ماذا نعرف عن كوباني “عين العرب” التي تعيدها أحداث سوريا إلى الواجهة؟
ربما سمع الكثير منا عن مدينة كوباني أو عين العرب خلال الحرب الأهلية السورية، وتحديداً في أواخر عام 2014 عندما حاصرها تنظيم داعش وسيطر على بعض أحيائها.
ما لفت انتباهنا هو وجود اسمين للمدينة: أحياناً يطلق عليها الإعلام اسم عين العرب، وهو الاسم الرسمي قبل الحرب الأهلية السورية، وأحياناً يسمونها كوباني، وهو الاسم الذي يطلقه عليها الأكراد.
تقع مدينة كوباني أو عين العرب في أقصى الشمال السوري، على بعد حوالي 130 كيلومتراً شمال شرق مدينة حلب. ويحدها الحدود السورية مع تركيا من الشمال، ويمر بها نهر الفرات على بعد 30 كيلومتراً إلى الغرب منها.
وبحسب إحصاء عام 2004، بلغ عدد سكان المدينة حوالي 45 ألف نسمة، وليس من الواضح كيف تغير هذا العدد في السنوات اللاحقة مع اندلاع الحرب في سوريا وشهدت المدينة والمناطق المحيطة بها موجات من النزوح.
مدينة كوباني جديدة نسبياً وكان تأسيسها مرتبطاً بمشروع سكة حديد بغداد الذي نفذته في بداية القرن العشرين شركة ألمانية على أراضي الدولة العثمانية، والذي كان يهدف إلى ربط برلين ببغداد من خلال بناء خط السكك الحديدية. المدينة خط سكة حديد يمتد من إسطنبول عبر الأناضول وشمال سوريا والعراق إلى بغداد.
زار عالم الآثار الإنجليزي ليونارد وولي المنطقة التي تشكل الآن مدينة كوباني والمناطق المحيطة بها في أوائل القرن العشرين ووصفها بأنها موطن للقبائل الكردية التي عاشت نمطًا بدوية واستيطانًا مختلطًا، مع قرى صغيرة منتشرة عبر الوديان في بعض القبائل العربية كما عاش غرب المنطقة باتجاه الفرات.
هناك عدة روايات حول اسم “كوباني”:
الأول أنها مشتقة من كلمة “شركة” الألمانية وتشير إلى الشركة التي نفذت مشروع سكك حديد بغداد وبنت محطة قطار صغيرة شمال الموقع الحالي للمدينة. ويشكك البعض في صحة هذه القصة على أساس أن كلمة “شركة” في الألمانية لا تعني “شركة” كما تعني في اللغة الإنجليزية.
أما القصة الثانية فتشير إلى أن اسم كوباني مشتق من الكلمة الألمانية “باهن” وتعني “الطريق”، ومن الاسم الألماني لخط السكة الحديد الذي يمر عبر المنطقة.
وهناك رواية ثالثة نقلتها بعض المصادر الكردية تشير إلى أن الاسم مأخوذ من “كوم بني”، وهو مصطلح كردي يعني “الاتحاد الأعلى” يطلق على تحالف قبلي كردي كان موجودا في هذه المنطقة نشأ لدرء هجمات العشائر المجاورة. .
ومهما كان أصل التسمية فهي تشير الآن إلى المركز السكاني الذي بدأ بالتشكل جنوب محطة القطار التي بناها الألمان على خط سكة حديد بغداد عام 1912.
وفي عام 1915، استقر عدد كبير من الأرمن في كوباني وكانوا من بين الذين طردوا بعد ما يسمى بـ “المجازر الأرمنية”. كما اجتذبت المدينة الناتجة العديد من الأكراد من المناطق المحيطة.
وبعد الحرب العالمية الأولى، تم ترسيم الحدود بين تركيا وسوريا التي كانت تحت الانتداب الفرنسي، بموجب ما سمي باتفاقية أنقرة لعام 1921. وكانت هذه الحدود تمتد على طول خط السكة الحديد عند كوباني، وبالتالي أصبحت المناطق الواقعة شمال السكة الحديد جزءاً من تركيا. وأدى ذلك إلى ضم جزء صغير من مدينة كوباني الشمالية إلى الأراضي التركية – المعروفة الآن باسم “مرشد بينار”، وبقي معظم المدينة تحت سلطة الانتداب الفرنسي على سوريا.
ورغم ذلك، ظلت حركة المرور عبر الحدود نشطة في هذه المنطقة، خاصة أن كوباني كانت متصلة بمناطق أخرى أصبحت فيما بعد جزءاً من الأراضي التركية، مثل مدينة سروج التي تبعد 10 كيلومترات فقط إلى الشمال.
بعد انتهاء الانتداب الفرنسي على سوريا عام 1946، أصبحت كوباني جزءًا من الجمهورية السورية وتوسعت لتصبح مدينة في العقود التالية.
