«ضي» يحقق مهمة السينما المقدسة فى رحلة التمسك بالحلم وسط عناد المجتمع

• الفيلم يبشر برؤية جديدة وقوية لنهضة السينما المستقلة في مصر.. وحان الوقت ليأخذ فرصته في دور السينما.
عندما تجسد السينما حلمك ويتحقق على الشاشة، في المسرح تشعر وكأنك تحلق بعيدا وتعيش في عالمك الخاص الذي أردته.
هذه هي مهمة السينما المقدسة، التي تقرب واقعك وتشعل فتيل الأمل بداخله. ينير لك طريق نفسك ويتغلب على قسوة الزمن وعناد الأيام.
هذا ما عايشته في الفيلم المصري السعودي «ضي.. سيرة أهل ضي» للمخرج كريم الشناوي والمؤلف هيثم دبور، والذي عُرض في افتتاح مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي الرابع. كتجربة تهمس في القلب وتحفز العقل على عدم التوقف عن الوصول إلى الهدف، من خلال… دراما ممزوجة بالبهجة وشخصيات حقيقية تنبض بتناقضات الحياة في ما يسمى “سينما الطريق” وفي كل مكان على هذا خلال الرحلة، يتم تجربة جميع المواقف المتصاعدة بسلاسة وسرد. عفوية في الشكل، واقعية في النهج، وعميقة في المضمون.
يعبر الفيلم بصراحة وبشكل مؤثر عن قيمة التسامح، والطموح، وقوة تأثير الموسيقى التي تتخذ من صوت منير رمزا لها، والقدرة على مواجهة التحديات. ومن المؤكد أنها ستترك صدى عميقاً لدى الجمهور وتسعد المشاهد بتجربة التجربة بكل تفاصيلها.
يحكي الفيلم قصة “دعاء” صبي يبلغ من العمر 11 عامًا، ألبينو “عدو الشمس”، يعيش ليلًا مع والدته وشقيقته، وهي عائلة من النوبة هجرها والده، في 28 عامًا. ساعات من الأحداث تعيشها الأم عذاب تربية ابنها الذي يجد نفسه في ظروف خاصة، وسط تنمر مستمر من زملائه في الصف، وخاصة زملائه في المدرسة، وفي نفس الوقت تخاف الأم على ابنها من العالم ويفصله عنه ويسيطر عليه الخوف، لدرجة أنه يمتلك موهبة غنائية كبيرة ويحب صوت المطرب المصري محمد منير، لكن والدته تمنعه من الغناء ومواجهة العالم، وهو ما يمثل تحديا آخر لدعاء.
وعلى الرغم من صوته الجميل، يواجه ضي تحديات وتناقضات صعبة والظروف العامة المحيطة به بسبب مظهره الفريد، لكنه الآن يحلم بالسير على خطى المطرب محمد منير بصوته الساحر، ويعتبره مثله الأعلى. عندما تتاح له فرصة تجربة أداء برنامج The Voice، ينطلق “ضي” وعائلته في رحلة محفوفة بالمخاطر من أسوان إلى القاهرة. بدون مال أو وسيلة اتصال، كان هو وأخته وأمه ومدرس الموسيقى هم الذين آمنوا به، وهو الذي اقترح عليه المشاركة في البرنامج، وأن تعطى موهبته فرصة للتطور، وهكذا عليه أن يتحرر من جدران الخوف والرهاب الاجتماعي، حتى ولو لم يكن متأكداً من قدرته على تحقيق الهدف ومواصلة حلمه.
ويعلن الفيلم عن رؤية جديدة ومبهرة لنهضة السينما المستقلة في مصر من خلال معالجة هيثم دبور المتميزة والسيناريو المؤثر، فضلاً عن الأسلوب السردي والإيقاع السريع لأحداثه المدهشة والثروة المذهلة من الصور المليئة بالمشاعر واللحظات الملهمة. قدمه لنا المخرج كريم الشناوي والذي يجعلنا نتابع الرحلة بكل ضمير وحيوية. وفي الحالة العاطفية للفيلم، لا أنسى إبداع المصور. عبد السلام موسى والظهور العفوي لأبطال الرحلة يواجهون تحديات لأنهم رغم انكسارهم قدموا شخصيات حية ومشرقة، الفنانة السعودية أسيل عمران التي قامت بشخصية معلمة الموسيقى القبطية “صابرين” وفي لهجة أهلها الجنوبيون الذين يؤمنون بحق “ضي” ويعيشون معه في جو نفسي جديد بعيداً عن ضغوط مجتمعهم، قدموا أجمل وأبرز الأدوار. وبسبب تأخرها في الزواج، كان ذلك بمثابة رصيد كبير من الأمل في مواجهة يأس الأم، الذي جسده بمهارة السوداني إسلام مبارك وهي تتأرجح بين اليأس والإصرار على الاستمرار. الرحلة جاءت بعد أن آمنت بضرورة منح ابنها الفرصة وكانت معهم الأخت التي جسدتها حنين سعيد وبالتأكيد كان المحرك الملهم للعرض هو عفوية وبراءة “ضي” التي يؤديها بدر محمد ورفاقه. صوت حزين، وكانت هناك لحظات رائعة منها لقائه مع محمد منير الذي ظهر بشخصيته الحقيقية وهدى القدر للقاء “دعاء” وسماع صوته وهو ليعطي الأمل ويحقق حلمه ويتمسك به، ومنها لحظة نجاحه بعد ظهوره مع الإعلامية لميس الحديدي، وكذلك مشهده مع رجال الإطفاء الذين حاولوا إعادته إلى والدته بعد أن فقدوه له في محطة القطار كان.
كما شهدت الأحداث مشاركة عدد من النجوم الذين ظهروا في الفيلم كضيوف شرف وقدم كل منهم خطه الدرامي الخاص به، الذي جمعته الظروف مع بطل الفيلم، مثل محمد ممدوح، أحمد حلمي، صبري فواز، محمد شاهين. وحنان سليمان وعرفة عبد الرسول.
يتناول الفيلم موضوعًا مختلفًا ويعبر عن المشاعر الصادقة للأشخاص المهمشين على اختلاف أنماطهم، والذين لديهم أحلام بسيطة يمكن أن تضيع وسط التعقيدات والأزمات الكبيرة التي تحيط بالناس، ويلامس الطريق إلى دولة تخلق المصالحة مع الذات، أحلام ومتغيرات وأنماط مختلفة في المجتمع، وتبقى تجربة مهمة ومختلفة لمسار السينما المصرية الذي يسلكه الشباب حاليا، وهو ما يتطلب أن تمنحها المسارح الفرصة والوقت للجمهور لمشاهدتها، ولا يقتصر الأمر على شاشات المهرجان.