نبيل فهمي يكتب: التوجهات الخارجية للناخب والرئيس الأمريكي ترامب
هناك جهد كبير من قبل السياسيين والمحللين والإعلاميين لفهم نتائج الانتخابات الأمريكية وتقييم المواقف والسياسات الخارجية الأمريكية القادمة بعد فوز دونالد ترامب بالسباق الرئاسي يوم 5 نوفمبر، وهذا بالطبع في ظل التقلبات السياسية. والقوة العسكرية لأمريكا وثرواتها الاقتصادية والمادية وتأثر أغلب الدول بقراراتها إيجابا وسلبا.
ولتوضيح بعض تفاصيل الانتخابات والتعرف على التوجهات السياسية القادمة، قمت باستشارة شخصيات لها دور فعال ومؤثر على الخريطة السياسية الأمريكية وسألتهم عن أسباب عدم اهتمام المسؤولين المنتخبين بالتطورات الدولية العامة. والتنوع الكبير في خلفية المرشحين لترشيح الحزبين الديمقراطي والجمهوري، ومن ثم انتهت أغلبية هذه السباقات لصالح مرشحي يمين ويسار الوسط السياسي، ومن حين لآخر شخصية غير تقليدية يحصل على ترشيح واحد، واحد الجائزة والجائزة الرئيسية، وهي منصب الرئيس، على غرار فوز الممثل السابق رونالد ريغان عام 1981. ودونالد ترامب عامي 2016 و2024. أفضل إجابة وصلتني هي أن النظام الانتخابي مستقر وناجح ولكن له مكانة خاصة لأنه قوة عظمى ولكنه يقرر وفق وجهات نظر واعتبارات شخصية ومحلية وليس محصنا ضد المفاجآت حتى ولو كانت أخطاء أو ما يبدو غير منطقي .وكان التفسير المصاحب أنه رغم اتساع الساحة الاجتماعية الوطنية، إلا أن دائرة اهتمام الناخبين محدودة للغاية، لذلك هناك نتائج تبدو غريبة، من بينها فوز مرشح أدين أمام المحكمة وهدد بالتنفيذ، وغضب أعداد كبيرة. من الناخبين الأميركيين بسبب إهمال النخبة السياسية والاقتصادية لمصالحهم، الأمر الذي خلق غضباً متنوعاً ومتنامياً من الدرجة الأولى، فضلوا دونالد ترامب مرتين، وبعد إدانته بـ 312 قضية. مقاعد في المجمع الانتخابي بالإضافة إلى الأغلبية المطلقة في الانتخابات المباشرة، وهو أمر غير معتاد بالنسبة للحزب الجمهوري. إن أمريكا قارة شاسعة، غنية بالفرص، وقاسية في تحدياتها. تختلف الاتجاهات الاجتماعية من دولة إلى أخرى، وتختلف رؤية مواطني السواحل عن رؤية المجتمع الأمريكي، ولا علاقة لهم بالاهتمامات الدولية إلا إذا تهمهم بشكل مباشر، خاصة وأن المجتمع هو فلسفة المصلحة الشخصية كما أسلوب حياة، ولذلك يصوت الناخبون لرؤية محلية أقل حتى من المستوى الإقليمي ولا علاقة لها بالأوضاع الدولية، فهي قوة عظمى وقرار الناخبين يكون لصالح من يتفق معهم أهم اهتماماتهم الشخصية، ما في في معظم الحالات، يكون الاقتصاد، أو مخاوفك المباشرة من أن الحرب كانت أحد أسباب انتصار أوباما بعد غزوات جورج دبليو بوش، أو المخاوف بشأن المهاجرين غير الشرعيين، هي الأولوية القصوى لترامب.وأكد لي كثيرون أنه من الطبيعي أن يفاجأ المجتمع الدولي بالنتائج بين الحين والآخر، لأن الأحزاب الأميركية الكبرى نفسها أخطأت في تقدير التغيرات الاجتماعية بشكل خطير، رغم أنها حدثت تدريجياً على مدى فترة طويلة من الزمن.وفي سياق التأملات والمداولات حول المستقبل، من المهم الإشارة إلى أن السياسة الخارجية الأمريكية تشهد منذ عقدين من الزمن تحولاً نحو الانكماش والانعزالية التدريجية، والابتعاد عن دور ومسؤوليات القوى العظمى والتركيز فقط على المصالح الوطنية. اهتمام .