من بيت لحم إلى القدس.. ماذا يقول فيلم أحلام عابرة عن فلسطين التي لا نراها في الأخبار؟
افتتح مهرجان القاهرة السينمائي الدولي افتتاحاته وأيامه الأولى بالفيلم الفلسطيني “أحلام عابرة” للمخرج رشيد مشهراوي دعما وتقديرا للسينما الفلسطينية وما تقدمه لدعم القضية على المستوى العالمي حيث تلعب دور العين القوية التي يعكس الكثير.
في فيلم «أحلام عابرة»، يأخذنا مشهراوي في رحلة عبر فلسطين بشوارعها وأحيائها وتراثها، حيث نتنقل بين بيت لحم والقدس القديمة وحيفا. نرى الجمال والتراث تحجبهما قنابل ورصاص الاحتلال.
حاول المخرج الخروج من بوتقة الانفجارات والعنف والقتل وغيرها من الأحداث المأساوية في أرض فلسطين والتعمق في جماليات المدن الفلسطينية دون التخلي عن السياق العام للاحتلال وتأثيره على حياة الفلسطينيين. ساعد هذا التوازن في إنشاء فيلم مختلف قليلاً، فيلم رمزي أكثر منه مباشر.
ورغم بساطة العمل وروحه الهادئة إلا أنه لم يفقد إيقاعه الدرامي في رحلة البحث التي يعيشها المشاهد مع الطفل سامي الذي تخلى عنه طائره (الحمامة) فقرر البحث عنها بحسب اعتقاده بأن الطيور تعود إلى أعشاشها.
تدور الأحداث حول سامي، الصبي البالغ من العمر 12 عامًا، الذي يفقد عصفوره، ويقرر الذهاب إلى من أعطاه إياه، وهو شقيق والدته الذي يعيش في مدينة بيت لحم. ويقوم الطفل بذلك بمفرده ودون علم الأم، مما يعرضه للمشاكل.
سامي يغادر مخيم قلنديا شمال القدس ويتجه إلى بيت لحم. يحمل معه قفصًا وبذرة طائر، ولا يفكر إلا في استرجاع «الحمامة».
وهنا يصبح الفيلم ما يسمى بأفلام الطريق ذات السمات المميزة، حيث ينطلق شخص أو مجموعة من الأشخاص في رحلة باستخدام وسيلة نقل ذات هدف محدد، ولكنها غالبًا ما تؤدي إلى نتائج جديدة واستكشافية.
تحدث ويليام في. كوستانزو عن خصائص أفلام الطريق في كتابه “السينما العالمية من منظور الأنواع السينمائية”، حيث أشار فيه إلى “ظهور شخصيات متنوعة”، ويتجسد النوع في الأسلوب البصري والشخصية العامة هذا النوع من التصوير الفوتوغرافي السائل واستخدام اللقطات البانورامية واللقطات ذات الزاوية الواسعة واللقطات من زوايا متحركة. وهذا يتوافق مع تفاصيل فيلم “أحلام عابرة”.
ينطلق الصبي الصغير في البداية بمفرده حتى يصل إلى عمه في بيت لحم. ثم يلتقي العم وابنته والصبي ويسافرون جميعًا من القدس القديمة إلى حيفا.
في هذه الأثناء تتحرك الكاميرا مع الشخصيات عبر الأحياء الفلسطينية ونرى المحلات والوكالات التاريخية القديمة التي تشبه في بنيتها ومنحنيات شوارعها شارع المعز في مصر بعراقته وأجواءه الخاصة. نرى الكنائس والبيوت القديمة وشوارع فلسطين وجبالها وبحرها وصوتها، كل الأشياء التي يكتشفها الطفل الصغير ويختبرها لأول مرة. حتى أنه في أحد المشاهد أعرب عن فرحته عندما سمع الأمواج تتكسر على الشاطئ.
ويركز مشهراوي أيضًا على الأشخاص العاديين، مثل المعالج بالأعشاب الذي لا بد من إجلائه، وبائع العطور المتجول، والبائع المتجول الذي يبيع الأطباق ويبكي بسعر زهيد، كما نرى في أسواقنا بالعتبة في مصر. الأمر نفسه ينطبق على موظف وكالة الخزف والنحت الذي لا يتوقف عن إطلاق النكات، بما في ذلك تلك التي تسخر من مكانته كفلسطيني. وقال في مقابلة مع إحدى شخصيات العمل: “ظهر شبح لفلسطيني”، فقال: “أتمنى أمنية…” وطلب منه بناء جسر من فلسطين إلى روما”. الشبح”. فوافقه: “الجبال والبحار صعبة جداً، انظر أيهما أسهل”: “نريد دولة فلسطينية وعاصمتها القدس”. فأجابته الروح: “أريد الجسر، لكن أذهب أو أذهب وأجيء”. “.
لكن هذا لا يعني أن ينسى المخرج السياق العام الذي يعيش فيه هؤلاء، لأن مرارة الاحتلال لا تزول أبداً. ويتجول المستوطنون في كل مكان، وبعضهم يحمل أسلحة نارية، وجنود الاحتلال يتجولون في شوارع القدس. إن الكمائن والعقبات التي يواجهها الصبي ومن ثم عائلته توضح مدى صعوبة الانتقال من مدينة إلى أخرى ومدى صعوبته وشاقه. في الواقع، حكم على والد الصبي نفسه بالسجن لمدة اثني عشر عاما لمقاومته المستوطنين الذين حاولوا مصادرة أرضه.
هذا بالإضافة إلى الرموز الأخرى التي استخدمها المخرج ببساطة للتعبير عن تدمير كل حلم بسيط للفلسطيني، حتى قفص العصافير الذي نسيه الصبي تحت إحدى الطاولات والذي فجره المسلحون ظناً منهم جسماً غريباً. . إنهم يرتجفون ويشعرون بالقلق بشأن كل شيء، حتى قفص العصافير.
وبالإضافة إلى رمزية الغربة بين الفلسطيني وأخيه في الوطن المتمثلة بالأخ والأخت، ورمزية اليمامة نفسها، كان مشهراوي يطلق الصبي في رحلة تختلف عن رحلة المخيم ويطلق سراحه. محيطها يميز الأحياء المتهالكة.
اعتمد المخرج على التصوير الخارجي في معظم مشاهد الفيلم، وهو أمر صعب للغاية، خاصة في القدس، مما دفعه إلى وضع خطط عديدة لمحاولة التنكر والتصوير متخفياً من أجل استكمال فيلمه.
وبحسب تصريحاته في الندوة التي أعقبت العرض، قال أيضاً إنه لم يحصل على إذن بالتصوير لأن التصاريح كانت بمثابة إقرار بسيطرتهم، وكأنهم غرباء في بلدهم.
وأضاف: “نحن نبحث عن الجمال، عن فلسطين المفقودة خلف العنف والتفجيرات. نحن نبحث عن فلسطين ونحاول أن نجد أنفسنا مرة أخرى في الرحلة”.