من مهرجان القاهرة السينمائي.. كيف تصوّر سلمى وأرزة الواقع الاجتماعي في لبنان وسوريا؟
تم عرض عدد من الأفلام المختلفة خلال فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، ورغم اختلاف المحتوى الدرامي لكل عمل، إلا أن بعض الأفلام تداخلت من حيث الشخصيات النسائية وهمومها، معبرة عن هموم كبيرة في الوطن العربي. عالم.
ومن هذه الأفلام، التي بطلاتها نساء، والتي تحتوي قصصها على مشاكل وتعبّر عن الحياة في مجتمعها ودولتها بطريقة ذاتية جداً، الفيلم اللبناني «أرزا» والفيلم السوري «سلمى». وهي أفلام روائية تتداخل شخصياتها ومحتواها وتعبر عن أزمات المجتمعات التي تعاني منذ سنوات، أي المجتمعين اللبناني والسوري بكل مشاكلهما.
وكانت النساء في كلا الفيلمين بمثابة نافذة يعيش الناس من خلالها قصصًا ومآسي أخرى في بلدانهم. نبدأ مع فيلم «سلمى» للمخرج السوري جود سعيد، بطولة سلاف فواخرجي وباسم ياخور والراحل عبد اللطيف عبد الحميد في آخر ظهور له. تدور أحداث الفيلم في إحدى قرى مدينة طرطوس بعد زلزال فبراير 2023 الذي ضرب دولتي سوريا وتركيا.
يبدأ الفيلم بلحظة وقوع الزلزال الذي بلغت قوته 7.8 درجة على مقياس ريختر. تظهر سلمى (سلاف فواخرجي) على شاشة التلفزيون وتنقذ حياة جيرانها وابنها وابن أختها من الموت، مما يجعلها بطلة وشخصية غير عادية تخاطر بحياتها لإنقاذ مجموعة من الأرواح.
لكن المفارقة هي أنه بالنسبة لهذه المرأة التي فقدت منزلها وأختها وصهرها، فإن هذه البطولة لم تساعدها بأي شكل من الأشكال. في الواقع، لم تطلب قط من أي شخص السماح لها برؤية زوجها المفقود بين السجناء السياسيين منذ سنوات. تواجه سلمى صعوبة في الحصول على المساعدة في الجهات الحكومية، وتعمل في أكثر من وظيفة لتلبية احتياجات أسرتها.
وتدور أحداث الفيلم في سياق درامي بسيط حول هذه الشخصية وابنها وابن أختها ووالد زوجها المفقود. إنها في المنتصف وتتحمل مسؤولية الجميع. وبسبب الضغط الذي تتعرض له تعيش لحظات انفجارية قوية، مثل مشهد المحكمة حيث صرخت سلمى من ألم في الصدر، وهو من أفضل مشاهد الفيلم التي تظهر الشخصية وهي تعبر عما تتحمله.
ورغم أنه بعيد كل البعد عن معالجة مشاكل المواطنين السوريين بشكل مباشر، إلا أن الفيلم يسلط الضوء عليها من خلال تفاصيل مرئية، مثل استخدام الشموع كل مساء لإضاءة المنزل، مما يشير إلى أزمة الكهرباء. بالإضافة إلى الطوابير المستمرة في حياة الإنسان السوري في المنطقة التي تعيش فيها سلمى. طوابير المياه، طوابير الحصص الغذائية والمساعدات الغذائية، طوابير المعاشات وغيرها. وفي هذه المشاهد يعبر المخرج بصريا عن طول هذه الطوابير وازدحامها من خلال التركيز في أغلب الأحيان على تصوير ظلالها.
ويركز الفيلم أيضًا على التكلفة العالية وصعوبة العيش من خلال السرد البصري دون الاعتماد على الحوار. وظهر ذلك في لقطات متتالية لسلمى وهي تتجول في الشارع وتراقب أسعار الفساتين والأحذية. كانت بحاجة إلى حذاء جديد لكنها لم تتمكن من دفع ثمنه، لذلك اضطرت إلى استخدام النعال لإصلاح حذائها.
وفي مشهد آخر في سياق الأحداث، أول ما يتبادر إلى ذهنك عندما تحصل على راتب جيد هو شراء حذاء جديد. تظهر سلمى كشخصية بسيطة، وطموحة أحيانًا، ومهزومة ومنكسرة في الغالب، مثل العديد من النساء في مجتمعها.
“أرزا” هو اسم فيلم وشخصية امرأة لبنانية تعيش من دون زوجها ولديها ابن مراهق. الفيلم من إخراج ميرا شعيب وتأليف لؤي خريش وفيصل شعيب. ويلعب الأدوار الرئيسية كل من دايموند بو عبود وبيتي تاتل وبلال الحموي. وتدور الأحداث في لبنان، وتركز بالدرجة الأولى على معاناة الفرد اللبناني في مواجهة الأوضاع الاقتصادية الصعبة والظالمة. اختار المخرج أن يجعل بطلة هذه القصة امرأة لتضخيم الصعوبات التي قد تواجهها في مجتمع متشابك مع الطوائف.
كما نلاحظ بعض التداخل في هذا الفيلم مع أزمات مثل الأسعار وانقطاع الكهرباء وغياب الزوج. لكن يبدو أن الغياب عن هذا العمل اختياري، لأنه بسبب صعوبة الحياة في لبنان، هاجر الزوج فجأة وتركها بحثاً عن حياة أفضل. قررت أرزا البحث عن حياة أفضل في لبنان من خلال العمل والتفكير في مشروع يوفر لها ولأختها وابنها المراهق المسؤولية عنه.
كما أن أرزا تمر بلحظات انفجارية قوية تعبر عن صعوبة المسؤولية الملقاة على عاتقها ولا أحد يساعدها عليها. تواجه حالة من انعدام الأمن في بلدها بسبب قيامها بسرقة الدراجة النارية التي اشترتها بالتقسيط، مما يعرضها لمشاكل قانونية قد تؤدي إلى الحكم عليها بالسجن. كما أنها تعاني من نقص الدعم الشرطي في مدينتها، حيث تم طردها من قسم الشرطة وتم تجاهل مشكلتها.
تعبر الموسيقى التصويرية للفيلم عن الكثير من محتواه حيث تجلس البطلة “سيدار” وحيدة وفي حالة يرثى لها على الأرض وبجانبها مجموعة من الصناديق الصغيرة من الورق المقوى. وهذا تعريف دقيق للشخصية، فهذه المرأة تعاني من الوحدة وهي المسؤولة الوحيدة رغم وجود ابنها المراهق وشقيقتها الكبرى. لكن كل واحد منهم يجد نفسه في عالم مختلف ويترك أرزا وحلمها البسيط “مطعم فطيرة كنان” يغرقان. تفكر في دعم الأسرة ماليًا بينما الجميع مشغولون بعالمهم الخاص.
ويطرح الفيلم سؤالاً خفياً بين السطور حول من فعل هذا باللبنانيين من خلال شخصية أرزا التي تائهت في شوارع المدينة الجميلة. هل الطائفية هي السبب؟ أم الظروف الاقتصادية؟ أم السلطة السياسية؟ أم المتظاهرين؟ أم أن كل الأطراف اجتمعت دون أن تتوحد للوصول إلى هذه النتيجة القاسية؟ والنتيجة تضع الإنسان في دائرة من الأنانية يفكر فيها كل فرد في البقاء من وجهة نظره، لكنه في النهاية لا ينجو، بل تصبح الحياة أكثر صعوبة.