مصطفى الفقي يكتب: الرابحون والخاسرون منذ سقوط الأسد

منذ 3 ساعات
مصطفى الفقي يكتب: الرابحون والخاسرون منذ سقوط الأسد

إذا قرأنا تقارير زيادة الوزن وخسارته في دول غرب آسيا في الأشهر الأخيرة، نحصل على مؤشرات يجب قراءتها جيدًا حتى نتمكن من فهم ما حدث وبناء بعض التوقعات عليه، رغم أنني يجب أن أعترف، أن الأحداث سريعة ولا يمكن متابعة ذلك لأن السياسة على الأرض وفي منطقة العمليات تتطور بشكل أسرع بكثير. ومن كتابات وتوقعات وسائل الإعلام والدبلوماسيين وحتى المفاوضين، تشير الأحداث في منطقة غرب آسيا ككل إلى أننا مقبلون على تغيير كبير وانتقال جذري من مرحلة إلى أخرى، ويبدو أن الأمور… أمامنا لديك سياق مخيف وغريب. لا نستطيع حالياً أن نميز بالضبط من ربح مما حدث ومن تكبد الخسائر مما حدث، ففصول الرواية لم تكتمل بعد ولم يسدل الستار بعد. لكن لا بد من قراءة الرأي الواضح والمشاهد النهائية أيضاً، فنحن ندرك ثقل القوى في المنطقة وعلينا أن نميز هنا عدة أطراف، وهي إيران وتركيا ثم العرب وإسرائيل، التي تقع تحت رعاية – بناء ودعم الولايات المتحدة الأمريكية من جهة والاتحاد الروسي من جهة أخرى. والآن لننظر إلى المشهد بأكمله والتغيرات في هذه المواقف المختلفة التي ذكرناها:

 

أولاً: في رأيي أن إيران، أو نظامها الحاكم على الأقل، تكبدت مؤخراً خسائر كبيرة على المستوى السياسي والعسكري والإعلامي، إذ إن ما حدث لحزب الله في لبنان نسب بالدرجة الأولى إلى طهران والوضع الصعب الذي تعيشه الإرادة اللبنانية. وما شهدته الدولة في الأشهر الأخيرة هو… تعزيز سلبي لثقل إيران في المنطقة، باعتبار أن حزب الله كان عميلها الأكبر وأداتها الأساسية في الصراع مع إسرائيل ومواجهتها المباشرة، وهي اغتيال القائد الأعلى. زعيم حزب الله حسن. نصر الله وبعض رفاقه بعد اغتيال إسماعيل هنية في إيران، الذي كان يتزعم حركة حماس ويشعر بقربه وولائه لطهران. ثم توالت مواكب الشهداء في ظل الألحان الحزينة في المنطقة. ولست أؤمن بالضرورة بسياسة إيران ككل، لكنني أدرك أن طهران كانت ولا تزال خصماً. ومن المكاسب المؤقتة التي حققتها إسرائيل مؤخرا، لا شك أن الخسارة الكبرى التي منيت بها السياسة الإيرانية في الشرق الأوسط هي خسارة أهم حليف لها، وهو أهم بالنسبة لها من حزب الله، وهذا ما أقصده. الدولة السورية، التي انفصلت عن الولاء لوكلاء إيران بعد سقوط نظام بشار الأسد والتغيرات الدراماتيكية التي شهدتها المنطقة بعد ذلك. وبدا واضحاً أن طهران تلقت صاعقة مع الانهيار السريع لنظام الأسد في دمشق ولجوئها إلى الفيدرالية الروسية بعد أكثر من نصف قرن عانت فيه سوريا في ظل حكم هذا المجلس مما أثر على المجتمع العربي بشكل عام. وخاصة أن هوية الثوار الجدد من مدينة إدلب ومحيطها. من التنظيمات والميليشيات والتي لا تزال جميعها قيد البحث والدراسة للتأكد من حدوث تغيير جذري لدى شباب هذه التنظيمات يقودهم إلى التوحد تحت رايات العروبة والولاء للدولة السورية الموحدة، الأمر الذي يثير شعارات التلاحم والاستقرار كما كان الحال منذ عهد معاوية الذي أسس الحكم على أساس الملكية الوراثية في ظل الدولة الأموية، مما يعكس طابع الشام الكبير ومكانته الإقليمية ولم يحدث شيء من هذا القبيل منذ سقوط حكم الشاه. وصل الملالي إلى السلطة.

