شهادات سجن صيدنايا.. سجين يروي كيف تمت تصفية القاضي السوري نايف الرفاعي بأبشع الطرق
بعد اجتياح العاصمة السورية دمشق والإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد، تمكنت قوات المعارضة السورية من اقتحام سجن صيدنايا وتحرير جميع السجناء منه.
صيدنايا هو واحد من أكثر السجون العسكرية السورية تحصينا وأحد أكثر المواقع سرية في العالم. كما أطلق عليه اسم “السجن الأحمر” بسبب التعذيب والحرمان والاكتظاظ نتيجة الأحداث الدموية التي شهدتها.
وفي عام 2019، قدم كتاب “سجن صيدنايا خلال الثورة السورية: شهادات شهود” الصادر عن رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا، تفاصيل مروعة عن الحياة في السجن سيء السمعة، بحسب كلمات 14 شخصاً نجوا من الموت. وتعرضوا لأشد أنواع التعذيب والترهيب.
ويحكي الكتاب عن مذكرات الأسرى والمصاعب التي واجهوها بسبب الجوع ونقص المياه وتدهور صحتهم والعقوبات والإعدامات التي فرضت عليهم وأساليب التحقيق الوحشية.
ووثق الكتاب اللحظات التي قُتل فيها السجناء في السجن، والأساليب التي استخدمها حراس السجن بعد ذلك لترهيب الباقين بجثث القتلى، بحسب شهادة أحد السجناء، وكيف أجبرهم حراس السجن على القتل. زملائهم الأضعف مقابل الحفاظ على حياتهم وتزويدهم بالطعام الإضافي.
الشهادة السابعة: إذا اتصلت بالمرض، فقد يعني ذلك نهايتك
وينقل الكتاب هذه المرة عن أحد السجناء عماد الدين شحود، عن تجربته مع أحد القضاة القاضي نايف الرفاعي. وقال: “التقيت بالقاضي الرفاعي في المبنى الأحمر لسجن صيدنايا”، وبقينا معاً حتى مقتله في نيسان/أبريل 2014. كانت أخلاقه ممتازة وكان محترمًا وودودًا للغاية. عائلة كريمة من درعا. أطلق سراح والده فيصل من المخابرات الأجنبية عام 1975.
وأضاف: نايف ولد عام 1974 مثلي تماما، لذلك كنا قريبين. وكما أخبرني، فقد أكمل دراسته الثانوية وسافر إلى الإمارات العربية المتحدة للعمل. ثم عاد ودرس القانون وتقدم إلى القضاء العسكري. زوجته معلمة لغة إنجليزية في مدارس داريا، اسمها هند الحامد، نازحة من الجولان، وشقيقها فراس كان رئيس فرع أمن الدولة في حمص. لديهم ابنتان، جوليا ونورما. كان يسكن في صحنايا وحصل على سيارة جيب “واز” من وزارة القضاء العسكري بسبب عمله.
وتابع: “لم يميزوه في السجن بشكل جيد، وربما تعرض للضرب أكثر من غيره”، كما تم اعتقال شقيقته لدى المخابرات الجوية بتهمة تهريب شاب مطلوب من درعا.
وتابع: كان مع الثورة من كل قلبه. واتهم بالتعامل مع الثوار في دمشق وتسريب أوراق سرية تتضمن أحكاماً بإعدام القاضي محمد كنجو حسن رئيس المحكمة الميدانية من خربة المعزّة في بانياس. كما اتُهم الرفاعي بتسريب عناوينهم، ما دفعه إلى البقاء في نادي الفروسية بالديماس لأسباب أمنية.
وأضاف عماد: أن النيابة حينها كانت تضم ثلاثة قضاة، أحدهم نايف، والثاني نمر النمور من قدسيا، والذي تمكن من الفرار قبل القبض عليه، وثالث لم أعد أذكر اسمه. ولم يمثل نايف أمام المحكمة إلا مرة واحدة، في أكتوبر/تشرين الأول 2013، حيث اتهمه تلميذه سامر معلا، صهر المسؤول الأمني الشهير اللواء عبد الفتاح قدسية، وابنته فتون، بالرفاعي. قال لي نفسه.
قال عماد: بعد زيارة زوجته الأخيرة أعاده جندي اسمه عيسى محمد من صافيتا. أعتقد أنه وحده قتل حوالي 1000 سجين. أخذه إلى المهجع، وأجلسه على الأرض، وبدأ يضربه على بطنه بمعول حديدي ثم غادر. وبعد خمس دقائق بدأ القاضي ينزف من فمه ثم أغمي عليه.
وتابع: كان لدينا طالب في كلية الطب في السنة الثانية اسمه محمد القاسم، توفي فيما بعد. سألته فقال هذه أعراض نزيف في المعدة. كان نايف في السابق رجلاً ضخماً وممتلئ الجسم، يبلغ طوله حوالي 190 سم، لكنه فقد الكثير من وزنه بسبب الجوع والمرض والخوف. كان يعاني من مرض القلب وكان يتناول نوعين من الأدوية، بما في ذلك مخفف الدم. لقد أعطوه العلاج في البداية ثم أوقفوه.
وتابع: أثناء النزيف لم يكن لدينا سوى الماء. فغسلنا وجهه وفمه وأعطيناه قطعة برتقالة فتقيأها ومات رحمه الله.
الحالة الطبية
قال عماد: إذا أدركت أنك مريض، فقد يعني ذلك نهايتك لأنك ستتعرض للضرب مراراً وتكراراً في طريقك إلى مشفى تشرين العسكري وحتى على يد الطبيب. إذا رافقك الحراس، فسيعطونك رقمًا ويمنعونك من ذكر اسمك. ذات مرة اتصلت بمرضي وأعطوني الرقم 2529. تمت إحالة حوالي 30 شخصًا منا إلى المستشفى، وعندما وصلنا، كان أربعة منا قد ماتوا. وفي اليوم التالي أخذوني لوضع جثث المتوفين في أكياس في المستشفى. وقتل أكثر من 15 منهم على يد الشبيحة والأطباء. أعتقد أن عدد الذين ماتوا في هذا المستشفى أكبر من عدد الذين ماتوا في سجن صيدنايا.