يوجد في وسط الضريح صينية كبيرة وجدرانها باللون الأبيض والوردي، وزينت الزوايا برسومات الطاووس ونقوش رمزية من الكتاب المقدس، مما يعكس رغبة المسيحيين الأوائل في نقل رسالة السلام التي جاءت إليهم. كان بمثابة بصيص أمل في زمن الاضطهاد.
قيمة تراثية فريدة
يقول عالم الآثار طارق القلعي، مدير متحف آثار الوادي الجديد، إن مقبرة باجوات تعد مثالا حيا للعمارة القبطية المبكرة حيث تم بناؤها على شكل قباب وتأخذ اسمها من الطراز المعماري “القبو”. وتتوسطها آثار كنيسة تعتبر من أقدم الكنائس القبطية في بلاد مصر، مما يعكس أهمية المقبرة كموقع ديني وتاريخي ذو قيمة حضارية كبيرة.
ويؤكد أنه بالإضافة إلى ذلك فإن المقابر الأخرى بالمقبرة تحتوي على نقوش ملونة وكتابات قبطية تحكي قصصًا عن تاريخ المسيحية في مصر، كما تحتوي على ذكريات شهدتها مقبرة الباجوات من القرن الثاني إلى القرن السابع الميلادي، لذلك فهي تعتبر وثيقة حية نادرة توثق حقبة مهمة من تاريخ مصر.
وتظل مقبرة الباجوات في واحة الخارجة تراثًا مصريًا عالميًا وشهادة على ترابط الدين والتاريخ والهندسة المعمارية. إنها لوحة تاريخية فريدة تحكي قصصًا عبر الأجيال عن زمن الأنبياء ومقاومة المسيحيين الأوائل للاضطهاد. وهذا لا يجعله مجرد موقع أثري، بل معلم روحاني يلهم الزوار والسياح من جميع أنحاء العالم.
ويستمر مقام الخروج، وبالتالي مقام السلام، في تسليط الضوء على فصول قديمة من تاريخ مصر المليئة بالأحداث التاريخية والدينية، ليظل هذا المبنى شاهدا على أصالة التراث المصري الذي يبلغ عمره آلاف السنين.