مصطفى الفقى يكتب: أحزان الشرق الأوسط!

منذ 21 أيام
مصطفى الفقى يكتب: أحزان الشرق الأوسط!

ولا أزال على قناعة بأن نتائج أحداث 7 أكتوبر 2023 وما تبعها من مجازر ومجازر وجرائم هي في مجملها كاشفة للأحداث وليست وليدة الأحداث استمرار الاحتلال المتوقع وجرائمه التي عرفتها غزة وجنوب لبنان وغيرها من الحدود المشتعلة مع إسرائيل، ولقد تذكرت دائما أننا ارتكبناها. هناك عدد من الأخطاء المرتبطة بهذا الصراع الدموي الذي يتكشف ومع اقتراب العام الثمانين، والذي شهد فيه سكان غزة المكافحون، بل والشعب الفلسطيني البطل برمته، أشكالاً مختلفة من القمع والإبادة الجماعية والتشريد، فإنهم يرفضهم القانون الدولي، والأعراف الإنسانية، وكذلك المشاعر الأخلاقية. أكتب الآن لأنقل بعض المخاوف إلى القارئ. ولعلنا نستطيع أن نخرج منها بطريقة تتيح لنا ولغيرنا أن نعيش حياة أفضل في هذه المنطقة من العالم، التي تشمل أجزاء من غرب آسيا وشمال أفريقيا، التي تخضع لهذه الأشكال المتنوعة من الضغوط وعناصر القمع التي تبقينا على قيد الحياة. الأمور دائماً تتحول إلى مواقف مأساوية أكتب إليكم اليوم ونحن نقف على حافة إدارة أمريكية جديدة. ولا أعتقد أن أياً منهم سيكون مختلفاً عما يحدث في أرض فلسطين وفي كل أنحاء لبنان. ستترك حكومة نتنياهو بصمة عميقة تولد جيلاً جديداً زرع الكراهية وأعماقه مليئة بالمشاهد المؤلمة حول الأحداث الشنيعة التي لا تنتهي. وهنا أرجو من القارئ والقارئ الإذن في طرح بعض الأفكار:

أولاً: إن مساواة المحتل بمن احتلت أرضه هي معادلة غير مبررة ومقارنة عبثية. لولا استمرار الاحتلال، لما بدأ العنف من جانب الكفاح الفلسطيني المسلح بقيادة حركة المقاومة الإسلامية، ويمكن القول إن أحداث 7 أكتوبر 2023 كانت الشرارة التي دمرت كل ما حولها. ولست في موقف يسمح لي بانتقاد أفكار حماس وأساليبها، رغم أننا نعلق عليها من موقف الحرص على أمن المقاومة الوطنية، الملتزمة بشروط النضال، حتى لو خرج الطرف الآخر عن السياق، كما وتفعل إسرائيل ذلك بانتهاكها كافة قواعد القانون الدولي وتجاهل مبادئ الشرعية الدولية، لأنها ليست وحدها، بل ترتكز على دعم هائل من الإمبراطورية الأمريكية، على غرار دعم الإمبراطورية الرومانية لقوى مختلفة في مناطق مختلفة في دولها. الصراعات حتى ارتبط اسم السلام بالفكر الروماني وظهر تعبير (باكس رومانا).

ثانياً: لقد أثارت الأحداث الأخيرة في الشرق الأوسط مخاوف لا يمكن تجاهلها، وفي مقدمتها أن هاوية الصراع اتسعت، ومهما قيل عن أخلاقية السلام المنتظر وفرصه الضائعة فإنني أسميه كلاماً متشائماً عندما أقول أقول إن احتياطياً كبيراً من مظاهر العداء والكراهية استقر في الضمير العربي والإسلامي وأن الجميع أصبح ضحية، بل ضمير الشعوب وفهمها المشترك للصعوبات التي عاشتها والظروف التي واجهتها، ومنهم جميعاً نشأت روح مختلفة تؤمن بأن العنف والقمع يولدان مشاعر خفية يصعب تجاهل وجودها أو إنكارها، ولهذا أزعم هنا أن بعض الإسلاميين سيرون في ما حدث مبرراً قوياً لذلك. إن إحياء الشعور بالمشروع الإسلامي على حساب الإسلام، أعتقد وآمل أن يكون لشكوكي بشأن عودة الجماعات المتطرفة حول العالم إلى النشاط مرة أخرى بعض التأثير على مصالح الغرب بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص عودة الوضع في الشرق الأوسط إلى المربع الأول، وهو ما كنا نخشاه ونحذر منه، حيث تدرك الأجيال الجديدة من الفلسطينيين والعرب وحتى الأحرار في جميع أنحاء العالم أن العقلية الإسرائيلية غير مهيأة لمفهوم العيش المشترك وأن بقايا الماضي تعود للظهور على الخريطة الدمار الذي حل بالشعبين الفلسطيني واللبناني لم ينته عند حدود الدمار الجسدي في الحجر الصحي، بل أدى أيضاً إلى الدمار النفسي لدى الناس الذين عادوا إلى رشدهم. وسنكون واضحين أن الأمور لن تستمر على هذا النحو كما أصبحت عليه هي وأن الأجيال الجديدة تولد في الرحم. وستنعكس الأحداث المؤلمة ذات يوم على الانتقام لهذه الأوقات الحزينة من تاريخ المنطقة، وسيتذكر الجميع قتل الأطفال واغتيال القادة وتدمير المنازل وإبادة أعداد كبيرة من الناس، فقط لأنه كان هناك للاشتباه في إمكانية وجود أحد العناصر المطلوبة بينهم!

