السفير عمرو حلمي يكتب: سقوط الحكومة الفرنسية والدخول في أزمة ممتدة

منذ 3 شهور
السفير عمرو حلمي يكتب: سقوط الحكومة الفرنسية والدخول في أزمة ممتدة

بسبب التطورات في فرنسا، أصبحت حكومة ميشيل بارنييه أول حكومة منذ عام 1962 يتم الإطاحة بها بسبب التصويت على حجب الثقة. كما أصبح بارنييه هو الشخص الذي تولى رئاسة الحكومة لأقصر فترة في تاريخ فرنسا الحديث، لأنه تولى رئاسة الحكومة في الخامس من سبتمبر/أيلول الماضي، حيث عُلقت عليه الآمال في أن يتمكن من تهدئة العاصفة السياسية التي لم تكن كذلك. ولم يقتصر الأمر على تدمير فرنسا فحسب، بل هدد أيضًا منطقة اليورو بأكملها. لكنها انتهت بتخبط كارثي من شأنه أن يرسل موجات صادمة في جميع أنحاء أوروبا.

وبعد ثلاث ساعات ونصف من المناقشات، صوت 331 نائبا لصالح الإطاحة بالحكومة، في حين كانت هناك حاجة إلى 289 صوتا فقط لسحب الثقة. وقالت يائيل برون بيفييه، رئيسة الجمعية الوطنية: “بعد التصويت على سحب الثقة، يتعين على رئيس الوزراء تقديم استقالة الحكومة إلى رئيس الجمهورية”. وأعلنت الرئاسة الفرنسية أن بارنييه سيقدم استقالته خلال ساعات.

منذ اللحظة التي تولى فيها رئاسة الحكومة، كان واضحاً أنه يُعهد إليه بمهمة شبه مستحيلة نظراً للانقسامات الشديدة في الحياة السياسية الفرنسية. وبعد أن تقدم الحكومة استقالتها، يمكن للرئيس ماكرون أن يبقيه كرئيس مؤقت لحين العثور على بديل، حيث من المتوقع أن تجد الحكومة الفرنسية الجديدة صعوبة في تحقيق الحد الأدنى من الاستقرار. وبعد فشل الحكومة السابقة، بحسب بعض التقديرات، يصعب تصور نجاح الحكومة الجديدة في مهمتها.

ويبدو الوضع مستعصيا إذ يرى البعض أن الحل الوحيد لتجاوز الأزمة هو رحيل ماكرون نفسه. وتتزايد الضغوط على الرئيس، خاصة أنه بحسب آراء عديدة هو المسبب الرئيسي للأزمة التي تشهدها فرنسا، بعد أن قاده الغطرسة وقلة الخبرة في يونيو/حزيران الماضي إلى حل مجلس الأمة وإجراء انتخابات برلمانية بعد هزيمة حزبه. في الانتخابات الأوروبية دون أن يدركوا العواقب.

وعلى إثر هذه التطورات، يواجه الرئيس ماكرون أصعب اختبار سياسي في ولايته الثانية، مما دفع صحيفة لوموند إلى التساؤل: هل فرنسا الآن يونان، ولكن على نهر السين؟ وهي على حق تماما، خاصة وأن فرنسا مقبلة على الدخول في فترة طويلة من عدم الاستقرار السياسي، الأمر الذي ستكون له عواقب مالية هائلة فضلا عن تداعيات تتجاوز الحدود السياسية للبلاد وتؤثر على الاتحاد الأوروبي، باعتبار أن فرنسا ثاني أكبر قوة اقتصادية في منطقة اليورو بعد تعثر ألمانيا أيضا.

وقد يحاول ماكرون تعيين رئيس وزراء جديد بسرعة لتجنب الإحراج الناجم عن عدم وجود حكومة، خاصة وأن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب من المقرر أن يصل إلى باريس لحضور إعادة افتتاح كاتدرائية نوتردام. إن عدم القدرة على إجراء انتخابات نيابية جديدة قبل يوليو المقبل يعني أن الجمود الحالي في مجلس الأمة سيستمر، وهناك خطر أن ينتهي العام دون حكومة مستقرة أو موازنة متفق عليها لعام 2025. وليس هناك أيضا ما يشير إلى أن هذا سيكون هو الحال. من السهل تشكيل حكومة قادرة على نيل تأييد برلمان منقسم في ثلاثة اتجاهات دون أغلبية مطلقة، ولا ينبغي للرئيس ماكرون هذه المرة أن يحتكر سلطة اختيار رئيس الوزراء الجديد دون استشارة مختلف القوى السياسية.

ويبدو أن الوضع معقد للغاية، حيث أن البلاد، التي تعاني بالفعل من انخفاض النمو وارتفاع الديون والعجز، قد تدخل مرحلة جديدة من عدم الاستقرار. وتقدر قيمة الديون الفرنسية بنحو 3.5 تريليون دولار، منها 369 مليار دولار تستحق العام المقبل، وتكمن أسباب ارتفاع الديون الفرنسية في أزمة كورونا وتمويل أوكرانيا. ويرافق ذلك عجز في الموازنة يبلغ 6.1%، وهو أعلى من شروط الاتحاد الأوروبي.

ولا ينبغي النظر إلى ما تعيشه فرنسا بمعزل عن التحديات التي تواجهها دول الاتحاد الأوروبي نتيجة فوز دونالد ترامب الذي ينتهج أجندة أميركية مختلفة عن تلك التي ينفذها الرئيس بايدن، لا سيما فيما يتعلق بأوكرانيا. قضايا الأمن والدفاع والعلاقات التجارية بين شطري الأطلسي. خاصة وأن الاتحاد الأوروبي لا يبدو في أفضل حال بعد النكسة التي تعرضت لها فرنسا وألمانيا، والتي تركت أوروبا بدون قيادة قوية راسخة. وينعكس هذا الموقف بوضوح في انعدام الأمن الذي تعاني منه القوة الاقتصادية الأضخم في أوروبا، ألمانيا، وفي عدم استقرار القوة النووية الوحيدة في الاتحاد الأوروبي، فرنسا. خاصة أن الرئيس ماكرون من المرجح أن يواجه صعوبات كبيرة حتى نهاية ولايته الثانية عام 2027 إذا تمكن من إكمالها.


شارك