فالناخب الأميركي لم يعد يرحب بتحمل بلاده مسؤوليات باهظة الثمن في الخارج، وهو نفس موقف ترامب. بعض المحللين قرروا وأصروا على أن كل الشؤون الخارجية بلا استثناء ستتأثر، حتى أقرب الأصدقاء. وعلى أسئلة البعض، كان الجواب أن كل شيء كان متناسبا. ومن يعتقد أن سياسة دفاتر الشيكات المفتوحة، المالية والسياسية والعسكرية، ستستمر أو أن الولايات المتحدة ستتابع كل القضايا عن كثب، فهو مخطئ. فصبر الناخب الأميركي قد نفد ولا يهتم بقضايا خارجية مثل تلك على غرار حقبة الحرب الباردة. قد يستغرب البعض من هذه الآراء، مع أنه منذ غزو العراق توافرت الأدلة الكثيرة على أن أميركا، الديمقراطية والجمهورية، أرادت الانسحاب من حروب طال أمدها، وكان آخر هذه التحركات انسحاب بايدن من أفغانستان رغم اختلافهما. مواقف لم يلجأ بايدن ولا ترامب قبله إلى العنف ضد إيران. والجيش ضدها إلا في حالات استثنائية، ومن مسافة بعيدة. ويمكن تلخيص إطار فلسفة ترامب الخارجية المتوقعة في بضعة عناوين، أولها: الالتزام بسياسات خالية من الأيديولوجية وتهدف إلى تحقيق عوائد مباشرة قصيرة المدى للولايات المتحدة ورأسماله السياسي الشخصي. ثانياً، يجب أن يرتكز إطار العلاقة على ما يسمى بالاقتصاد الجغرافي بدلاً من الجغرافيا السياسية، وهذا يعني أن حساباته تركز على العائدات والأثر الاقتصادي. وثالثاً، فهو لا يدعو إلى الاستخدام الواسع النطاق للقوة العسكرية الأميركية أو غيرها من أشكال القوة، معتبراً أن الحرب تجلب مفاجآت غير متوقعة وتحبط حساباته العملية كرجل أعمال. رابعا، قراراته مبنية على الواقعية والبراغماتية وعلى الفائزين والخاسرين، ولا ترتبط بأي حال من الأحوال باعتبارات الصواب والخطأ أو الاعتبارات التاريخية. وفي سياق هذه المبادئ، أدلى أحد مستشاري ترامب بتصريح مقتضب بعد الانتخابات بأنهم سيبعثون برسالة واضحة إلى أوكرانيا مفادها أن الحل لا يتمثل في استعادة الأراضي المحتلة، بل في الاتفاق على ترتيبات أمنية وفقا لذلك، وقد وجد أن انتقادات ترامب لأوكرانيا تركز الصين إلى حد كبير على سياساتها الاقتصادية. وصرح ترامب في وقت سابق أن نتنياهو بحاجة إلى اتخاذ إجراءات لحل الأمر، دون أن يوضح ما إذا كان ذلك يعني استخدام المزيد من القوة أو وقف العمليات العسكرية، وظهرت أنباء عن أنه أبلغ نتنياهو أنه يفعل ذلك لولايته الجديدة التي لا يريد أن تبدأ ولايتها. في كانون الثاني/يناير مواضيع ساخنة، وهناك تسريبات حول طريقة تحقيق وقف إطلاق النار واستقراره في لبنان، وهو ما يصعب تحقيقه في ظل إهمال حزب الله وارتباطاته بإيران. وذكر نتنياهو أنه تحدث مع ترامب أكثر من مرة بعد انتخابه وأن هناك انسجاما تاما في المواقف، وقد تم تفسير ذلك على أنه يتعلق بالتهديد الإيراني. ستكون الأشهر الأخيرة من عام 2024 مليئة بالأحداث المهمة التي تؤثر على أمن واستقرار ومستقبل الشرق الأوسط، مما سيحدد نغمة العام المقبل وتطوراته في ظل اتجاهات السياسة الأمريكية الانعزالية والانكماشية بشكل متزايد.