أصبحت المدينة مركز منطقة عين العرب في محافظة حلب السورية وعرفت في الدوائر الرسمية باسم “عين العرب” إلى جانب الاسم المحلي “كوباني”. وكانت هذه المضاعفة للاسم محل جدل بين من رأوا فيها “تعريبا” لاسم كردي ومن رأوا فيها تناقضا طبيعيا نظرا لحداثة المدينة نسبيا.
وفي عام 2012، وفي أعقاب اندلاع الحرب الأهلية في سوريا، انسحبت القوات الحكومية المقربة من النظام السوري السابق من كوباني وعدة مناطق في شمال سوريا وسيطرت عليها وحدات قتالية كردية. وأصبحت كوباني تحت سيطرة وحدات الحماية الشعبية الكردية.
وأصبحت كوباني لاحقاً جزءاً من منطقة الفرات التابعة للإدارة الذاتية الكردية في شمال سوريا.
تصدرت كوباني عناوين الأخبار عندما شن تنظيم الدولة الإسلامية هجوماً على المدينة في أواخر عام 2014، واكتسبت المعركة هناك رمزية كبيرة وأظهرت ثبات المدافعين عنها.
ويرى بعض المراقبين أن معركة كوباني تمثل نقطة تحول في الحرب ضد داعش.
وفي أيلول/سبتمبر 2014، شن التنظيم هجوماً هدفه السيطرة على مدينة كوباني ومحيطها. وعلى الرغم من تدخل قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة، إلا أنها سرعان ما سيطرت على المدينة وتمكنت من محاصرة المدينة والسيطرة على تل استراتيجي يطل عليها.
في أوائل أكتوبر/تشرين الأول 2014، تقدم مقاتلو داعش وسيطروا على الأجزاء الشرقية والجنوبية من المدينة، وفي الأسابيع التالية كان هناك قتال مستمر في الشوارع وحولها بين المقاتلين الأكراد وداعش.
في 20 أكتوبر/تشرين الأول، نفذت طائرات التحالف بقيادة الولايات المتحدة عملية إنزال جوي لتزويد المدافعين عن المدينة بالذخيرة والمعدات والإمدادات الطبية.
وفي نهاية أكتوبر 2014، وصلت تعزيزات من الجيش السوري الحر إلى كوباني، تلتها تعزيزات أخرى من قوات البشمركة الكردية في العراق.
وواصلت المدينة المحاصرة القتال في الشهرين الأخيرين من عام 2014، وفي يناير/كانون الثاني 2015، أحرزت وحدات حماية الشعب الكردية والقوات المتحالفة معها تقدماً في القتال وتمكنت من طرد آخر مقاتلي داعش من كوباني في 26 يناير/كانون الثاني 2015. نفس الشهر.
وبحلول مارس 2015، تمكنت القوات الكردية من طرد تنظيم الدولة الإسلامية من معظم القرى التي احتلها حول كوباني.
وفي 25 حزيران/يونيو 2015، شن تنظيم داعش هجوماً جديداً على كوباني، شمل تفجيرات انتحارية، دخل بعدها مقاتلو داعش إلى البلدة وأطلقوا النار على سكانها. وقالت الحكومة المرتبطة بالنظام السوري السابق إن مقاتلي داعش دخلوا كوباني عبر تركيا، وهو ما نفته أنقرة.
ونزح معظم سكان المدينة إلى تركيا خلال فترة الحصار والاشتباكات مع تنظيم داعش، وطال الدمار أجزاء واسعة من المدينة.
وفي أكتوبر 2019، شنت القوات التركية عملية عسكرية في شمال شرق سوريا بهدف إنشاء منطقة عازلة بالقرب من الحدود السورية التركية وطرد المسلحين الأكراد من المنطقة.
دخلت القوات الحكومية المرتبطة بنظام بشار الأسد، برفقة قوات الشرطة العسكرية الروسية، المدينة في نفس الشهر كجزء مما وصفته وسائل الإعلام باتفاق ضمني بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية – وهو السقف الذي يتواجد تحته الأكراد. وتم ضم مقاتلين – بهدف منع وقوع المدينة تحت السيطرة التركية، كما كان هناك اتفاق آخر بين تركيا وروسيا وهو ما يسمى باتفاقية سوتشي، التي سمحت باستخدام القوات الروسية. والقوات السورية في المنطقة الحدودية مع تركيا لإخراج مقاتلي وحدات الحماية الشعبية الكردية من المنطقة.
وبعد سقوط نظام بشار الأسد، لم تتضح حقيقة الوضع في كوباني والمناطق المحيطة بها، فيما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن القوات الروسية انسحبت من المنطقة. وعادت كوباني إلى الواجهة بعد اندلاع الاشتباكات بين الفصائل المدعومة من تركيا والمسلحين الأكراد في شمال سوريا.