ثانياً: لا شك أن تركيا من أكبر الرابحين من الأحداث الأخيرة، إذ هي التي أحدثت إسقاط نظام الأسد الذي اختلف معه، وبالتالي أصبحت صاحبة مفاتيح السلطة في دمشق، فما خسرته طهران، لقد انتصرت أنقرة تلقائياً، معتبرا أن الدولة العربية خسرت بذلك معركة ضد الأتراك، رغم أننا نعتقد أن نظام الأسد لا يستحق ذلك، مع الأسف. ليصبح خاصة بعد أن كثرت فضائحه وجرائمه بحق السجناء وأنواعهم الأخرى. لقد ترك التعذيب الذي أتقنوه بوسائلهم علامة حزينة على وجه المشرق وجعل من الصعب التنبؤ سياسياً بما سيأتي. السياسة فرع من فروع العلوم الاجتماعية، لا تسمح منطلقاتها بالضرورة بالتنبؤ الدقيق بالمستقبل القريب أو البعيد، لأن جميع الظواهر الإنسانية لا تخضع لحسابات رياضية محددة، لأنها مرتبطة بالعنصر البشري، الذي لا يمكن قياسه. قياساً واضحاً، وهو موجود لا شك أن شخصية رجب طيب أردوغان تمنحه مرونة واضحة في المواقف السياسية، وتمنعه من الالتزام بمبادئ وشعارات لا يعبر عنها علناً. تقوم تركيا بتصفية حساباتها التاريخية مع العرب في أي وقت من خلال مواقفها من أحداث الصراع العربي الإسرائيلي، حيث تعتبر أنقرة داعمة صريحة للفلسطينيين، ولكنها تحتفظ أيضًا بعلاقات طبيعية مع الدولة العبرية، كما أزعم أن تركيا الرابح الأكبر من هذه الأحداث الأخيرة، والتي لسنا معفيين منها. وهي منخرطة في ذلك، وقد تخلصت أخيراً من الفصائل أو في طريقها لذلك، وكانت أيضاً داعمة غير مباشرة لداعش. التي تحاول بكل قوتها العودة إلى المسرح. السياسة في المشرق العربي، وخاصة سوريا والعراق. بالإضافة إلى ذلك، أصبحت أنقرة الآن حاضرة في كل مكان، وبالتالي يمكنها كبح جماح حزب العمال الكردستاني، العدو الأكبر للنظام التركي.

ثالثا: لا شك أن إسرائيل بكل أساليبها العنصرية والعدوانية وجرائمها الكثيرة التي لم يعاقب عليها، هي الرابح الأكبر في المنطقة، وهي التي جنت أرباحا كبيرة وأرباحا هائلة من حروب غزة وغيرها من الدول. وبالإضافة إلى تدمير الآلة العسكرية السورية في ظروف مشبوهة ولأسباب غير مفهومة، ومع الإطاحة بنظام الأسد، نفذت إسرائيل أيضاً تدميراً شاملاً للبنية العسكرية السورية جواً وبراً وبحراً فرصة أنه ليس كذلك تستخدم لتدمير جيرانها العرب وحل القضية الفلسطينية بالقوة. وهنا نرى نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، يصل ويتجول، متفاخراً بما حققه لإسرائيل، ومؤكداً أنه يعيد رسم خريطة المنطقة بحيث تصبح الدولة اليهودية مركز الثقل في الشرق الأوسط.

رابعاً، إذا نظرنا إلى روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الأمريكية نجد أن موسكو تدرك الخسارة الكبيرة التي يجلبها فقدان نظام بشار الأسد، ولكنها تعمل جاهدة للحفاظ على ما تبقى منه، وتتفاوض بشأن مقايضة قاعدتين بحريتين في البحر المتوسط بمحاذاة الساحل السوري في منطقتي اللاذقية وطرطوس، في وقت تشير المؤشرات إلى احتمال التصعيد في المنطقة. إن الحرب الروسية الأوكرانية هي الأولوية القصوى لموسكو، بغض النظر عن الظروف. أما الولايات المتحدة الأمريكية فلا حرج وكأن البيت الأبيض يستعد لاستقبال سيده الجديد بأفكاره الغريبة وسياساته غير العادية التي يصعب التنبؤ بنتائجها أو يصعب دراسة مسارها . لكن المؤكد هو أن القادم أسوأ من الماضي وأن العرب مقبلون على فترة صعبة في المنطقة نحتاج فيها إلى تضامن عربي بقيادة مصر والسعودية، والذي يضم العراق والأردن، قطر والإمارات وحتى جميع الدول الأخرى تنضم إلى دول الخليج والمشرق العربي في معركة نهائية حتى الموت في منطقة حساسة للغاية في قلب العالم العربي، مركزه. ننظر للمستقبل تارة بتفاؤل حذر وتارة بتشاؤم عميق.. فلنراقب الأحداث ونتابع المشهد عن كثب!

نقلاً عن صحيفة الإندبندنت العربية


شارك