ثالثاً، حاول البعض تأجيج البعد الديني للصراع، وهو أمر خطير. فالقدس ليست مجرد مسألة دينية، بل هي مدينة محتلة بعد حرب 1967، ولا ينبغي النظر إليها في إطار المواجهات التاريخية. ولا نعتقد أن تدين صراع الشرق الأوسط أمر إيجابي بالنسبة للجانب. بل يمكن أن يكون حافزاً لإحياء التوجهات التاريخية للقتل والدمار. لقد ميز نتنياهو نفسه بطرق غير مسبوقة، ولم يتمكن من استخدام خطاب الكراهية الذي يتم التحدث به والتعبير عنه إلا في محاولة لوقف المخزون من تصديره. عداء الشعب اليهودي للشعوب الأخرى، مستهدفاً الجميع… وشروط ذلك هي التعبير عن روح الانتقام لمعاناة اليهود التاريخية في بعض مناطق العالم ونقل رد فعله إلى الشعب الفلسطيني الذي كان لم تشارك قط في نشوء الصراع، إذ أن المسألة اليهودية في الواقع هي جنين أوروبي وليست بأي حال من الأحوال اكتشافا للشرق الأوسط، بل إن الوطن اليهودي المزعوم يؤيد من فكر فيه المشروع الصهيوني في فلسطين. لصياغة، على أساس ديني مصطنع، مع رفض الخضوع لصوت المجتمع الدولي، التعاطف الساحق الذي يتمتع به الشعب الفلسطيني في الرأي العام الدولي، في مواجهة الدعم الأمريكي والقلق العميق لواشنطن وحلفائها من أن الدولة العبرية يمكن أن تبقى الدولة. المخلوق المدلل يقف فوق كل شيء! وحتى أصبحت قلعة حقيقية للإرهاب والترويع والاستفزاز لشعوب المنطقة، كان من الطبيعي أن يستيقظ الجميع ويدركوا أن المخطط الصهيوني الأول كان إقصاء أصحاب الأرض والتمتع باحتلالها الوحيد رايات الوحدة العبرية والدولة اليهودية.

رابعاً: لقد أظهرت أحداث غزة ومن ثم جرائم إسرائيل في جنوب لبنان، بدءاً من الضاحية الجنوبية لبيروت، جملة من الحقائق، حيث أدرك الجميع أن المنطقة مليئة بالعناصر، وليست كلها تقع في قلب واحد. اغتيال كبار قادة حماس وحزب الله، وعلى رأسهم إسماعيل هنية وحسن نصر الله ويحيى السنوار، كلهم شهادات على العنف المتأصل والإجرام السياسي الذي لا يفكر في التعايش والتكامل بين شعوب الأرض. المنطقة في يوم من الأيام لا تزال بعيدة. إن أحداث العام الماضي برمته وتلك التي تلت ظهور مصطلح “طوفان الأقصى” أضرت بالمنطقة. وستظل معاناة أهل غزة وفئات من الشعب اللبناني بمثابة جرس إنذار للعالم أجمع وسأسمعه مهما طال الزمن، لأن جرائم الإبادة الجماعية والتهجير القسري وتعميم العقاب هي جرائم. وكلها مظاهر لا تعبر عن روح العصر ولا عن الحضارة الإنسانية في القرن الحادي والعشرين، فهي عفا عليها الزمن لأنها تقترب من مفهوم القرصنة والتحرش وسرقة الأراضي وإبادة الشعوب وأشياء أخرى. مظهر كان سائداً في عصور ما قبل التاريخ وأذهلتني مقولة شخصية غربية بارزة عندما قال إن إعادة إعمار غزة وعودتها إلى حياتها الطبيعية قد يستغرق ثمانين عاماً أو أكثر! وهذا يوضح حجم الكارثة التي تتجاوز مجرد الكارثة والانتكاسة، فتدفعنا تارة إلى أعماق اليأس وتارة إلى الرغبة في الانتقام.

• • •

وستبقى هموم الشرق الأوسط مرارة دائمة في حناجرنا حتى تستمع إسرائيل وتتوقف عن الأساليب العنصرية والعدوانية والإجراءات الدموية التي تميزت بها طوال قرن كامل!


شارك